ما الذي يجري في لبنان؟

د. تركي صقر

هل نفد صبر الجنرال ميشال عون حتى اتخذ قراره الحاسم بالنزول إلى الشارع؟ هل باتت ألاعيب تيار الحريري في تعطيل الحياة السياسية في لبنان لا تحتمل؟ هل آن الآوان لوضع حدّ للمتاجرة بمصير لبنان لصالح الإرهاب والإرهابيين وداعميهم في المنطقة؟

نعم يبدو أنّ الكيل قد طفح وأنّ الأمور وصلت إلى مستويات خطيرة بعد أن وقف تيار المستقبل في وجه انتخاب رئيس للبنان لأكثر من عام ونيف، عندما دفع بشخص مثل جعجع، وما أدراك من هو جعجع، إلى الترشّح وأصرّ عليه ولم يستطع أن يفرضه أو يفرض غيره، وإمعاناً في التعطيل وضعت السعودية، راعية الإرهاب في المنطقة، «فيتو» على الجنرال عون المرشح الأقوى لأنه لم يوافقها على تحويل لبنان إلى محمية إرهابية تساعدها في تنفيذ مشروعها الإرهابي التكفيري في سورية والعراق واليمن وعموم المنطقة.

ليس هناك ما يخفى في لبنان، فقد أعلن الجنرال عون على الملأ أنّ السفير الأميركي في بيروت أبلغه بصريح العبارة أنّ وصوله إلى سدّة الرئاسة اللبنانية مضمون تماماً، إذا ما تخلى عن تحالفه مع حزب الله وهذا يعني أنّ الحريرية عندما تعطل انتخاب رئيس للبنان إنما هي تنفذ أوامر أميركا والمملكة الوهابية بكلّ صفاقة وأنها تقف ضدّ مصلحة لبنان الوطنية وأنّ ما رفعته من شعارات حول سيادة لبنان وقراره المستقل مجرد أكاذيب، وهي مجرد أداة تعمل في خدمة المخططات الخارجية التي لا تريد للبنان أن ينعم بالاستقرار والخير والأمن والأمان، بل هي شريكة في مشروع الفوضى الأميركية المدمر لدول المنطقة.

ولأنّ الجنرال عون بقي ثابتاً على مواقفه في حفظ سيادة لبنان واستقلاله وبقي متمسكاً بتحالفه مع حزب الله، ملتزماً بخط المقاومة والوقوف في وجه العدو «الإسرائيلي»، ولم تستطع إغراءات الحريري أن تغير من نظرته تجاه الحرب الإرهابية على سورية، راحت جوقة تيار المستقبل الإعلامية الضخمة تشيطن الرجل بكلّ الوسائل والأساليب وتسوِّد صفحات تاريخه زاعمة أنّ عون ما زال هو نفسه: الجنرال البونابرتي المتغطرس الساعي إلى الرئاسة بأي طريقة ولو كان الثمن إعلان البيعة لأعدائه السابقين، والمقامرة بمستقبل المسيحيين الذين يزعم الدفاع عن حقوقهم، والدمار للبنان، وهم بذلك يحرِّضون ويغمزون من قناة استذكار مواقف عون المعادية والحادّة ضدّ سورية وحزب الله وما خلفته حرب الإلغاء التي شنها سابقاً من القتلى في صفوف الجيش اللبناني والطائفة المسيحية.

إنّ أدعياء الحرص على استقلال لبنان وسيادته والنأي به عما يجري من حوله قد انكشفوا وسقطت مزاعمهم بأنّ الجنرال عون يريد أن يحرق لبنان لأنه لم يحقق غاياته الشخصية ونزوعه الذاتي المتلهف للوصول إلى الرئاسة بأي ثمن، زاعمين أنّ حلفاء وخصوم الجنرال، يتغيرون كلّ وقت وكلّ حين لكنّ ما هو ثابت أنّ هذه الحروب التي يشعلها عون تتعلّق بمرض الزعامة المزمن لديه، وأنها تتركز على مصالحه على حساب مصالح أي مسيحي أو لبناني آخر، ولعلّ استخدامهم منصّة الحكومة الحالية لمواجهة التيار الوطني الحرّ وفرض وقائع وقرارات تأخذ لبنان واللبنانيين إلى حيث لا يريدون، تدلّ دلالة قاطعة على مدى استمرار تيار الحريري في تهميش الآخرين والتفرّد بالقرار اللبناني، ولو أدى ذلك إلى إعادة لبنان إلى أجواء الاضطراب وحتى الحرب الأهلية إذا لم تتحقق أهدافهم المرسومة في الرياض وواشنطن.

هؤلاء الأدعياء هم أنفسهم من يريد إشعال الحريق في لبنان وليس الجنرال عون وهم أنفسهم من سعى ويسعى إلى زرع الفتن والشحن الطائفي والمذهبي ولم يقصّروا في ذلك ولم يتورع أزلام المستقبل في طرابلس وغيرها عن استخدام أقذر الأساليب في تأجيج الفتنة والتحريض على سورية وإرسال القتلة والإرهابيين إليها ولولا حكمة حزب الله وقبوله بلجنة حوار دائمة مع المستقبل لكان الاحتراب الداخلي اللبناني على أشدّه.

بذلك يتضح أنّ الجنرال عون كان ولا يزال مع حلفائه في المقاومة، صمام الأمان لاستقرار لبنان وإبعاد التنظيمات الإرهابية ونشاطاتها التخريبية والتكفيرية عنه، وقد أزعجت خصومه إلى أبعد الحدود النجاحات والانتصارات التي حققتها وتحققها المقاومة مع الجيش السوري في القلمون وجرود عرسال والزبداني وقبلها في القصير وغوطة دمشق ومطار الثعلة ودرعا ومحيط السويداء، وبات يساورهم القلق خشية انهيار مشروع أسيادهم السعوديين، وخصوصاً في اليمن التي كانت مقبرة الأناضول في الماضي وغدت اليوم مقبرة الغزاة السعوديين.

لقد قرع الجنرال عون جرس الإنذار وأراد تحريك المياه الراكدة من خلال تحريك الشارع اللبناني ورغب أن يفهم الطرف الآخر أنّ زمن الوصاية السعودية قد ولى وأنّ المملكة التي تلعب لعبة النار والانتحار في حروبها الإرهابية التكفيرية في المنطقة لم يعد في إمكانها فرض رئيس للبنان من صناعتها وإنتاجها وينفذ سياستها المعادية للمقاومة في لبنان، متجاهلة أنه لم يعد في مقدورها فعل ذلك بعد أن فقدت معظم الأوراق السابقة التي تلاعبت من خلالها بمصير لبنان وبات وكيلها الحريري الصغير لا يجرؤ على العودة إلى لبنان والاستقرار فيه، بعد أن أضحت الكلمة العليا للمقاومة وأنّ الحلف المتين الذي يضم تكتل التغيير والإصلاح والقوى الوطنية اللبنانية وفي المقدمة قوى المقاومة ممثلة بحزب الله، غير قابل للاختراق وأنّ تعليمات السفيرين الأميركي والسعودي في بيروت أصبحت شيكاً بلا رصيد.

tu.saqr gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى