متأسلمون يُستدرجون يُستعملون وبعد ذلك يُسحقون
توفيق بن رمضان
العديد من أبناء التّيّارات السّياسية الإسلاميّة تدفعهم الحماسة الدّينيّة للقيام بأعمال متهوّرة وغير عقلانيّة توردهم موارد الهلاك وتدمّرهم وتدمّر أوطانهم، ومن حيث لا يدرون هم يقدّمون خدمات لأعداء الأمّة وينفّذون لهم أجنداتهم ومخطّطاتهم التّآمرية المدمّرة للشّعوب والأوطان.
لنعد إلى التّاريخ القريب عندما دفع الشّباب المشحون بالعواطف والحماسة الدّينيّة، وبخاصة من أبناء التّيّارات الدّينيّة إلى القتال في أفغانستان، وذلك لتحقيق هدفين اثنين، الأوّل إفراغ الشّحنة الحماسيّة والتّخلّص من كلّ شاب متحفّز للقتال ضدّ الصّهيونية والإمبريالية أو الخروج على الأنظمة العميلة والمستبدّة في المنطقة العربيّة، والهدف الثّاني هو إضعاف وتفكيك الاتّحاد السّوفياتي، فقد استعمل لهذا الغرض الشّباب المسلم المغرّر به والمدفوع بالغيرة والحماسة الدّينيّة، وبهم تمكّنت أميركا والمنظومة الغربيّة المتصهينة من إضعاف الاتّحاد السّوفياتي وتفكيكه.
أمّا هذه الأيّام بعد الثّويرات العربيّة المزعومة والمصطنعة دفع الشّباب المتأسلم الذي لا يفقه من الدّين إلا القليل إلى السّاحة السّورية، واستدرج إليها حتّى لا يتمرّد على الأنظمة العميلة في المنطقة، واستعملوه ليدمّروا به سورية وجيشها، وبالتّالي ينفّذون ما عجزت عن تحقيقه «إسرائيل» وحليفتها المتصهينة أميركا، وقد حقّقوا لهم من حيث لا يعلمون إنجازاً عظيماً لم يكونوا ليحقّقوه وإن أنفقوا فيه مليارات الدّولارات، وإن ضحّوا بالآلاف من جنودهم، ولكنّهم بالعرب المتأسلمين الأغبياء والمغفّلين تمكّنوا من تحقيق أكثر ممّا كانوا يصبون إليه، فقد جرّدوا سورية من سلاحها الكيماوي واستنزفوا جيشها، ناهيك عن الخسائر الاقتصادية والضحايا من المدنيين والعساكر مع الإصابات والإعاقات.
وهذا كلّه لم يكن ليتحقّق لولا الغباء والحمق السّياسي والجهل بالألاعيب الاستخباراتيّة الصّهيو-غربيّة، فقد وجدوا شباباً متأسلمين أغبياء ومغفّلين متهوّرين يسهل التّلاعب بهم واستدراجهم واستعمالهم من حيث لا يدرون في تنفيذ مخطّطات ومؤامرات الأعداء في تدمير سورية وإضعافها واستنزاف جيشها، وكلّ هذا لتركيعها وإلحاقها بمجموعة الحكّام العملاء الماسكين بالعديد من الدّول في منطقتنا العربيّة.
أمّا الهدف الخفي وغير المعلن من المحرقة السّورية هو التّخلّص من هذا الشّباب «الجهادي» الذّي يشكّل خطراً على الأمن القومي للدّول الغربيّة و«إسرائيل»، فقد استدرجوا أغلب الشّباب المتحمّس للقتال من جميع أنحاء العالم إلى الأراضي العربيّة السّورية ليقضى عليهم بأجناد عرب وبأموال عربيّة، ومن لم يصفّ منهم فقد تمّ إظهارهم، وبالتّالي ستتمّ لاحقاً مطاردتهم والقضاء عليهم أو إلقاء القبض عليهم ومحاكمتهم والزّج بهم في غياهب السّجون، مثلما فعل بمن قبلهم من المجاهدين الأفغان بعد انتهاء مهامهم في الحرب ضد الاتّحاد السّوفياتي.
حقّاً إنّهم متأسلمون أغبياء ومغفّلون، فهل يتصوّرون أنّ الغرب سيسمح لهم بتأسيس دولتهم في العراق والشّام؟ فالغرب المتصهين لم يقبل بحكومة حماس المنتخبة بإشراف دولي وقد انقلبوا على الرّئيس مرسي في مصر وحكومة النّهضة في تونس على رغم كلّ التّماهي والخنوع والتنازلات التّي قدّموها للغرب المتصهين، ولكنّه تآمر عليهم وأزاحهم من السّلطة بعد انتخابهم، وبعد كلّ هذا، المتأسلمون الأغبياء والمغفّلون في سورية والعراق يتصوّرون أنّ الغرب سيقبل بدولة إسلاميّة متشدّدة على حدود الكيان الصّهيوني، هذا لن يحصل، وما «داعش» إلاّ مصيدة لهم لإظهارهم وتصفيتهم.
ولكن لنتكلّم بموضوعيّة ونتساءل، ما الذّي دفع هذا الشّباب للتّورّط في هذه الألاعيب والمؤامرات؟ وكما كان يقال سابقاً إنّ هناك قابليّة للاستعمار، فاليوم عندنا شباب مهيّأ للتحريك والتهييج، وهذا كلّه بسبب الأنظمة الحاكمة التّي كانت أنظمة متخلّفة لم تفطن لما يحاك ويحبك، ولم تصلح من شأنها لتتصالح مع شعوبها وتحصّن أوطانها من الدّاخل بتشريك المواطن ومنحه المزيد من الحرّيات وتحقيق العدالة، ولكن في المقابل وعلى رغم كلّ التّبريرات والتّعللات، لا يمكن قبول التّغيير بهذا الشّكل من التّقتيل والدّمار، وفي الحقيقة الهدف الأساسي ممّا حصل في التّسونامي العربي هو إخراج الدّول الغربيّة من أزماتها الماليّة والاقتصاديّة التّي حصلت منذ عام 2008 على حساب الشّعوب العربيّة، وبأموال العرب وثرواتهم سيتجاوزون أزماتهم، فقد ارتفع حجم بيع الأسلحة منذ عام 2011 وأكبر الصفقات وقّعت مع الدول الخليجيّة والعربيّة، وهذا كلّه على حساب التّنمية والازدهار في الوطن العربي.
وفي النّهاية، أقول لكلّ من يقاتل في سورية والعراق حقّاً إنّكم متأسلمون أغبياء ومغفّلون، تستدرجون وتستعملون في تدمير أوطانكم واستنزاف جيوشكم وتقتيل أخوتكم من بني جلدتكم وفي النّهاية ستسحقون وتطاردون وكلّ ما قمتم به من جرائم وتقتيل لن تجنوا من ورائه إلا الخزي والنّدامة، وستلقون ربّكم يوم القيامة وسيكون الجحيم مصيركم وقراركم.
نائب سابق وكاتب وناشط سياسي تونسي
romdhane.taoufik yahoo.fr