مصر… الدور المفقود والدور المطلوب؟

محمد ح. الحاج

فقدت السياسة الخارجية المصرية بعد اتفاقية «كامب دايفيد» استقلاليتها وأصبحت تحت الوصاية الأميركية محكومة بالاتفاقية وحجم المساعدات العسكرية والاقتصادية، وقد ساهمت دول الخليج بشكل خاص في ترسيخ التبعية المصرية للسياسة الصهيو ـ أميركية بتخليها عن الحكومة المصرية، تحقيقاً للرغبات الغربية وتكريساً للاتفاقية التي باركتها تلك الدول سرّاً أو علناً، وكانت المدخل لها لإقامة علاقات مشبوهة مع الكيان الصهيوني بشتى الطرق، من تحت الطاولة أو شبه علنية كما هي حال دولة قطر.

لم تدفع ثورة ما سُمّي بـ«الربيع العربي» الزائف مصر إلى تغيير سياستها، بل اتجهت بعد سقوط مبارك إلى التأكيد على تلك التبعية والتواصل على أعلى المستويات بين القيادة المصرية ورموز العدو الصهيوني واتخذت تلك الرسائل صفة التطمين والغزل الرفيع مراسلات مرسي بيريز ، في الوقت الذي اتجهت فيه السياسة الخارجية المصرية إلى إعلان العداء لسورية متناغمة مع المشروع الصهيو أميركي العامل على تفتيت المنطقة وإخضاعها في شكل نهائي والهيمنة على مقدراتها وتوجيه سياسة الكيانات العربية بما يخدم المشروع، وتحقيق ما اتُّفق على تسميته «الشرق الأوسط الجديد» ليغرق في «الفوضى الخلاقة» التي بشرت بها الوزيرة الأميركية كوندوليزا رايس.

مصر التي فقدت دورها في قيادة العالم العربي، ربما تنازلت عن هذا الدور لمملكة الجهالة والتخلف الوهّابية باسم الدين والوصاية على الحرمين الشريفين لما لهما من حرمة عند الشعوب المسلمة، واعتبار هذه الشعوب أنّ ما يصدر عن المسؤولين فيها إنما هو جوهر الدين وعين الصواب، رغم القدرة على تبيّن الغيّ من الرشد في هذا الموضوع، لكنّ المال والقدرة على دفع الرشى يتكفّلان بكمّ الأفواه وادّعاء صوابية الخطأ، وهذا الأمر يشمل المسؤولين في الحكومات المصرية المتعاقبة كما شمل بعض كبار المسؤولين في الجامعة العربية، كما أنّ قيادة «الإخوان» الجديدة تبنّت مقولة المعزول مبارك في محاربة «المدّ الشيعي» المزعوم الذي انتقده علانية وأيده بعد ذلك العاهل الأردني عبد الله بن الحسين ليصبح هذا المدّ أكثر خطورة من الاستيطان الاستعماري الصهيوني. هكذا هي المساهمة المصرية في العمل على تحقيق يهودية الدولة على أرض فلسطين تحت ستار من الخلافات المذهبية الإسلامية المشبوهة التي غذتها الوهابية السعودية.

مصر ما بعد «الإخوان»

هل صحّحت ثورة الشعب المصري مسارها بعد إسقاط نظام العياط، وهل وصل الشعب المصري إلى بعض طموحاته في التحرّر من السيطرة الصهيو أميركية على سياسة بلاده الخارجية وعلاقاتها مع شقيقاتها في العالم العربي؟ سؤال تصعب الإجابة عنه ضمن المعطيات الحالية على أرض الواقع وأداء السياسة الخارجية المصرية، رغم مظاهر النفور وانقطاع التواصل مع القيادة العثمانية الأردوغانية، لكنّ النقيض هو التكامل مع سياسة الوهابيين السعوديين الذين تقوم بينهم وبين الأردوغانية العثمانية أمتن علاقات التعاون والمشاركة في العدوان على سورية، ومع أنّ تركيا الأردوغانية تدعم تنظيم «الخُوّان» في عملياته ضدّ الجيش المصري الوطني، نرى أنّ تحالف الجيش المصري مع السعودية ومشاركة هذا الجيش في العدوان على اليمن، لم يشفع له بنظر «الخُوّان» والتنظيمات السلفية الأخرى واعتبار أنه يشارك في ضرب «الشيعة الفارسية» فنراهم يهاجمون معسكراته ويغتالون ضباطه وأفراده.

إنّ التحالف المصري ـ السعودي والانخراط في حرب اليمن هو من أكبر أخطاء السياسة الخارجية المصرية لأنّ قيادة العمل القومي والحفاظ على الأمن القومي المصري وتالياً العربي يقتضي من الحكومة المصرية الوقوف في وجه الحروب العربية العربية ومنع وقوعها، وليس المشاركة فيها رغم وضوح أهدافها ومعرفة المستفيدين منها، أولاً طبقاً لميثاق الدفاع العربي المشترك، المعطل بموجب اتفاقية كامب دايفيد ، وثانياً لأنّ هذه الحروب تخدم مصالح العدو الصهيوني وتهدم بنيان الأمن القومي والمصالح العربية، ويدرك قادة مصر أنّ إضعاف الجيوش في كلّ من سورية والعراق واليمن إنما هو مصلحة غربية صهيونية في الأساس وليس في مصلحة مصر وشعب مصر الباحث عن التحرّر، الشعب الذي وضع أمله بقوة جيشه الوطني الذي تستهدفه عصابات الخوان في سيناء على وجه الخصوص وفي عموم أراضي مصر.

لم يستطع النظام المصري الدفاع عن ليبيا، تخلى عن العقيد القذافي الذي قدّم لمصر الكثير في أحلك ظروفها منذ قام بثورته إلى ما قبل إسقاطه، وهذا لا يعني أننا ندافع عنه رغم أنه لم يكن من أسوأ القادة في عالمنا العربي. تخلت مصر عن ليبيا وتركتها للفوضى الهدّامة التي زرع بذورها الغرب، ولأنّ سمة الشعب الليبي كما باقي الشعوب العربية تقوده الغرائز والعواطف والمصالح الشخصية والأنانية أضحى ممزقاً متصارعاً، وأصبحت العصابات هي صاحبة الكلمة، وهكذا لم يبق من دولة ولا نظام حكم، ويبدو أنّ ما كان مطلوباً من سورية تجاه فلسطين ولبنان عدم التدخل وتركهما لمصيرهما الذي يخطط له الغرب الصهيوني هو ما تمّ فرضه على مصر تجاه ليبيا وجوارها من دول المغرب العربي… فما الذي بقي من دور مصر القومي على الساحة العربية وهي أكبر دول عالمنا هذا؟

حاولت مصر مؤخراً الدخول على خط الأزمة السورية وكأنها طرف دولي محايد، فدعت إلى حوار القاهرة بين أطياف المعارضات أسوة بلقاء موسكو، وتدرك مصر أنّ هؤلاء لا تأثير لهم على أرض الواقع إنما يطمحون إلى المشاركة في الحكم. الدور المصري القومي لا يزال معطلاً إذ يترتب على مصر اتخاذ موقف فعّال ضدّ الحرب على سورية، وخصوصاً أنها تعاني من حرب مماثلة على صعيد أضيق، من هنا القول إنّ التحالف مع السعودية ضدّ اليمنيين ليس تحالفاً ضدّ الإرهاب الذي تدعمه السعودية التي تتبنى الإخوان وتموّلهم منذ نشأتهم ضدّ الأنظمة القومية والوطنية في كلّ من مصر وسورية وغيرهما من الكيانات العربية، على مصر وقف هذا التحالف والانسحاب منه والتقاط دعوة الرئيس بوتين لقيام تحالف محلي عربي ضدّ الجماعات التكفيرية الإرهابية، وليس انتظار أن تقوم أميركا وحلفها بمحاربة هذه الجماعات التي تخدم حقيقة مصالح الغرب المتوحش.

يقول رئيس الوزراء المصري ابراهيم محلب إنّ مصر تتعرّض لحرب وعلى دول العالم أن تتحد في مواجهة الإرهاب! فهل تمّ الاتفاق على تعريف الإرهاب، وما الذي تتعرّض له سورية؟ هل أعلنت مصر أنّ ما تتعرّض له سورية هو حرب إرهابية مدعومة من دول كثيرة في العالمين الغربي والعربي، وأنّ إسقاط سورية يهدّد الأمن القومي المصري؟ ولماذا لم تبادر إلى إعلان موقف متضامن مع سورية ضدّ الإرهاب؟ هل التقط أمين عام الجامعة العربية نبيل العربي مبادرة الرئيس بوتين وحاول مغازلة سورية بقوله إنها دولة عربية مؤسّسة في الجامعة العربية ولم تفقد عضويتها فيها؟ الأهمّ أنّ كلام العربي من دون رصيد، فهو مجرّد تابع يدور في الفلك الخليجي ولا يعبّر عن مصر، مصر في أمسّ الحاجة إلى إعلان موقف ضدّ السلوك العثماني الداعم لجماعات الإخوان والتنظيمات التكفيرية على الساحتين السورية ـ العراقية والمصرية، ومطالبة السعودية بوقف عدوانها على اليمن والالتفات إلى محاربة الإرهاب الذي لا تشكل السعودية وكلّ دول الخليج استثناء بالنسبة إليه والدلائل قائمة لا يمكن تجاوزها.

الدور المصري بعناوينه البسيطة دور مطلوب، لكنه ما زال الدور المفقود… فهل ننتظر مفاجأة بعد الجراح المصرية البليغة بسبب الإرهاب وليس بسبب اليمنيين؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى