الفيصل… رحيل أحد صقور الحرب على سورية
فاديا مطر
مع زيادة التشققات في الأسرة الحاكمة السعودية ونذير التصادم الذي يرن جرسه منذ رحيل الملك عبدالله بن عبدالعزيز، تأتي الزيادة في تلك التشققات التي لا تقتصر على القشرة فقط بعد رحيل الأمير سعود الفيصل أحد أبرز صقور الحرب على سورية في 9 تموز الجاري، لتكون الحادثة برمزية كبيرة لحقبة قصت قصصها الخارجية السعودية فيها من خلال تسلمه حقيبة الخارجية لسنوات طويلة بعد إغتيال والده الملك فيصل في 25 آذار 1975 ليمتد حكمه لهذه الوزارة إلى 40 عاماً مضت، شهدت حياته فيها محطات كثيرة كان للسعودية فيها حضور كبير بحقيبتها السياسية الخارجية تحت راية حكم 4 ملوك، ليصطف الأمير سعود خارج سرب الدبلوماسية في 29 نيسان الماضي بعد تعديلات الملك سلمان بن عبدالعزيز الأخيرة التي أنهت إمساكه بحقيبة الخارجية، فمن الحرب الأهلية في لبنان عام 1975 إلى انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 والحرب الإيرانية ـ العراقية مروراً بتفكك الاتحاد السوفياتي عام 1991 وعاصفة الصحراء الأميركية في العراق وصولاً إلى أحداث 11 أيلول وارتداداتها الأفغانية في عام 2001 متابعةً إلى غزو العراق في 2003 وإلى ما وصلنا إليه من ما سمي «الربيع العربي» في 2011 والذي بحلوله لم ترحل يد الفيصل عن ملفات السياسة السعودية الخارجية وهو وزير الخارجية الأطول خدمة «في العالم» والذي كان يستغرب الحديث عمن يتكلمون عن «مآسٍ» تحدث في سورية بين استخفاف بالعقول أو عدم شعور بالكارثة، فقد كان الظهير العربي «المخلص» لسياسة الولايات المتحدة الأميركية على مدى عقود والتي نعته على لسان رئيسها باراك أوباما في مقولة «إنّ أجيالاً من القادة والدبلوماسيين الاميركيين استفادوا من وجهة نظر الفيصل العميقة ومن شخصيته الكارزمية واتزانه وخبراته الدبلوماسية» فهي كلمات تلخص بالمحصلة بين الخبرة الأكيدة وانتهاء حقبة من الدبلوماسية السعودية الجافة والمتشنجة خصوصاً في السنوات الأخيرة التي كانت وما زالت فيها سورية أكبر المتضررين بفعل كل ما حشدت إليها الخارجية السعودية من دول ولقاءات ودعم للمعارضة المسلحة الارهابية فيها على خلفية ما ادعاه سعود الفيصل في 12/ 4/ 2015 في لقائه على قناته «العربية» بأن «الأمن القومي العربي يتطلب احترام حسن الجوار وسياسة عدم التدخل ليضيف الأمير سعود الفيصل إلى حقيبته السياسية أدواراً زادت شخصياتها الاضطراب الإقليمي الذي رعاه «الربيع العربي» المتحالف مع واشنطن في ميراث قديم جديد كان له تأثيره على الأزمة السورية من تحالف مع تركيا لدعم المجموعات المسلحة الإرهابية مع كل من الاردن و«اسرائيل» وهو حلف مرتبط ضمن المعادلة السعودية الداخلية الاقصائية لأجنحتها المختلفة، وهو ما فرض تفرد رؤية سياسية على واقع التحولات الأخيرة في المنطقة، والتي كانت سورية في قلبها، الأمر الذي أدى في السعودية للتحول الى عدو للمجتمع الدولي عبر السيل الكبير من الأدوار الآزمة للوضع في سورية منذ إعلان الفيصل تسليح المعارضة السورية «واجب» في 31 آذار عام 2012 إلى المساعدة في تشكيل المعادلات الجديدة في المنطقة والتي شكرته عليها المعارضة السورية عبر ما يسمى «الائتلاف» مثنية على مواقفه مما أطلقه سعود الفيصل من رد على رسالة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للقمة العربية في 29 آذار الماضي في دورتها 26 في شرم الشيخ، إلى ما كان صرح به سعود الفيصل مع نظيره البريطاني فيليب هاموند في الرياض من ان لا دور للرئيس الاسد في مستقبل سورية في 23 آذار المنصرم، وما وجهته الخارجية السورية من رسائل إلى الامين العام للأمم المتحدة في 9 كانون الأول 2013 بأن الاستخبارات السعودية تنسق مع نظرائها في دول مجاورة لدعم الارهاب التكفيري في سورية، متهمة دولاً إقليمة أبرزها السعودية وقطر وتركيا بتوفير الدعم المالي واللوجستي للمجموعات المسلحة بعد تأكيد سعود الفيصل باستمرار وجوب المضي في دعم الجماعات المسلحة في سورية على خلفية انعقاد مؤتمر «جنيف -2» في 22 كانون الثاني 2014، واعترافه ببعض الأوساط داخل النظام السعودي بدعم الأنشطة الارهابية في المملكة في تصريح له بتاريخ 17 كانون الأول من عام 2014، واحتجاجه على اجتجاز رجال دين من المذهب الوهابي يحثون الشباب على الانضمام للمجموعات التكفيرية للإطاحة بالنظام السوري، فالدعم السعودي لتنظيم «داعش» وجبهة «النصرة» الإرهابي هو بأمر من الولايات المتحدة و«اسرائيل» حفاظاً على مصالحهما في المنطقة العربية، وذلك ينم عن علاقة استراتيجية تربط السعودية مع الولايات المتحدة في حسابات حقيقية تحقق المصالح المشتركة وهو ما ملامحه واضحة على غالب المشهد الإقليمي والدولي الذي حضر آخره سعود الفيصل في قمة شرم الشيخ المنصرمة في آذار، والذي كان يؤسس لأزمات دولية على قاعدة هذا التفاهم مع الولايات المتحدة في كل المنطقة…!