رئاستان ومقاومة وحرب 1
رئيس التحرير
المقالة الثالثة من باب «نافذة بمفاتيح متعددة» أتشارَك فيها مع الكاتبة اللبنانية والباحثة في الشؤون السياسية والاجتماعية الدكتورة هدى رزق وأمين سرّ مجلس الشعب السوري الكاتب والناشط السياسي القومي العربي الأستاذ خالد العبّود، وموضوعنا هو مقاربة المثلث الذي يتشكل من حولنا في لبنان وسورية ويشعّ على عالمنا العربي، ونحن على مسافة أيام من الاستحقاق الرئاسي في سورية، ولبنان يعيش الفراغ الرئاسي منذ أسبوع تقريباً، والمقاومة ومعها شعوب المنطقة وأحرار العالم يخرجون من عيد المقاومة والتحرير يحملون عبق الذكرى وأريج كلام قائدها.
رئاستان ومقاومة وحرب هي المعادلة الثلاثية التي تعبّر عنها العلاقة المتشابكة بين الاستحقاق الرئاسي في سورية وقضية المقاومة والحرب التي تشهدها سورية، وفي المقابل موقع الرئاسة اللبنانية في قلب هذا المثلث وتأثيره وتأثره بقضية المقاومة، ومستقبل الحرب على سورية وبالتالي رئاستها والعكس بالعكس، من زاوية تأثير التطورات السورية بكليتها والمتغيّرات المحيطة بقوة المقاومة في صناعة الرئاسة اللبنانية.
أربعة عناوين توافقنا عليها لكتابتنا المشتركة هي:
1- المقاومة وهوية الرئاسة في لبنان وسورية
2- الرئاسة في سورية وفي لبنان والحرب على سورية
3- الرئاستان والحرب على المقاومة
4- رئاسة لوقف الحرب ورئاسة لاستئنافها
أرسل الزميلان الصديقان مشاركتيهما بصيغتهما الأولى وكلفاني التشبيك والتقديم والإضافة بمشاركتي للربط واستكمال المعنى لمقالة واحدة تحتاج أن تخرج من كونها تشكلت من مصادر عدة، وأرسلت الخلاصة إلى الزميلين لإبداء الملاحظات والتعديل والإضافة، حتى تراضينا على نشر المقالة بالصيغة التي بين أيدي القراء اليوم.
هذه هي الحلقة الأولى من المقالة لتجيب عن عنوانيْن فرعيّيْن هما اتصال المقاومة بهوية الرئاستين من جهة وبالحرب على سورية من جهة أخرى، وفي الحلقة الثانية مستقبل الرئاستين وصلته بالجملة من جهة بالحرب على المقاومة ومن جهة أخرى بالمفرق بكلّ من الرئاستين.
المقاومة وهوية الرئاسة في لبنان وسورية
هدى رزق
– الربط بين هوية الرئيس المقبل في لبنان والحرب الدائرة في سورية مسألة بديهية. فسورية في حالة حرب عسكرية وسياسية، ولبنان مشارك في هذه الحرب سياسياً وميدانياً وإنْ أعلنت الدولة اللبنانية النأي بالنفس! فقواه السياسية الأساسية انغمست بها هجوماً ودفاعاً. كما أنّ الربط بين هوية الرئيس السوري المقبل مع تلك اللبنانية أمر تلقائي بالنسبة إلى المقاومة اللبنانية التي دفعت ضريبة الدم في الجنوب اللبناني في مواجهة «إسرائيل» وحلفائها المحليين والإقليميين والدوليين. كما أنّ وجودها في سورية كان ولا يزال دفاعاً عن لبنان المقاوم، الأمر الذي يلزمها بالتعاطي مع الاستحقاق الرئاسي بدقة، من خلال الإصرار على الهوية السياسية للرئيس المقبل في لبنان. والتأكيد على ترشح الرئيس الأسد الذي يعني تتويجاً لدحر العدوان التكفيري الغربي عن سورية، فالأمر في كلا الاستحقاقين أصبح مرتبطاً بالدور والفعالية وبمستقبل المقاومة.
خالد العبّود
– لا نعتقد أنّ الاستحقاق الرئاسي في سورية جاء حدثاً سياسياً مرهوناً بسباق سياسيّ تقليدي أو محصوراً بتعبئة فراغ مؤسساتي صرف، أو أنّه صراع مشاريع وبرامج مختلفة في عناوين فرعية أو رئيسية في نسقها المعرفي النظري، إن كان لجهة مستويات سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية، باعتبار أنّ الصراع الكلي في جوهره لم يكن كذلك، بمعنى أنّ الصراع الرئيسي في عنوانه الأساسيّ لم يكن صراعاً على كيفية قيادة الدولة، أو على العنوان الرئيسي للسلطة، بمقدار ما جاء على أكتاف صراع أعمق وأكبر وهو صراع يتجاوز الجغرافيا السورية، ويتعداها إلى فضاء إقليمي ودولي، جذوره منتهية بصراع مشاريع كبرى لها علاقة بعناوين رئيسية أساسية، تواجهت وتصارعت على قيادة المنطقة أو على السيطرة عليها، وإلحاقها بمعادلات دولية وإقليمية…
لهذا نرى أنّ الاستحقاق الرئاسيّ في سورية، من خلال مرشحين ثلاثة، جاء محسوماً لجهة مشروع بذاته، والمنافسة فيه وليس عليه. كون الاستحقاق جاء محمولاً على صمود ونصر السوريين، وبالتالي فإنّ صمود مشروع المقاومة جاء حاملاً لهذا الاستحقاق ولم يكن محمولاً عليه، الأمر الذي يجعل هوية الاستحقاق الكليّ هويّة مشروع محسوم لجهة المقاومة وليس صراعاً عليها.
ناصر قنديل
– في قلب المواجهة الاستراتيجية الدائرة على مساحة العالم حول هوية نظام عالمي جديد مات ما قبله ولم يولد جديده بعد، مخاض نظام إقليمي جديد يقرّر طبيعة وهوية ووجهة التوازنات والمعادلات الحاكمة للشرق الأوسط الصغير، الممتدّ من تركيا إلى مضيق هرمز وفي قلبه بلاد الشام إلى الشرق الأوسط الكبير الممتدّ من نيجيريا إلى أفغانستان وقلبه بلاد الشام. سيتقرّر كلّ شيء في النهاية على توازن دقيق للأمن «الإسرائيلي» لاعتبارات تتعدّى مجرّد النظر إلى مكانة «إسرائيل» في نظرة الغرب العسكرية والسياسية لمصالحه وثقافته وآليات صناعة السياسات الداخلية في دوله ودور اللوبيات الصهيونية فيها، بل وفوق ذلك كله لأنّ التوزان الحاكم لأمن «إسرائيل» هو التعبير الأدقّ عن حجم فائض القوة المتركز والمتجمع بيد القوى الاستقلالية والتحرّرية في المنطقة، التي باتت ببساطة شديدة في مكانة القلب من صناعة التوازنات الدولية الجديدة التي ستصنع النظام الإقليمي الجديد والنظام العالمي الجديد، وفي التعبير السياسي عن توازنات خفية لاتصالها بملفات الأمن المعقدة والسرية والرسائل المشفّرة لعناصر القوة، والاجتهاد لتجنّب تجربة خطرة لمقابلة القوة بالقوة في حرب عارية ومكشوفة ثبت أنها غير مرغوبة مع حشد الأساطيل الأميركية والتلويح بقرار الحرب، لكنها ميدان مقروء للرسائل وألغازها كما هو حال الصاروخين الغامضين وكيفية سقوطهما.
هنا تصير الرئاستان السورية واللبنانية المنصتين الرئيسيتين لصرف فائض قوة حلف المقاومة من جهة، والبيئتين المتاحتين للمعسكر الواقف قبالة حلف المقاومة من واشنطن إلى تل أبيب والرياض وأنقرة وباريس لمداخلات وتدخلات الحرب الناعمة التي باتت الميدان الوحيد الممكن في ظلّ توازن رعب دقيق وهش وسريع العطب.
الرئاسة في سورية وفي لبنان والحرب على سورية
خالد العبّود
– لم تذهب الأطراف المشتبكة في سورية باتجاه الاستحقاق الرئاسي، بمقدار ما جاء الاستحقاق إليها، وبالتالي كان ضرورياً أن تستعمل هذه الأطراف هذا العنوان في مواجهة بعضها، لكنّه عنوان في سياق المواجهة، وليس هدفاً رئيسياً فيها، ولا نعني هنا «مقام الرئاسة»، وإنما نعني «الاستحقاق الرئاسي»…
لهذا يمكننا القول إنّ الاستحقاق بحدّ ذاته لن يحسم الحرب، بمقدار ما سوف يؤثر فيها وفي نتائجها، وسوف يساهم في صيرورتها أيضاً، لجهة عناوين مهمة لم تكن الحرب بعيدة عنها، خصوصاً أنّ بعض هذه العناوين كانت أهدافاً حقيقية لهذه الحرب، ومنها شخص المرشح الأهمّ لهذا الاستحقاق، ونعني به الدكتور بشار الأسد.
الذهاب إلى الاستحقاق من طرف الدولة السورية تطلّب منها استحضار واستعمال جزء من طاقتها الكامنة، خصوصاً على مستوى قواتها المسلحة، لحسم بعض الرؤوس بالمعنى العسكري، والذهاب ولو من غير تركيز أو استعراض نحو ملامسة الشارع السوري وطنياً، لمعايرة الوجدان الجمعي لدى السوريين، وتحديد موقف هذا الشارع من هذه الحرب، وموقعه فيها ومنها.
إنّ هذا المشهد الأخير الذي رافق هذا الاستحقاق ساهم في إعادة حسابات عديدة ومهمة، وساهم في إعادة صوغ تشكيلات سياسية وعسكرية كانت في لحظة اختبار، أو قل في لحظة رهان عليها!!
هدى رزق
– لقد أثبتت التجارب التاريخية في سورية ولبنان منذ الاستقلال لغاية اليوم أنّ الانفصال السياسي التام بين البلدين أمر مستحيل على الصعد كافة، إذ باءت بالفشل كلّ محاولات سلخ القضايا المصيرية عن بعضها البعض. يطرح الفراغ في الرئاسة اللبنانية سؤالاً أساسياً حول عجز القوى اللبنانية عن انتخاب رئيس: هل هناك من ينتظر الانتخابات السورية ونتائجها؟ تحاول القوى المناوئة لسورية الأسد تعطيل انتخابات الرئاسة في لبنان خوفاً من الخسارة السياسية بعد خسارتها لسورية، وسقوط رهانات إسقاط الرئيس الأسد والمقاومة، وفي ظلّ الحرب الدائرة في سورية اليوم وترشح الرئيس الأسد الذي استعاد زمام المبادرة للحفاظ على استقلال بلاده بعد التدخلات الإقليمية والدولية، وفي ظلّ الدعم الشعبي الذي يلاقيه تحاول القوى الإقليمية سرقة هذا النجاح من يد المقاومين اللبنانيين عبر التعطيل لعلها تحرمهم من نصر سياسي.
ناصر قنديل
– كلما بدا أنّ الحرب على سورية هي الشكل المتاح من الحرب الناعمة البديلة من التصادم المباشر للكتل العسكرية الضخمة للدول الإقليمية العظمى ومن خلفها القوى الدولية الأعظم، وكلما بدا أنّ التوازنات التي تسفر عنها هذه الحرب تتخطى الفرص التي راهن عليها حلف الحرب على سورية لتغيير جذري في البيئتين اللبنانية والسورية، لمصلحة خيارات تتبع جذرياً لمحاوره الإقليمية والدولية سواء عبر الاستلحاق لسورية بالمحور التركي ـ القطري وللبنان بالمحور الفرنسي ـ السعودي كما في بداية الحرب، صارت الحرب على سورية هي ساحة مساومات غير معلنة وترصيد نقاط تفاوضي بين محورين وإقليمين ممتدّين من واشنطن إلى موسكو ومن الرياض وتل أبيب إلى طهران وبغداد وبيروت ودمشق، وفي المقابل كلما صار الزمن السياسي رئاسياً صارت الترجمة البعيدة من التنظير الخطابي والإنشائي للديمقراطية التي سيحرسها آل سعود أقرب إلى المساومات التي يفترض أن تجري تحت الطاولة ووراء الكواليس، حول شروط التسليم بصيغة حكم في سورية قادرة على ترجمة التفاهمات وضامنة للحرب على الإرهاب، ووضع المطالب الغربية والعربية من قبل حلف الحرب كشرط للخروج منها، وفي المقابل وضع الشروط المقابلة لحلف المقاومة الذي تشكل سورية المفصل الجغرافي السياسي والعسكري لمصادر قوته، وتجميع نقاط القوة لمواجهة الضغوط التفاوضية المتبادلة، لترتسم في النهاية في معادلة لا تتسع لها إلا الرئاسة في سورية أو الرئاسة في لبنان أو كلاهما، كتعبير عن الشوط الأخير في مباراة استهلكت كل فترات التمديد المتاحة لوقت إضافي ودخلت مرحلة ضربات الجزاء، قبل انطلاق صافرة الحكم بانتهاء المباراة مع بدء الانسحاب من أفغانستان، ليصير السؤال هل سيدفع حلف المقاومة ثمن الاعتراف بنصره في سورية وبوابته الرئاسية بولاية جديدة للرئيس بشار الأسد، من شروط ونمط وهوية الرئاسة في لبنان، أم سيستمرّ في حرب حافة الهاوية حتى يظفر بالرئاستين، بعدما صار جسم المقاومة والجيش السوري هو القوة التي ترسم معادلة الميدان في الساحتين وصارت لعبة الوقت معه؟
أستاذة جامعية وباحثة وكاتبة – لبنان
أمين سر مجلس الشعب السوري وكاتب سياسي – سورية