الفنان الراحل ناظم الجعفري… عاشق دمشق وناسكها
إيناس سفان
يعتبر الفنان التشكيليّ الراحل ناظم الجعفري من أوائل الفنانين الذين عرفتهم الحياة التشكيلية السورية موثقاً مدينة دمشق وحاراتها وعائلاتها وشخصياتها، فكانت ريشته كاميرا زيتية سخّرها لترسيخ دعائم الفنّ التشكيلي في سورية بشكل أكاديميّ وعلميّ.
وعبر حياته التي امتدت لـ 76 سنة، عاش الجعفري حياة فنية متفرّدة في الخصوصية، إذ بنى علاقته مع اللوحة والألوان والمرسم وفق رؤية شبه انعزالية في اتحاد مع فنه وابتعاده عن العالم.
اتحاد الفنانين التشكيليين نعى الجعفري واصفاً إياه بأنه من أبرز الفنانين التشكيليين في سورية، وأنه من الرعيل الأول في الحركة التشكيلية السورية، وصاحب باع طويل في المعارض الفنية. كما أنه يمثل المدرسة الواقعية السورية في الفن التشكيلي.
وبحسب اتحاد الفنانين التشكيليين، ترك الجعفري إرثاً فنياً كبيراً بلغ حوالى 3000 عمل زيتيّ تمثلت في البورتريه ولوحات دمشق القديمة والعائلة الدمشقية عموماً والأعمال الوطنية الأخرى. وأعماله مقتناة في وزارة الثقافة والمتحف الوطني السوري ضمن مجموعات خاصة.
وقال الفنان التشكيلي أنور الرحبي إن الراحل الجعفري يدخل في قائمة الروّاد الكلاسيكيين، وهو من مؤسّسي التشكيلية الكلاسيكية في سورية. وبعد الستينات خرج إلى الطبيعة وكوّن التيار الواقعي الأول إذ لامس الطبيعة بشكل أو بآخر ورسم المواضيع الاجتماعية، ودخل الأسرة الدمشقية التي كانت مغلقة، مقيماً جسراً رائعاً، فأبرز من خلال لوحاته دور الأسرة الدمشقية في الثقافة والعلم والمعرفة. كما رسم الفتيات والأمهات والبيوت والنوافذ وخرج من الصبغة الانغلاقية في الستينات إلى عالم أكثر انفتاحاً ضمن ألوان بارزة ذات تفاصيل واضحة.
وأضاف الرحبي أنّ الراحل من أهم الفنانين الواقعيين على مستوى سورية والعالم العربي، وله مدرسة فنية كاملة. كما أنه فنان أرشيفيّ، ومن خلال قراءة أعماله نجد أنه وثّق اللباس والمكان والظاهرة بتاريخها وأحداثها ضمن أعمال فنية بصرية قيّمة، وتجاوز عدد أعماله 4500 بين عمل زيتي ودراسات وغيرها.
ويشير الرحبي إلى مسيرة ناظم الجعفري، فيقول إنه عمل أستاذاً للتصوير في كلّية الفنون الجميلة في دمشق منذ تأسيسها. لافتاً إلى محاولات الجعفري المتعدّدة قبل وفاته ليكون له متحف خاص بِاسمه في إحدى المدارس أو البيوتات الدمشقية، يضمّ أعماله، لكن طلبه لم يتحقق.
وذكّر الفنان الدكتور عبد المنان شما أن معرفته بالفنان الجعفري تعود إلى بداية الخمسينات، إذ التقاه مع عدد من الفنانين التشكيليين الروّاد مثل الراحل صبحي شعيب ونصير شورى ومحمود جلال ورشاد قصيباتي.
وعن شخصية الجعفري يرى شما أنه كان معتداً بنفسه في علاقته مع زملائه، مُقلّاً في نشاطاته الاجتماعية ومشاركاته في المعارض، منعزلاً دائماً مع أعماله وكأنه ألبوم مغلق. لافتاً في الوقت نفسه إلى أن الراحل من روّاد الحركة التشكيلية في سورية وأحد مؤسّسي المدرسة الواقعية، ما يستلزم من زملائه الفنانين والجهات المعنية العمل مع أسرته لإقامة معرض لما بقي من أعماله.
وعن بدايات معرفته به أوضح الفنان التشكيلي ممدوح قشلان أنه التقاه في المعرض السنوي الرسمي الثاني عام 1951 في المتحف الوطني، وأنه منذ تلك الفترة حاول أن يقيم معرضاً دائماً للوحات.
وقال قشلان إنه بحسب علمه، فإن الراحل في المعرض الأخير الذي أقامه، باع معظم لوحاته لتاجر لبناني بأسعار زهيدة، وهذا يعدّ خسارة كبيرة لعدد كبير من أعمال الراحل الجعفري.
ويصنف الناقد الدكتور محمود شاهين الراحل ضمن جيل الرواد الأوائل في التشكيل السوري المعاصر. مبيّناً أنه وهب حياته للفن وعاشه بطريقته الخاصة التي اتسمت بالعزلة والحدة والتمرّد والتواري عن الضوء الإعلامي كما أنه حمل حساسية ومزاجية عاليتين.
وأضاف: يعدّ الجعفري من أغزر التشكيليين السوريين إنتاجاً وإخلاصاً لهذا الانتاج. وأنه عزف عن بيع لوحاته أو إهدائها، ورفض طلبات تنفيذ لوحات خاصة للراغبين. وكان لا يصنّف نفسه في أيّ من الاتجاهات والمدارس الفنية، ولم يجعل لوحته تقتصر على موضوع واحد، بل يترك الموضوع هو من يفرض نفسه عليه.
ويتابع شاهين: حظيت دمشق بالنصيب الأوفر من اهتمام الراحل. وبالتالي فنّه، بحيث أسرّ لي يوماً أنه لا يوجد فنان في العالم قام بالتوثيق لمدينة كما فعل هو بالنسبة إلى معالم دمشق المختلفة عبر آلاف الدراسات واللوحات، مستخدماً تقانات الرسم والتصوير كافة.
ويختم شاهين حديثه عن مسيرة ناظم الجعفري الفنية بالقول: سعى إلى رصد الجمال الحقيقي البعيد عن القشور والتزاويق والقدرة على التقاط ملامح الوجه أو المشهد. كما أتقن التعامل مع العجينة اللونية التي يبني بها ومن خلالها معمار لوحته وبإحساس رهيف وانسجام عال. ولشدة تعلقه بدمشق أُطلِق عليه لقب «عاشق دمشق وناسكها».