عون «الفيدرالي» ما له وما عليه…
هتاف دهام
تعتبر الفيدرالية أحد المواضيع التي انقسم حولها اللبنانيون أثناء الحرب الأهلية. سعى بعض الأحزاب المسيحية إلى الفيدرالية كحلّ خلاصي لأزمة التعايش، في مقابل رفض وطني مطلق لهذه الفكرة. طوي هذا الملف مع توقيع اتفاق الطائف وبقيت الشكوك تحوم حول حزب «القوات اللبنانية» على رغم تأكيده التمسك بالطائف. غير انّ النائب سامي الجميّل بقي في ذلك الحين يتحدّث عن الفيدرالية، أسّس «حركة لبناننا» واستمرّ يبحث في تغيير اسمها إلى «حركة لبنان الفيدرالي»، من خلال طرحه اللامركزية الإدارية الموسعة بإعطائها طابعاً سياسياً، ليدعو رئيس حزب الكتائب منذ نحو أسبوعين الى الدولة الاتحادية التي تعني الفيدرالية.
أعيد الحديث عن الفيدرالية همساً في أوساط ثقافية مسيحية، وطرحها أحد المنظرين لها انطوان نجم كحلّ للمشكلة في لبنان، بالتوازي مع لقاءات شخصيات مسيحية في إطار اللقاء الأرثوذكسي أوردت الفيدرالية كأحد الحلول، ودعت الى الاهتمام بها، وصولاً إلى المؤتمر الذي سيُعقد في لبنان قريباً لدراستها من قبل ما يُسمّى المجتمع المدني، ويعمل عليه المدير التنفيذي لمؤسسة حقوق الإنسان والحق الانساني وائل خير.
إنّ أخطر ما في الأمر انّ هذا الحديث يترافق مع الاضطرابات التي تجري على مستوى المنطقة وطرح التقسيم الذي يجتاح الدول المحيطة بنا، فالفيدرالية مطروحة في العراق، وتناقش في اليمن على رغم الخلاف حولها، وتعتبر أحد الطروحات الغربية في سورية. ما جعل بعض اللبنانيين يطرحون هذا المشروع لحلّ الأزمات التي تحكم علاقة اللبنانيين ببعضهم بعضاً أمام انسداد الأفق في النظام السياسي اللبناني.
وردت عبارة الفيدرالية على لسان رئيس التيار الوطني الحرّ العماد ميشال عون، لكن استخدام هذا المصطلح لم يُطرح كمشروع سياسي، إنما برز في إطار تحذير الشريك المسلم من التمادي في إقصاء المسيحيّين مما قد يولد لديهم نزعة العودة إلى الفيدرالية في لبنان، على رغم أنها لم تناقش داخل التيار العوني، ولم يتمّ تبنّيها كرؤية سياسية، فهي استخدمت تكتيكياً للضغط على الشريك السنّي لوضع حدّ لسياسة تهميش المسيحي وإضعافه.
نظر الكثير من حلفاء التيار الوطني الحرّ بخيبة لطرح عون الفيدرالية، لا سيما أنّهم يتطلعون إليه كزعيم مسيحي مشرقي، يساهم في إعادة إنتاج مشروع نهضوي عربي تؤدّي النخبة «المسيحية» فيه دوراً طبيعياً ويساعد على إدماج المسيحيين في المشرق بدل تسهيل اقتلاعهم من الأرض. رأى رئيس تيار المرده النائب سليمان فرنجية في مؤتمر صحافي «انّ اعتماد الفيدرالية يقود الى مشكلة وليس الى حلّ، خصوصاً بالنسبة الى مسيحيّي المناطق»، وأشار نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم إلى «أننا لسنا في دائرة الحديث عن شكل النظام اللبناني المستقبلي، فهذا أمر غير مطروح في الفترة الحالية لأنّ المطروح هو إعطاء الحقوق التي يطالب بها العماد عون في ظلّ تركيبة قائمة».
لا يزال رئيس التيار البرتقالي بحسب الوزير السابق سليم جريصاتي، الزعيم المسيحي المشرقي الأول، وعلى كتفيه تقع اليوم المسألة المسيحية في هذا المشرق، والتي عبّر عنها البابا فرنسيس بتأكيده انّ المسيحيين يتعرّضون في الشرق الأوسط إلى إبادة، وهذا توصيف نادر لرئيس الكنيسة الكاثوليكية.
يعي العماد عون انّ دور المسيحيين هو بأهمية الوجود، حيث إذا انتفى الدور كما هو الحال في بعض الدول العربية التي هُجّر ونُكّل بالمسيحيين فيها، أصبح الوجود مهدّداً.
ويرى أنّ المسار يبدأ حتماً بقانون انتخاب تتأمّن من خلاله المناصفة الفعلية بين المسيحيين والمسلمين، فيتوقف العدّ حقيقياً وواقعاً وقانوناً، وتتأمّن مقتضيات العيش معاً، ويستمرّ الحكم بالتشاركية الفعلية، فنذهب معاً إلى دولة المواطنة والمساواة.
لم يتخلّ جنرال الرابية يوماً عن الطروحات الوطنية الجامعة، إلا أنه نادى بتطبيق الطائف وعدم الالتفاف عليه وعلى الدستور الذي أتى في سياقه، من أكثرية متسلطة ومستأثرة بالسلطة، نادى باللامركزية الإدارية الموسعة وهي من إصلاحات وثيقة الوفاق الوطني.
كلّ ما قاله إنّ الفيدرالية حلّ من الحلول لأنها نمط من أنماط الحكم الذي لا يتعارض مع الدولة المركزية القوية التي نادى بها الطائف، ويحتاج إلى توافق وطني. ورأى أنّ المغلوب على أمره قد تفرض عليه الفيدرالية، لكننا من أصناف الغالبين ولن نهزم.
إنّ توسل هذا الخطاب بالتضليل والتحوير من الأكثرية المتسلطة والمتمثلة بتيار المستقبل و «تكملة العدد» في مجلس الوزراء الذين لا حيثية لهم بمعيار التمثيل الديمقراطي انما يهدف، بحسب أوساط سياسية، إلى إخفاء الأدهى والأخطر، أي واقعة التسلط على الحقوق الوطنية للمكوّن المسيحي.
إنّ بلوغ هذا الهدف من الأكثرية الممدّدة لذاتها والتي لم تعد أكثرية في نظامنا الديمقراطي البرلماني الذي ارتضيناه في الطائف، لأنها صادرت إرادة الشعب مرتين لولاية جديدة ثانية، ترخص في سبيله كلّ الأكلاف والأثمان بما فيها ضرب الوحدة الوطنية في الصميم.
ترى أوساط سياسية أنّ خطاب العماد عون هو خطاب إنقاذي بامتياز، والإنقاذ يبدأ بوضع حدّ للانقلاب على الميثاق والدستور والتمادي في مخالفة القوانين ويستصرخ خريطة طريق وضعها «الجنرال» وأعلنها للملأ، وهذه الحقائق يجب أن يعرفها الشعب اللبناني الذي عانى من تزوير التاريخ ولا يمكن أن يفرض عليه تزوير الحاضر المشهود والمعيوش.
يصبو العماد عون إلى دولة علمانية بامتياز، وهذه الدولة هي بحدّ ذاتها، الدولة التي يصبو إليها اتفاق الطائف والتي لا يمكن بلوغها إلا بإزالة الطائفية السياسية ومن ثم الطائفية بصورة عامة على ما ورد في المادة 95 من الدستور، وبعد أن يستكين كلّ مكون إلى دوره ومصيره ووجوده.