«داعش» يستبيح العقول البريئة!
رانيا مشوّح
على ما يبدو أنّ تنظيم «داعش» الإرهابي لم يكتفِ بالحرب القذرة التي شنّها على بلاد الشام والعراق، وما أقترفه من تفجيرات طاولت الأبرياء في أماكن مختلفة من العالم، فقرّر اقتحام البيوت والعقول البريئة التي لا تدرك معنى الحرب المستعرة أو مفهومها، وأخذ ينشر إرهابه بطُرقٍ مختلفة للوصول إلى عقول الأطفال الأبرياء، وتلويثها بألعاب إرهابية دموية هدفها التشويش على تفكيرهم وسلب طفولتهم وبراءتهم. إذ ابتكر التنظيم ألعاباً إلكترونية بإمكان أيّ طفل في أيّ مكان من العالم الحصول عليها عن طريق شبكة الإنترنت، وتعلّم هذه الألعاب الأطفال أساليب القتال والتدمير والتعذيب والاقتحام والقنص، وتقنعهم بتفجير أنفسهم حتى يتوصّلوا إلى «الشهادة»، التي هي المطاف الأخير في هذه الألعاب. ليتمكنوا من كسبها.
ومن هذه الألعاب: «وحدة النمر»، «لعبة التعذيب»، «لعبة الوحدات الخاصة»، «لعبة تنظيم الدولة الإسلامية أو صليل الصوارم».
وللحديث عن خطر هذه الألعاب والتطبيقات على الأطفال، التقت «البناء» الخبير في دعم الأطفال واليافعين نفسياً الأستاذ بشر الخطيب الذي قال: «لاحظنا انتشار ألعاب تحرّض على العنف والقتل في الآونة الأخيرة بين الأطفال. وهذه الألعاب تمثّل خطراً كبيراً على صحة الطفل الجسدية والنفسية والعقلية، وعلى سلوكه، وعلى مجمل أنماط ثقافته بشكل عام. وذلك عبر ما تفرزه هذه الألعاب من معطيات سلبية ونتائج خطيرة يصبح فيها القاتل هو الفائز. كما أنها تضخّ نزعات عدوانية عدّة للثقافة الإيجابية وتعمل على تقويض قيمها وقدراتها ومؤثراتها في كيان الطفل وسلوكه. هذه الألعاب راحت تجذب الأطفال والمراهقين كل يوم، فنلاحظ على الأطفال كيف يبدأون بالتأثر بأصوات النيران والطلقات الوهمية، بحيث تتعالى أصواتهم وهم يمزقون الأهداف عن طريق المسدسات والمدافع الحاسوبية، وهذا كله يفضي إلى نزع الحساسية إزاء العنف، وتحويل الضرب والإيذاء إلى أمر عاديّ يمارسه الكثيرون بشكل عاديّ كل يوم. وإضافة إلى تأثر الأطفال بما يسمعونه كل يوم من أحداث دموية تدور حولهم في المجتمع».
في حال كان الطفل قد دخل في مراحل متقدمة من التأثر بهذه السلوكيات وبات تأثيرها جلياً في تصرفاته مع أقرانه، هل من الممكن إعادة تأهيله بحيث لا تستمر مؤثراتها معه عندما يكبر؟ في هذا الإطار قال الخطيب: «هنا يأتي دور الخبير النفسي، إضافة إلى الدعم الأسري من خلال إحاطة الطفل بثقافة مغايرة ونبذ الثقافة السلبية التي تلقاها، لا نبذه هو. وبالتالي يصبح لديه حاجز نفسي ضد ما يتلقاه من سلوك تعنيفي في هذه الألعاب. كما يجب أن تشترك المؤسسة التربوية التي يتبع لها الطفل في مسألة علاجه وإحاطته بالحب، والعمل على إشعاره أن العنف سلوك غير مبرّر وخارج عن الإنسانية. وفي هذا الوقت، أعتقد أننا في مأزق كبير إذا ما اتّبعنا هذه الطريقة مع كافة الأطفال، فانتشار القتل والدمار أمامهم يساعد في تأزيم المشكلة إذا لم نحط بها باكراً. فالطفل بطبيعته يميل إلى حب القوة. والأطفال يؤثرون في بعضهم، ومن السهولة انتقال هذه الحالة من طفل إلى آخر من دون أن نشعر بها».
وعن دور الأهل في مواجهة هذه المشكلة التي اقتحمت حياة أطفالهم قال الخطيب: «يجب أن تكون الأسرة الرقيب الأول على الطفل، وهي الموجّه العام لسلوكه ونشاطه في كل ما يقوم به داخل المنزل وخارجه. وأن يكون ذلك من خلال تعميق صلتها بالطفل بحيث لا تخلو هذه الصلة من المساءلة والتدقيق والتنبيه والتوجيه لمعرفة كل ما ينتاب الطفل من مشكلات وتوجّهات وميول، والعمل على حل هذه المشكلات قبل تفاقمها ووصولها إلى الحالة التي يصعب السيطرة عليها وحلّها. وتعديل مسار سلوكه إلى الوجهة الإيجابية، وفي حال صار الأمر متقدماً يتوجب متابعة حالته مع أختصاصيّ نفسيّ. كما أن لهذه الألعاب خطراً كبيراً في ضعف العلاقات الأسرية وتفككها، والجرائم والشذوذ الجنسي والنفسي».
أما عن دور المنظمات الدولية المعنية بالطفل وحقوقه فقال: «في السنوات الأخيرة شعر المجتمع الدولي بتفاقم مشاكل العنف التي تنتجها هذه الألعاب على الأطفال. وبدأ فعلاً باتخاذ بعض الإجراءات وكانت البداية من مدينة لوس آنجلس الأميركية، إذ بدأت بتطبيق قانون يحمي الأطفال والمراهقين من العنف الالكتروني. إذ ينصّ القانون على إنشاء 30 قاعة في المدينة يطبق فيها الحظر وتثبت فيها كاميرات مراقبة على الأحداث. ومنح تراخيص تتضمن شروط للألعاب المسموح اعتمادها والفئات العمرية لكلّ منها».
للمجتمع دور لا يقلّ عن دور الأهل والمنظمات الإنسانية، وعن هذا حدثنا الخطيب: «للمجتمع الدور الفاعل والأقوى في مجال الحدّ من تأثير دخول هذه الثقافة التعنيفية إلى عقول الأطفال من خلال عدم السماح بتدوال هذه التطبيقات في الأسواق والترويج لها في مقاهي الإنترنت، والاستعاضة عنها بألعاب إلكترونية تعليمية هادفة. فالطفل بطبيعته يميل إلى ما هو موجود ومؤثّر في واقعه من ألعاب. فعندما نسأل أنفسنا هل داعش وُجِد في يوم وليلة؟ الجواب هو لا، فهذه الهمجية التي نراها اليوم في داعش هي نفسها التي يلعب بها أطفالنا منذ وقت وحتى الآن».
اقتحموا حاضرنا بشراسة ووحشية، ولم يتوقفوا عند هذا، بل أخذوا يلوّثون آمال المستقبل، ويشوّهون عقولهم حتى تستمر بصماتهم الآثمة تخطّ لنا بالقتل والدمار أبشع القصص والجرائم في السنوات المقبلة.