مؤتمر هرتسيليا 2015 يناقش أوضاعاً «إسرائيلية» صعبة ويحذر من تهديدات مستقبلية

كمال مساعد

ناقش المؤتمر السنوي لمركز «هرتسيليا» التهديدات الاستراتيجية المحيطة بدولة الاحتلال «الإسرائيلي»، بناء على الدراسات والتقديرات التي توصل إليها الخبراء الاستراتيجيون بدولة الاحتلال خلال السنة الأخيرة، ومؤتمر «هرتسيليا» يعتبر أحد أهم المؤتمرات الأمنية الاستراتيجية لـ«إسرائيل»، حيت يسعى لمساعدتها في تحديد المخاطر الأمنية التي تحيط بها، وكيفية مواجهتها: محلياً وإقليمياً ودوليا، وفي جميع المجالات: سياسياً واقتصادياً وأمنياً وعسكرياً واستراتيجياً، وهو يأتي في إطار سلسلة مؤتمرات سنوية بدأت قبل أكثر من 15 سنة، إذ انعقد المؤتمر الأول نهاية عام 2000، تحت عنوان «ميزان المناعة والأمن القومي»، بمبادرة من البروفيسور «عوزي آراد»، ضابط سابق في جهاز الموساد، وشغل منصب المستشار السياسي لرئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو، ما دفع الكثير من المشاركين الدائمين فيه لأن يطلق على المؤتمر «العقل الجماعي الاستراتيجي المفكر للدولة».

مناقشة أزمة «إسرائيل» الوجودية

يهتم المؤتمر بالدرجة الأولى بالمسألة الديمغرافية، وما يتعلق بقضايا الهوية والتعليم والاستراتيجية العسكرية والأمن والبحث العلمي والاقتصاد، حيث تنبثق أهدافه من التركيز على يهودية الدولة. و«أزمتها الوجودية المتفاقمة» ما تمخضت عنه ولادة فكرة المؤتمر، الذي استطاع أن يظهر بشكل سريع إلى الضوء، ويبرز أثره على الساحة الداخلية لـ«إسرائيل».

ولمعرفة أهمية المؤتمر وتأثيراته البعيدة المدى في الدولة وقراراتها، يمكن النظر إلى عدد من جداول أعماله المتنوعة على مدار السنوات الماضية، والتي احتوت العديد من القضايا المفصلية في «إسرائيل»، من أهمها:

مراجعة الحسابات وأداء الحكم.

صعود الإسلام السياسي في منطقة الشرق الأوسط.

إنتاج الغاز، واستقلال «إسرائيل» في مجال الطاقة.

الحرب «السيبيرية» من النظرية إلى التطبيق.

احتواء طموحات إيران الإستراتيجية.

تحديد أولويات التنمية الإقليمية.

الدور الإستراتيجي للولايات المتحدة وأوروبا وحلف شمال الأطلسي.

«إسرائيل» والسوق العالمية.

أين يتجه المجتمع «الإسرائيلي».

«إسرائيل» الأمنية في دول شرق أوسط مختلف.

«أوراق مؤتمر هرتسيليا تمثل خلاصة أبحاث وإصدارات وأعمال تحضيرية على مدى العام، أشرف على إعدادها مختصون وأكاديميون من أهم الجامعات «الإسرائيلية» والأميركية والأوروبية».

وبالنظر إلى التوصيات الصادرة عن المؤتمر، تمكن ملاحظة عدد من الاستنتاجات المهمة، ومنها:

«إسرائيل» في عامها الحالي تواجه أوضاعاً خارجية صعبة.

هناك تراجع للنفوذ الأميركي في المنطقة، مقابل صعود قوى إرهابية متطرفة وقوى إقليمية معادية لـ«إسرائيل».

حرص «إسرائيل» على متابعة ما يجري في المنطقة والعالم، مع إهمال رسمي عربي كبير لما يجري في الداخل «الإسرائيلي».

إعداد خريطة عمل استراتيجية وعسكرية واقتصادية وسياسية واجتماعية للحكومة «الإسرائيلية»، عبر حشد الأدمغة البحثية من مختلف التخصصات لتضع عصارة فكرها الإستراتيجي والعسكري والأمني والسياسي والأكاديمي، من أجل وضع هذه الخريطة لتشكل دليل عمل للقيادتين السياسية والأمنية.

القضية الفلسطينية لم تعد محورية تستحق الاهتمام «الإسرائيلي»، لأن هناك تطورات محورية تشهدها المنطقة دفعتها إلى الهامش، وبالتالي لم تعد تشغل بال القيادات ولا الشعوب في العالم العربي، مع توجه «إسرائيلي» لإنهاء القضية، وإخراجها من الأجندتين الإقليمية والدولية.

التهديدات التي تواجه «إسرائيل»

وبحسب الخبراء «الإسرائيليين»، فقد بينت مناقشة الأوضاع الأمنية وسبل توفير الحماية في ظل تعاظم الترسانة الصاروخية في الجبهات المحيطة بـ«إسرائيل»، انقساماً واضحاً حول تطورات المنطقة المحتملة والتغييرات في شكلها، على رغم تقليل غالبية الأبحاث المقدمة من إمكان قيام أي طرف بمغامرات عسكرية تهدد الأمن «الإسرائيلي»، لا سيما في ظل الانقسامات المذهبية والعرقية في المنطقة، فضلاً عن أن «الثورات العربية» ستزيد من اهتمام كل بلد عربي بنفسه وبمشكلاته الداخلية، على حساب القضايا القومية عربياً وإسلامياً، ليبقى الملف الأمني تجاه الجبهة الشمالية في الصدارة.

إلا أن العسكريين «الإسرائيليين»، وعلى عادتهم، حوّلوا منبر «مؤتمر هرتسيليا للحصانة القومية»، إلى حملة تهديدات واستعراض عضلات لقدرات الجيش والأجهزة الأمنية والاستخباراتية. ففيما دعا الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي «الإسرائيلي» يعقوب عميدرور، الذي أورد 3 تهديدات أساسية تواجه الكيان «الإسرائيلي»، وتشمل التهديد النووي الإيراني في المقدمة، منظومات الصواريخ المحيطة، وتهديد المقاومة في غزة وسيناء، مضيفاً، في مداخلته بمؤتمر هرتسليا ، أن «محيطنا لا يقبل بوجودنا، لذا فإننا سنعيش لسنوات بمقدار قوتنا ووفقا للسيف الذي نحمله في يدنا. لذلك علينا الحذر من خلال عدم القيام بمجازفات غير ضرورية، وأن نضع خطوطا حمراء وأن نرد بحزم في حال اجتيازه. داعياً إلى القضاء على الترسانة الصاروخية للمقاومة قبل وصول تهديدها إلى «إسرائيل»، في ظل التقارير المختلفة عن نجاحات جزئية حققتها عمليات القصف الجوي لمخازن السلاح داخل الأراضي السورية ولقوافل نقل السلاح النوعي؟ من طهران وصولاً إلى بيروت.

إلى ذلك خرج رئيس قسم الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية، إيتي بارون، بتقارير تروج لحال رعب من الأوضاع الأمنية القائمة، فأعلن أنّ هناك 170 ألف صاروخ موجه إلى «إسرائيل» من لبنان وسورية وقطاع غزة، 160 ألف منها يمكنها الوصول إلى مسافة 45 كيلومتراً. وأشار يارون إلى أنّ إيران تتزود بصواريخ يمكنها الوصول إلى «إسرائيل». واستهدف بارون « المقاومة» في تقريره فادعى أنّ كمية كبيرة من الصواريخ ذات المدى الطويل، آلاف الصواريخ ذات المدى المتوسط حتى 250 كليومتراً وقرابة 100 ألف صاروخ متوسطة المدى. وجزم أن «حزب الله» يواصل بناء قوته، بما يشمل التسلح بوسائل قتالية يمكنها تقليص نجاعة التفوق الجوي والبحري «الإسرائيلي» صواريخ أرض – أرض، قذائف وصواريخ شاطئ – بحر . كما أشار إلى أنّ المقاومة تسعى إلى امتلاك قدرات الإصابة الدقيقة، كالصواريخ التي يتم توجيهها بواسطة نظام «جي. بي.إس»، وأن إيران تعتبر مركز توفير المعلومات لهذا الغرض. كما تسعى إلى امتلاك صواريخ وقذائف وطائرات من دون طيار ذات قدرة على إصابة الجبهة الداخلية بشكل دقيق وهي نقطة ضعف «إسرائيل». وفي جانب غزة ادعى أنّ التنظيمات الفلسطينية تواصل إنتاج الصواريخ التي يمكنها الوصول إلى منطقة غوش دان، في تل أبيب. وبحسب يارون يوجد في غزة مئات الصواريخ التي يصل مداها إلى 80 كيلومتراً، وآلاف الصواريخ التي تصل إلى 40 كيلومتراً، وآلاف القذائف التي تصل إلى 20 كيلومتراً. وكشف أنّ «حماس» و«الجهاد الاسلامي» تعملان في إطار بناء قوتهما على تطوير قذائف محلية يصل مداها إلى 80 كيلومتراً، وبناء الأنفاق الهجومية، بمساعدة واضحة من خبراء ايرانيين ومن المقاومة في لبنان.

محاكاة حرب لبنان الثالثة في هرتسيليا

محاكاة «حرب لبنان الثالثة» كانت البند الأول على جدول أعمال المؤتمر السنوي الخامس عشر لمركز هرتسيليا. لكن اللافت في حينه كان إبقاء هذه المحاكاة مغلقة وعدم إتاحة الفرصة أمام غير المشاركين فيها لحضورها. لكن المركز عاد وكشف موجزاً مقتضباً عنها يتضمن أبرز الخلاصات التي أفضت إليها المحاكاة وفقاً لسيناريوهين الأول ينحو في اتجاه محاولة منع الحرب، فيما يحاكي الثاني وقوعها ويركز على كيفية إنهائها.

لكن رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، حذر من الخطر الذي تشكله إيران التي وصفها بأنها تتطور بسرعة كبيرة في الصناعات العسكرية، قائلاً خلال مؤتمر هرتسيليا في يومه الأخير، إن «لدى إيران 50 ألف شخص يعملون في الصناعات العسكرية وينتجون أسلحة متطورة ودقيقة تتحول إلى مشكلة: غواصات وأقمار اصطناعية… وكل أنواع الأسلحة».

وأخيراً شارك في المحاكاة الافتراضية 29 خبيراً في الأمن والسياسات الدولية وصناعة القرارات مثلوا سبع عشرة جهة ذات صلة بفرضية الأزمة هي: الولايات المتحدة، روسيا، الاتحاد الأوروبي، الأمم المتحدة، حزب الله، الحكومة اللبنانية، سورية، منظمات المعارضة السورية، «داعش»، إيران، السلطة الفلسطينية، حماس، مصر، الأردن، السعودية، الجامعة العربية.

وأبرز هؤلاء الخبراء كان السفير «الإسرائيلي» السابق في واشنطن، زلمان شوفال، وقائد الفيلق الشمالي السابق في الجيش «الإسرائيلي»، أيال بن رؤوفين، والمتخصص في الشؤون الاستراتيجية، رونين برغمان، الذين كان في عداد الطاقم الذي مثل «إسرائيل». وفي حين كان السفير الأميركي السابق في تل أبيب، دانييل كرتسير، عضواً في الطاقم الذي مثل الولايات المتحدة، تألف الطاقم الذي مثل إيران من ثلاثة باحثين أكاديميين والخبير المتخصص في الشؤون الاستخبارية، يوسي ميلمان. أما النظام السوري فقد ناب عنه البروفسور المتخصص في الشؤون السورية، أيال زيسر، فيما مثل الحكومة اللبنانية رئيس مركز الاستخبارات والإرهاب، الدكتور المستشرق رؤوفين إيرليخ. ومثل نائب رئيس مركز مكافحة الإرهاب التابع لمركز هرتسيليا، الدكتورإيتان عزاني، موقف المقاومة في حين توزع تمثيل السلطة الفلسطينية وحركة حماس والجامعة العربية والاتحاد الأوروبي على عدد من الباحثين الأكاديميين «الإسرائيليين» الآخرين.

باحث في الشؤون الاسترتيجية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى