افرام لـ«البناء»: لا بدّ من إيجاد خلطة سياسية تبدّد القلق الثلاثيّ الأبعاد
هتاف دهّام
نعيش في منطقة لا يوجد فيها لا عقل ولا فكر ولا نظام ولا دستور. الذين يتعاطون السلطة في المشرق، من المغرب إلى أقاصي المنطقة، تصرفوا من دون وعي لمفهوم التنوع والتعدد ولم يحترموا الآخر. هكذا يرى رئيس الرابطة السريانية حبيب افرام واقع المنطقة منذ ما قبل استقلال دولها، على رغم أنها متنوعة قومياً، فكرياً، ثقافياً، دينياً، مذهبياً، واثنياً، لكن المهم وفق افرام كيف نحمي التنوّع ضمن الوحدة، فالمسيحيون كمكون أساسي من المكونات السياسية والدينية عانوا الأمرّين مع الجميع، في عهدي العثمانيين والمماليك وحتى في الفتح العربي، وصولاً حتى يومنا هذا. فنحن المسيحيين كما يقول افرام «لم نعرف نظاماً منحنا واعطانا حقوقاً متساوية في المواطنة لا جمال عبد الناصر ولا حسني مبارك ولا كمال أتاتورك ولا صدام حسين ولا غيرهم». إلا «ان المسيحيين لم يواجهوا اي تحدٍ مباشر في ظلّ تلك الانظمة، ربما كانوا يريدون وضعاً اقتصادياً أو مادياً أفضل وحرية سياسية أكثر، لكن بسبب تردّي الأوضاع الاقتصادية هاجروا لكنهم لم يتعرّضوا للقتل والذبح ولم يتعرّض احد لحرياتهم الدينية ومعتقداتهم كما يجري اليوم في العراق وسورية، حيث انكشفت عورة خطيرة في المنطقة بمجيء فكر ظلامي، ربما كان الحزب الواحد الأوحد يريد الاستئثار بالسلطة ومغانمها، لكنه لم يكن يريد أن يقتل العالم. أما اليوم فيزداد القلق المسيحي مع تفجير الكنائس وزرع الارهاب وإصدار الفتاوى والتكفير.
إنّ المتغيّرات على مستوى العالم كما يقول رئيس الرابطة السريانية آخذة بالاحتدام أكثر فأكثر، ومن لا يرى ما يحدث بحق المسيحيين هو أعمى.
ويصف ما يجري بالإبادة الممنهجة للتنوع في المنطقــة في شكل عام وللمسيحيين في شكل خاص، والقوى الظلامية قتلت من السنة 900 شخص من عشيرة واحدة في يوم واحد، وتفجــّر حسينيات الشيعة لأنها تعتبرهم من «الروافض»، وتستهــدف الاقباط والايزيديين وتسبــي النساء، وتقطع الرؤوس، وتأخــد سهل نينوى، وتقتل الذاكرة والتاريخ.
إقصاء المسيحيّين يهجّرهم
إنّ إقصاء المسيحيين أدّى الى تهجيرهم، وبات جواز السفر في عقل كلّ مسيحي مشرقي. سياسة الغائهم كما يقول إفرام مستمرة في ظلّ صمت عربي واسلامي، وتواطؤ غربي، وهرباً من حروب أو ما يسمّى «بالثورات» في العالم العربي»، على رغم أنهم ليسوا جزءاً من الصراع الموجود في المنطقة ولا جزءاً من الصراع على السلطة، وليسوا مع الاميركي ولا الروسي، ولا مع السعودي، ولا مع الايراني، وليسوا سنة ولا شيعة ولا أكراداً.
ولكن، العقل الإلغائي يريد الغاء كلّ المكونات من دون استثناء، بغض النظر عن أنه فشل في إلغاء الشيعة، لأنهم يمتلكون السلاح وتدعمهم الجمهورية الاسلامية، في حين أن المسيحيين يدفعون الثمن الغالي وباتوا يشعرون بأن هذه المنطقة لا تشبههم، وبات المسيحي يفكر بـ»رجليه» أي بالهجرة من سورية والعراق. هذا ما يقوله رئيس الرابطة السريانية، فالعقل السني العربي الذي لا يزال بحسب افرام غير قادر على الاعتراف ان هناك شيعة في البحرين مثلاً، ويتصدّق على المسيحيين بمقعدين أو ثلاثة نيابية ووزارية في العراق، ويحرم أقباط مصر من أن يتمثلوا في المجلس النيابي على رغم ما يشكلون.
إنّ الخلل العقلي يجب ان يتوقف، فالبعض لا يزال يعتبر نفسه من ورثة السلاطين. والمطلوب كما يدعو افرام إصلاح ديني جذري كبير، لكن للأسف لا أحد يتجرأ على ذلك. ولذلك فإنّ الاسلام امام تحدٍ كبير، لا يجوز ان يتحدث اشخاص عن سبي النساء باسم الدين، هناك عقل ومنطق وحقوق، لنسلم جدلاً مع هؤلاء كما يقول افرام أن السبي ورد في القرآن، عندها هذا الكتاب لا يكون صحيحاً أو من قرأه فهمه خطأ، هذه الخزعبلات يجب ان تنتهي.
أين دور الفاتيكان وروسيا؟
لقد بدأ ينتهي الحضور الكلداني والآشوري والسرياني الذي في غالبيته كاثوليكي. وأمام ذلك فإنّ الحبر الاعظم البابا فرنسيس الذي هو السلطة الروحية الأولى في العالم ورئيس اكبر كنائس العالم، مطالب بدعوة السعودية والروس والاميركيين والفرنسيين الى الفاتيكان وتحميل كل واحد من هؤلاء مسؤولياته. نحن نبكي كما يقول افرام لكن «البابا يجب ان لا يبكي، عليه القيام بعمل مباشر سريع ومختلف، الحضور المسيحي ينتهي أمام أعينه ولا يفعل شيئاً، المطلوب منه صناعة شيء آخر في العالم، لأن الإرشاد الرسولي لا يكفي ولا يعطي حلولاً في منطقة تعيش على حدّ السكاكين».
ويعتبر افرام «انّ الدور الروسي ليس أفضل حالاً، طريقة تعاطيه أسوأ من تعاطي بابا روما مع الواقع الحاصل، والكلام عن حماية المسيحيين من دون القيام بأي عمل أخطر من السكوت والتهديد، وللأسف لا نعلم ما إذا كان هناك تقصير في الإرادة او في الإمكانية».
لا يعفي افرام البطاركة الموارنة والارثوذكس والسريان والكاثوليك والارمن وجميع المسيحيين من واجباتهم، فهم لم يحققوا الا القليل القليل في ضوء الخطر الارهابي المحدق بالمنطقة، فالمؤتمرات والمهرجانات و«الصريخ والعييط» كلّ ذلك ليس كافياً، الحراك لا يزال ضعيفاً، والمطلوب منا كلنا أن نثور على أنفسنا ونقول كفى، أن نتظاهر وأن نفترش الارض امام الامم المتحدة، والبيت الابيض، أو حتى في مكة، علّنا ننجح في تحريك الكسل في العقل العربي عموماً ولدى السنّة خصوصاً.
ما نواجهه خطير جداً، الحضور المسيحي في سورية والعراق يتعرّض الى خطرالانقراض، بعد أن انعدم في قطر وليبيا وتونس والسعودية، ويكاد ان ينعدم في تركيا، لم يعد يوجد في مدينة طورعابدين غير 1000 شخص مسيحي من اصل مجد من المسيحيين. هذا يتطلب وفق افرام ان يتحرك البطاركة بطريقة استثنائية، لا سيما انّ الوضع مرشح الى أن يصل إلى العراق وسورية التي يخشى على مصيرها ومصير مسيحييها، وربما لن نجد بعد 50 عاماً مسيحياً واحداً في الشام والعراق يقول ان حضارة آشورية، بابلية، وكلدانية كانت هنا، فحجم الصراع يطحنهم رغم أنه ما زالت لديهم قدرات البقاء.
المسيحيون ليسوا في حاجة إلى حماية من أحد، فهم أبناء الشرق الاصليون، وبناة حضارته، وعلى الجميع الاعتراف بذلك، والمطلوب بحسب افرام التفتيش عن حلول لحماية التنوع في المنطقة، هناك استياء وعتب من الحالة السنّية، فـ»داعش» و«النصرة» و«بوكوحرام» و«طالبان» تقتات من فكر وبنية معينة سنية وكأن أحداً لا يريد أن يواجهها، فهذه الحالة يقول رئيس الرابطة السريانية متروكة، ترفع العلم وكأن السنية باتت «داعش» بكل صراحة، بدل التصدي لها ليس فقط عسكرياً، بل في العقل والفكر والاعلام والمدرسة والجامع والاقتصاد، في وقف موجات الحقد ورفض التنوّع والتعدّد»، ومن لا يتجرأ على هذه المواجهة فليسكت الى الابد. فنحن لا نرى شيئاً من الاسلام الصحيح الذي يقولون ان «داعش» خطفه، ولا العروبة الحقيقية التي يقولون ان «داعش» خطفها، ولا السنة الحقيقيين الذين يقولون ان «داعش» خطفهم.
ويعتبر افرام «أن الحقد ضد ايران والرئيس السوري بشار الاسد، أعمى العقل السنّي ولم يعد أحد من «السنّة» يرى الخطرين «الاسرائيلي» التكفيري». ويقول: «نحن لم نطلب من أحد عدم إحداث توازن اقليمي مع ايران، على العكس نرى أنّ التوازن مطلوب، لكن المرفوض ان نستبدل العدو الذي من المفترض ان يكون واحداً وهو «إسرائيل»، على رغم كل الاختلافات والتباينات، لكن للأسف، هناك خلل استراتيجي في العقل العربي السنّي يبدأ في السعودية وينتهي عند تيار المستقبل».
قد يكون المسيحيون ارتكبوا أخطاء وخطايا كثيرة، تقاتلوا، تذابحوا وذبحوا في الحرب، لكننا لن نجلد انفسنا، يجب ان نكون ناراً على جبل، نحن مخطئون صحيح، لكن ذلك يجب ان لا يشكل ذريعة للمكون الآخر أن يسرق حقوقنا وينهبها. نحن متمسكون بحريتنا وكرامتنا والمساواة، ونقبل أي صيغة نظام تحقق الشراكة والمساواة لكن شرط التعاطي معنا انطلاقاً من صيغة العيش المشترك، لكن الاستمرار في التهميش قد يدفعنا إلى طروحات اللامركزية الادارية أو الفيديرالية.
«المستقبل» يعتبر المسيحيين درجة ثانية
يصف رئيس الرابطة السريانية تعاطي تيار المستقبل مع المسيحيين كدرجة ثانية، فكيف لهذا التيار ان يكون لديه 18 نائباً مسيحياً أكثر من «القوات» و«الكتائب» و«الاحرار» وحزب المرده، وهؤلاء لا يمثلون أحداً عند المسيحيين، فهو سرق السلطة بالقوة، وأسكت المسيحيين بإعطائهم نصف عدد النواب المسيحيين، وهنا جوهر الخلاف السياسي الذي لا يستطيع أحد من التيار الأزرق أن يجيب عليه؟ إنّ هذا التيار يتمسك باتفاق الطائف، لكن اين هذا الاتفاق من التطبيق، اين المناصفة الحقيقية التي نص عليها هذا الميثاق، اين صلاحيات رئيس الجمهورية». هل يؤمن الحريري بشراكة وطنية وبأننا متساوون في الجوهر والحضور والتمثيل، اذا كان لا يؤمن بذلك، نحن لن نسكت بعد اليوم، نحن مستعدون لكسر ما يقومون به وذاهبون الى النهاية، اذا استمروا في تهميشنا».
تبديد القلق الجماعي…
إن الحديث عن نظام جديد كلام عميق صعب بحسب افرام، فالسنّة مصرّون على الطائف ولن يتنازلوا عن صلاحيات رئيس الحكومة التي أعطاهم اياها الميثاق الوطني، والشيعة مشغولون بمقاومة «اسرائيل» والتكفيريين، ولن «يتلحلحوا» بموضوع السلاح، في حين أن المسيحي قلق على وجوده وحضوره. وأمام ذلك يمكن إيجاد خلطة بين القلق الثلاثي الأبعاد، تتمثل أولاً باعتراف تيار المستقبل ان هناك مشكلاً كبيراً في النظام. نحن لا نهيّج أحداً ضدّ السنة، لكننا نطالب كما يرى افرام بقانون انتخابي حقيقي ينهي السرقة الموصوفة التي صنعها السنّي في لبنان من عام 1990 الى اليوم، وليكن عند هؤلاء الجرأة والجواب، فالفيديرالية لم تعد تهويلاً او غير تهويل، نحن مصرّون على حقوقنا كمسيحيين، نحن مصرّون على المشاركة في القرارالوطني، لأنّ ما يجري ويحضّر له محاولات لمحو المسيحيين وإلغائهم سياسياً بأسلوب مختلف».