حقوق الشعب اللبناني… والذاكرة التاريخية
د. سلوى خليل الأمين
في الذكرى التاسعة لحرب تموز في العام 2006، لا بدّ من العودة إلى تذكر تلك الحرب التي جعلت لبنان وطن المقاومة على العدو الصهيوني بامتياز، بل موطن النصر والانتصار المظفر، الذي لم يحظ به بلد عربي من قبل، حاول محاربة «إسرائيل» منذ اغتصابها فلسطين، واستطاع قهر الجيش «الإسرائيلي» الذي قيل إنه لا يقهر.
المؤسف أنّ جهابذة علم السياسة في لبنان، الذين يتجاهلون هذا النصر لغايات يعقوبية، ملفوفة بالولاء المالي الخليجي، ما زالوا مصرّين على خربطة الأوضاع في لبنان، دون أيّ التفات إلى فقر اللبنانيين وحقوقهم التي كفلها الدستور بالقوانين المكتوبة، إضافة إلى تهميش آرائهم وحقهم في الحرية والعدالة الاجتماعية ولقمة العيش وأهمّها سلسلة الرتب والرواتب.
لقد قامت تلك الفئة التي قضت على الاقتصاد الوطني، وأفرزت طبقات ثرية لا يهمّها الوطن والمواطن بل مصالحها الشخصية، وذلك باسم الإنماء والإعمار المبطن بتهديم كرامة الإنسان اللبناني، الذي ما زال يئنّ من شركة الكهرباء التي لم يتمّ دعمها وتطويرها ومدّها بالمال المتوجّب، كي تغطي حاجة الناس إلى مادّة هي الأساس بل هي من الضروريات في الحياة، فكيف يُعقل التبجّح بالإنماء والإعمار ولبنان ما زال بدون كهرباء 24 ساعة على 24؟ علماً أنّ أموال البنك الدولي والمساعدات والهبات التي تمّ ضخها إلى لبنان بكميات هائلة، لم تصل منافعها إلى المواطنين سوى بالنذر القليل عبر مشاريع لا تطعم خبزاً، والباقي ذهب إلى الجيوب التي تنعّمت بالثراء المفاجئ، الذي أعمى البصيرة والقلب والعقل معاً، فبات الوطن في دائرة النسيان، والمواطن مشلول الإرادة لا يحق له انتخاب مجلس نواب من جديد، ولا يحق له الإتيان برئيس جمهورية يكون الحكم بين كلّ اللبنانيين، ولا يحق لهذا الشعب أيضاً اختيار ممثليه في أيّ من النقابات أو المطالبة بما له من حقوق على الدولة العلية المصادرة من بيت بو سياسة، الذين باتوا لا يمثلون سوى أنفسهم وعائلاتهم التي اتخمت بعد حاجة وجوع ولم تشبع لتاريخه من تكديس الثروات للأبناء والعشيرة على حساب الموظف والعامل وأفراد هذا الشعب المغلوب على أمره المصاب بالتخدير، والذي بات أسير التيارات والأحزاب والحركات السياسية، من أجل تأمين الحدّ الأدنى من كرامة وعيش، باتت مفقودة لدى الأغلبية من الناس، خصوصاً عند من تحسبهم أغنياء من التعفف.
بمناسبة الانتصار على العدو الصهيوني في حرب تموز لا بدّ من أن نعرج بالقول: إنّ الحق يؤخذ ولا يعطى، لهذا كانت الأسباب، التي دعت مناصري التيار الوطني الحر ومن يناصرهم من الناس، خصوصاً أغلبية الفئات الصامتة والمثقفة التي تمّ تهميشها على أيدي سياسيين لا يؤمنون سوى بالطاعة العمياء وبتقبيل الأيدي درباً للوصول إلى النعم والأنعام، محقة بل عادلة وتخصّ كلّ الشعب اللبناني من دون استثناء.
لقد أطلق الجنرال ميشال عون صرخته، وهو على حق وما زال على حق، لأنه ليس زعيماً للتيار الوطني الحر فقط، بل هو الزعيم لكلّ محتاج ولكلّ مهمّش ولكلّ فقير ولكلّ موظف من أبناء هذا الشعب المغلوب على أمره. لهذا فإنّ ما جرى من مجابهة لأنصاره الذين نزلوا إلى الشوارع معترضين اعتماداً على حرية الرأي التي يتباهي بها سياديو هذا الوطن المخادعون، كانت محقة، وكان من الواجب على الدولة حماية هذا التحرك، الذي يعبّر عن تطلعات أكثرية الناس في حقهم بالحياة الحرة الشريفة في ظلّ عدالة اجتماعية تطال كلّ مواطن، ولا يحتكرها رؤساء المذاهب لأنصارهم وعشيرتهم والقبيلة التي تحيط بهم، بغضّ النظر عن المواطنين الأوفياء لهذا الوطن، والمقاومين بحق من أجل كرامته وعزته، الذين وقفوا منذ زمان بعيد وما زالوا مع القضية الفلسطينية، ومتمسكين بالمقاومة شرفاً وعقيدة وأسلوباً لدحر العدو الصهيوني عن أرض فلسطين التي ستبقى البوصلة التي توصلهم إلى كرامة عربية مفقودة عند أعاريب الغفلة، الذين سلطوا علينا ثرواتهم وشياطينهم السذج، الذين بنوا زعاماتهم السياسية على بث الفتن المذهبية والدينية في لبنان.
لبنان هذا الوطن الذي طالما كان اللؤلؤة التي تضيء سماء هذا الشرق، وقبلة الأنظار عند كلّ من يريد الأمن والأمان، والمرتع الجميل لكلّ طالب فرح ومرح وحياة رغيدة في ظلّ طبيعة خلابة جعلت منه جنة الله على الأرض، وطالما كان هذا الوطن بإمكانيات دولته الضعيفة واقفاً بالمرصاد للعدو الصهيوني ولكلّ طامع مهما كانت عظمته وجبروته. لهذا يريد الجنرال ميشال عون، حين يدفع بأنصاره إلى الشارع إحقاقاً لمطالب مشروعة، أن يعيد هذا الوطن إلى صورته الجميلة ومكانه الأرفع، لإيمانه بأنّ الحق يؤخذ ولا يعطى وأنه كقائد سابق للجيش اللبناني يدرك أهمية القيادة ومفاعيلها التي تتولى الحرص على الناس ومصالحهم أياً تكن هذه المصالح أمنية أم اجتماعية أو سياسية الخ، لهذا كان محقاً في مواقفه التي تتصدّى للأخطبوط المالي ورجالاته من الأثرياء والسياسيين الجدد، الذين أفرزتهم الحالة السياسية المتعاقبة منذ الحرب الأهلية وما بعدها، التي جعلت المال مفتاحاً لشراء الضمائر وإسقاط الوطن.
بالأمس وقف سيد المقاومة خطيباً في ذكرى يوم القدس، حيا الكويت أميراً وشعباً تحية قلبية ووطنية وقومية، مقدّماً التهاني لشعب الكويت بتلك القيادة التي استطاعت لمّ الشمل قبل انفراط العقد، وهذه المأثرة العظيمة تشكل الأنموذج الحيّ الذي يجب التوقف عنده، حيث على الجميع الذين يلقون الاتهامات جزافاً بحق المقاومة وسيّدها وتبعيتها لإيران، أن يعترفوا بأنّ قائد المقاومة هو السيّد الحرّ المستقلّ والسيادي أيضاً، الذي يلمّ إلماماً كاملاً وشاملاً بمصلحة لبنان وشعبه وسيادته واستقلاله، فيما الآخرون مرتزقة بشهادة ما ورد في وثائق «ويكيليكس» عنهم، وعن استجدائهم المال السعودي الذي سلب إرادتهم الوطنية وجعلهم عبيداً لمن يملك رقابهم ومسارهم السياسي.
لقد هدموا لبنان وقضوا على شريحة كبيرة من الناس كانت تمثل عماد المجتمع اللبناني ألا وهي الطبقة الوسطى، وأفقروا الناس واستغلوهم لتنفيذ مآربهم في تهديم الوطن وجرّه إلى الهاوية، حيث لا يريدون رئيساً للجمهورية قوياً كالجنرال ميشال عون، الذي يملك حرية الضمير والقول والفعل، ولا يختبئ خلف أظافره كما هم يفعلون، فهو المبالغ في صراحته لدرجة أنه لا يتقن الخداع ولا هم له بإرضاء فلان أوعلان على حساب مصلحة الوطن والمواطن، أضف إلى ذلك شهامته في الخصام والسلام، حيث هو الخصم الشريف وفي نفس الوقت المواطن الذي يدرك مصلحة الوطن ويعمل لها، فمَن من اللبنانيين يستطيع أن ينكر موقف الجنرال عون في حرب تموز، ألم يقل السيد حسن نصرالله: للجنرال دين على رقابنا لن يسقط من أجنداتنا ما دمنا أحياء؟ ألم يصرّح في خطابه بمناسبة يوم القدس العالمي مؤخراً أنّ حزب الله مع الجنرال في موقفه وتوجهاته؟ هذا كاف كي يعلم القاصي والداني أنّ الجنرال على حق، وأنّ مطالب الناس هي الحق الذي يفرض على كلّ مسؤول مؤمن بالشعب وبمصالحه أن يسعى إليه، لذلك يقفون ضدّه ويرفضون الاستفتاء الشعبي، وانتخاب رئيس الجمهورية من قبل الشعب، وينعتونه بصفات لا تشبهه وإنما تشبههم، فهو الصريح الواضح الشفيف النقي والأبيض السريرة وهم الكاذبون المخادعون الفريسيون الذين باعوا الشعب والوطن في سوق النخاسة بثلاثين من الفضة، لهذا رفضوا إجراء الانتخابات النيابية عبر ألف ذريعة وذريعة لم تقنع الناس الذين يهزأون منهم في سرهم، ومدّدوا وتمدّدوا من دون وجه حق، وهم القادرون على تأمين الأمن والآمان ساعة يرغبون؟
لقد دق الجنرال ميشال عون النفير، معلناً كلمة الحق في وجه سلطات جائرة وعقوقة، لهذا لا بدّ من التحرك السياسي الفاعل لانتخاب رئيس للجمهورية، يكون المثل والمثال في جمهورية الموز الممعوسة، والقادر والمقتدر على التواصل والتوافق من دون أيّ ارتباط خارجي، وهنا لا بدّ من التذكير بالعهود السابقة حيث تمّ انتخاب أربع رؤساء جمهورية خلال الحرب الأهلية اللبنانية التي دمّرت الوطن، لكنها لم تدمّر رجالاته الذين حافظوا على الدولة ومؤسساتها من الانهيار، وحافظوا على كرسي رئاسة الجمهورية الذي هو الرمز والعنوان للبنان الوطن العربي الحرّ المستقل، فمهما تعدّدت الآراء يبقى التاريخ حكماً وتبقى سيرة الحكام الأقوياء الذين استطاعوا فرض لبنان الوطن إقليمياً وعربياً في ذاكرة التاريخ أنموذجاً يحتذى.