حرب الإشاعات: الكتلة المؤيدة والحيادية
عامر نعيم الياس
منذ أكثر من أربع سنوات، تعيش سورية حرباً من أقذر الحروب التي شهدها العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. ولسنا هنا في وارد الحديث عما شكّل محور اهتمامنا نحن بالأخص كسوريين ضمن حدود الجمهورية السورية. إذ تبدو الحياة في ظلّ الحرب والموت المتوقع في أي لحظة، مشهداً ساخراً ومؤلماً يعجز الكبار عن صوغه.
الحرب الموازية في سورية هي حرب الإشاعات التي لم تتوقف ولا للحظة، والتي توجّه إلى الفئة المؤيدة للدولة السورية، أو تلك الواقفة على الحياد «الله يفرّج» والتي تستغل أي فرصة للمسّ بالدولة من زاوية عدم قدرتها على خدمة المواطنين، سواء للترويج لنجاح الاستنزاف أو «قرب النهاية على يد الآخر» الذي يستعد لفيف من جماعة «الله يفرّج» للتصفيق له عند الضرورة.
طبعاً هناك فئة أخرى تتخيّل أنها طريق ثالث محايد يعمل على نقاش البدائل ويسلّم بوجود الدولة لكن على قاعدة تبرير الهروب من الجحيم السوري. كما لو أن وجوده خارج البلاد أو هجرته بحاجة إلى مبرّرات. هذا الطرف تحديداً هو المعوّل عليه في حرب الشائعات التي تضرب البلاد والعباد خصوصاً الخدمية المعاشية منها. هنا تبرز في هذا السياق الإشاعة التي تتحدث عن قرار وزير العمل السوري بإلغاء «عطلتي عيد الأم وعيد الشهداء» وهو ما انتشر كالنار في الهشيم وأشعل مواقع التواصل الاجتماعي عن بكرة أبيها. إذ بدأ غلاة الموالاة من العامة بالحديث عن سبب إلغاء عيد الشهداء ووجود مؤامرة من وزير في الحكومة السورية في هذا الشأن، مع أن الاساس في تحديد الأعياد الرسمية على أراضي الجمهورية السورية هو المرسوم 474 لعام 2004. والذي لا يحق أن يلغى بقرار حكومي فهذا مخالف للدستور. لكن ما حدث قد حدث، وولّد إرباكاً وهبةً أجبرت الوزير المختص على التوضيح.
هو استنفار للكتلة المؤيدة أساسه توجّه معارض للبلبلة يتبناه عبر شبكات التواصل والشارع السوري الكتلة الأخطر «الضبابية» الحاملة للواء الدعاء للباري تعالى بانتهاء الأزمة. في الوقت الذي تروّج فيه بمساعدة بعض المتعصبين الجهّل من الموالاة الشائعة لا هدف لها سوى ضرب المعنويات. هنا نستشهد بوثائق «ويكيليكس» عن السعودية ودورها القذر في الحرب على سورية, فالرهان على الشائعة وتداعياتها يوازي في بعض الأحيان التمنيات يتحوّل تلك الإشاعة إلى حقيقة وأمرٍ واقع. إذ كشفت وثيقة من سفارة المملكة السعودية في بيروت في أيار من عام 2012 أنه «لم تتأكد الإشاعات عن مقتل أعضاء خلية الأزمة في القيادة السورية، لا سيما تلك التي تتحدث عن مقتل صهر الرئيس الأسد آصف شوكت»، ولكن «ما أشيع حقق أهدافاً أخرى تمثّلت في منع خلية الأزمة من معاودة الانعقاد بكامل أعضائها، ما يعيق خطط القيادة السورية ميدانياً». وبغضّ النظر عن دقة التحليل السعودي حول أثر ما جرى على مستوى الدولة السورية، إلا أن الأثر الذي تركته هذه الحادثة في الشارع السوري كان له تأثير سلبيّ على المعنويات لدى الطرف المؤيّد، ورفع نسبة المشككين في إمكانية الصمود في سورية. كما كان له أثر على الحركة الاقتصادية حينذاك، وحفّز حركة الهجرة من البلاد وتهريب رؤوس الأموال. كل ذلك جرى وسطَ ضعفٍ في التعاطي الرسمي مع الحدث والاعتماد على سياسة تجاهل ما يجري كوسيلة مثلى للرد. لكن ظهور وسائل التواصل الاجتماعي وحجم الحرب النفسية التي تقاد على البلاد، فضلاً عن الاحتقان الذي يطبع سلوك الشارع سواء كان مؤيداً أو معارضاً، لا يجعل من الصمت ردّاً، بقدر ما يساهم في انتشار الإشاعة وترك الشارع في حالة ترقب.
كاتب ومترجم سوري