لا تحلموا بسقوط سورية… فالتمنيات بضائع الحمقى!
هشام الهبيشان
في هذه المرحلة الصعبة من عمر الحرب المفروضة على الدولة السورية بكل أركانها، يتضح أن استراتيجية شركاء الحرب على سورية بدأت تفرض واقعاً جديداً لطريقة إدارتها ومخطط سيرها، فما يجري الآن على الأرض السورية، لا يدخل إلا بخانة حرب استنزاف لسورية ودور سورية بالمنطقة، وقوة سورية الاقتصادية والعسكرية والإقليمية، وتضارب مصالحها القومية مع تحالف التآمر على سورية، أميركا و«إسرائيل» وفرنسا وبريطانيا وغيرها، إلى جانب وكلائها من العرب والمتأسلمين الجدد، الذين شكلوا حلفاً تآمرياً بدا بما يقارب التسعين دولة، واليوم وبعد فشلهم بتحقيق أي إنجاز على الأرض السورية يهيّئ لإسقاط الدولة السورية، نرى أنهم يترنحون لا وبل ينتحرون على الأرض السورية.
اليوم وبعد أربعة أعوام من الحرب على سورية فمن الطبيعي أن تفرز هذه الحرب مجموعة حقائق على أرض الواقع السوري، الذي عصفت وما زالت تعصف به حرب هوجاء، فهناك اليوم من خمسة وعشرين إلى ثلاثين ألف مسلح أجنبي يقاتلون إلى جانب المجموعات المسلحة المتطرفة في سورية، وهناك اليوم من 78 إلى 86 دولة تواصل تصدير مجموعات هائلة من مواطنيها المتطرفين إلى سورية، وكانت سورية اليوم أصبحت مقبرة لحثالات العالم الخارجي، ونفس هذه الحقائق تقول أيضاً أن هناك اليوم من 76 إلى 85 ألف «ثورجي سوري» يقاتلون الجيش العربي السوري، معظمهم أدوات بأيدي أجهزة مخابرات الدول المشاركة بهذه الحرب المفروضة على الدولة السورية. وهناك من 28 إلى 36 جهاز مخابرات غربي وعربي وإقليمي يعمل اليوم داخل الجغرافيا السورية، وأن هناك فرق موت متنقلة تشرف عليها أجهزة مخابرات واستخبارات الدول الشريكة بالحرب على الدولة السوري، وهناك تقارير تثبت أن هذه المجاميع المسلحة تسلح وتدرب ويستقطب مقاتلوها بمبالغ ضخمة تتجاوز الخمس عشرة مليار دولار سنوياً، والممول الرئيس تحالف بعض دول الخليج والنظام التركي والحكومة الأميركية والفرنسية بشكل خاص، هذه الحقائق كادت في مرحلة ما أن تنجح بإسقاط سورية في أتون الفوضى الشاملة، لولا يقظة الدولة السورية منذ اللحظة الأولى لانطلاق هذه الحرب، وعمق تحالفاتها مع بعض القوى الإقليمية والدولية.
وقد أدركت الدولة السورية حجم الخطورة المتولدة عن هذه الحرب مبكراً، وتنبهت لخطورة ما هو آت، فبدأت العمل على ثلاثة خطوط: محاربة الإرهاب، المضي بالإصلاح، ومحاربة الفساد، وبذات الأطر لم تكن سورية الدولة مقتنعة بجدوى بعض المسرحيات الغربية، مثل مؤتمرات جنيف، مؤكدة أكثر من مرة أن مستقبل السوريين يقرره السوريون، وأن الحوار هو سوري – سوري تحت سماء سورية وفوق أرض سورية، وكل إنسان سوري وطني شريف مدعو ليكون طرفاً في الحوار، لكن في تلك المرحلة، برزت إلى الواجهة فئات من المجتمع السوري استغلت هذا الظرف الصعب من عمر الدولة السورية، والتقت أهدافها وحقدها وكراهيتها مع أهداف وحقد وكراهية أعداء سورية لتدميرها ونشر فكر الإرهاب والقتل والتدمير في سورية.
ومع كل هذا وذاك، صمدت سورية، رغم حجم الدمار والدماء التي سفكت فيها، ومع استمرار فصول الصمود السوري أمام موجات الزحف المسلح إلى العاصمة دمشق من الجنوب السوري، وإلى مدينة حلب من بعض أريافها، وانكسار معظم هذه الموجات على مشارف دمشق وحلب، ومع عجز الدول الشريكة في الحرب عن إحراز أي اختراق يهيئ لإسقاط الدولة السورية، انتقلت الدول الشريكة بالحرب على سورية إلى حرب استنزاف لكل موارد وقطاعات الدولة السورية، في محاولة أخيرة لتسريع إسقاطها، لكن سورية بكل أركانها وعلى رغم حرب الاستنزاف التي تستهدفها، تبرهن الآن آنها ما زالت قادرة على الصمود، على رغم ما جرى أخيراً بإدلب وتدمر، والدليل هو قوة وحجم تضحيات وانتصارات الجيش العربي السوري، بعقيدته الوطنية الجامعة، والتي ساهمت بصد هذه الغزوة الأخيرة التي استهدفت سورية كل سورية، وها هي طلائع الجيش العربي السوري على أبواب تدمر وقريباً في إدلب، وهذا بدوره سينعكس بظهور حالة واسعة من التشرذم في ما يسمى بقوى المعارضة المسلحة المتطرفة وداعميها.
فتشرذم المجاميع المسلحة في مقابل صمود وصعود قوة الجيش السوري على الأرض، تطور إن استمر فمن شأنه أن يضعف الجبهة الدولية الساعية إلى إسقاط الدولة السورية بكل الوسائل، ومع استمرار تحركات الجيش العربي السوري أخيراً على البؤر المسلحة في شمال غربي العاصمة دمشق «الزبداني والقلمون الشمالي الغربي»، واستمرار الصمود بدرعا والقنيطرة وحلب والحسكة واللاذقية وحمص وحماه وريفها خصوصاً، فهذا الصمود بدوره سيحبط ويزيد من تذمر شركاء هذه الحرب على سورية، مع الأخذ بعين الاعتبار حجم وعمر المعركة.
ختاماً، نرى اليوم بوضوح أن بعض القوى الشريكة والركيزة الأساسية في الحرب على سورية بدأت تتحول بمواقفها، وتراجع رؤيتها المستقبلية لهذه الحرب، وهذا التحول لم يأت إلا بصمود وبانتصارات الجيش العربي السوري الميدانية وتضييقه الخناق على المجاميع المسلحة المتطرفة في الكثير من المناطق السورية، وبالنسبة للمجاميع المسلحة المتطرفة التي تمعن بقتل واستهدف مقومات الحياة للشعب السوري فهذه لا ينفع معها إلا تلبية الإرادة الشعبية وفرض الاستقرار بالقوة لأن ذلك هو واجب الدول التي تعيش تحدي الفوضى والتمرد المسلح والإرهاب، وهذا هو الحل السياسي لمثل تلك الحالات، وعلى المحور الآخر فقد بات في سورية شرط لا بد منه لتقدم العملية الإصلاحية المفتوحة أمام كل جهة وطنية ترغب في المشاركة وتحمل المسؤولية الوطنية على أساس خيار «الاستقلال والمقاومة» فذلك هو حد الفرز بين الولاء لسورية أو الارتباط بشركاء الحرب على سورية، ولكل من يتمنى ويتساءل عن موعد سقوط سورية، أقول له، سورية لن تسقط ليس لأن العدو لا يملك الأسلحة والأدوات للعدوان عليها وضرب بنيتها التحتية فهذه نراها اليوم تعمل بكفاءة، لكن سورية لن تسقط لأن فيها شعب أدرك بحسه وضميره أن ما يدور فوق أرضه ليس له علاقة بما بتطلع إليه بل يهدف لتدمير بلده، وتكامل هذه الشعب بغالبيته اليوم مع الجيش والقيادة، هو من سيسقط أحلام وأوهام وأماني كل المتآمرين على سورية…
كاتب وناشط سياسي – الاردن
hesham.awamleh yahoo.com