طريق القدس من سورية
جمال رابعة
بمزيدٍ من الثبات على النهج، وقراءةٍ دقيقة لتفاصيل وحيثيات الميدان المشتعل بين مشروع المقاومة والمشروع التكفيري الذي تديره وتحرّكه وتموّله واشنطن وحلفاؤها من الغرب والأنظمة الرجعية الخليجية، أطلّ الأمين العام السيد حسن نصر الله، ولمناسبة يوم القدس العالمي، ليؤكد محورية القضية الفلسطينية، وأنه ما زال هناك الملايين ممّن يتذكرون هذه المناسبة ويخرجون إلى الشوارع نصرة لفلسطين، وأنّ كلّ ما يحدث اليوم هو محاولات حثيثة للمشروع الأميركي لتصفية هذه القضية، ومن ورائه أدواته الإسلاموية التكفيرية التي تعيث في الأرض فساداً خدمة للكيان الصهيوني وبالمجان، من دون عناء لهذا الكيان، مؤكداً أنّ طريق القدس تمرّ من حلب والقلمون والزبداني وحمص، وإذا ضاعت سورية ضاعت فلسطين.
هذا هو بالفعل ما يشكّل جوهر الصراع الحالي الذي سُمّي كذباً وتمّ وضعه في سياق «الربيع والثورات»، هذا الصراع الذي حاكته الأيدي الصهيو- أميركية وصدّرت خلاله الآلاف من المجاميع الإرهابية المسلحة، وعصابات القتل والإجرام، إلى جغرافيا جبهة المقاومة في سورية والعراق ولبنان، لجهة استنزاف مؤسّساتها وضرب بناها الاقتصادية والاجتماعية وتحويلها إلى دول فاشلة، وتالياً ما يمكن أن يشكله هذا المشهد من حجر الأساس لإتمام مشروع التقسيم الأميركي، واستجلاب أنظمة في هذه الدويلات موالية للسياسة الأميركية، وكلّ ذلك بالطبع في سبيل تهميش القضية الفلسطينية وإلهاء شعوب المنطقة وإغراقها في سيول من الاقتتال والحروب والدماء.
من هنا كان تحرّك قيادة المقاومة في حزب الله التي أدركت طبيعة الهجمة ووحدة الاستهداف والمصير، فكان لا بدّ من التدخل لحماية من يشكل لها ظهيراً وسنداً وهي تدرك أنّ أيّ خلل في موازين القوى على الأرض وتحقيق أيّ تقدّم استراتيجي لمصلحة المشروع التكفيري، ستكون هي في قلب النار وعلى جغرافيتها، فمضت قدماً في تشكيل جبهة واحدة مع القيادة العسكرية السورية ولا سيما في المناطق الحدودية، انطلاقاً وإيماناً منها بالبعد الاستراتيجي للهجمة الإرهابية المتنامية، ودرءاً من أن يصل لهيب النيران التكفيرية إلى الداخل اللبناني، هذا الخيار الذي أدركت فيه المقاومة اللبنانية أنّ المعركة الدائرة اليوم هي ليست معركة عابرة أو ريحاً موقتة يسهل الانحناء أمامها من دون أن تنكسر أو أن تتعامل معها بسياسة الالتفاف والمرونة، على قاعدة «الباب اللي بيجيك منو ريح…»، إنما هي معركة وجود، فالانتصار اليوم على المشروع التكفيري وتوحيد الطاقات وتلازم الجهود للقضاء عليه هو ما يشكل القاعدة الصحيحة والأرضية الصلبة للبقاء الذي لا بديل منه، فنحن أصحاب الأرض وهم المعتدون المأجورون الذين ينفّذون أجندات المشروع الأميركي، هذا البقاء والانتصار هما أيضاً سيعيدان إلى القضية الفلسطينية زخمها وحضورها وهويتها من جديد، وهي ترى حلفاءها منتصرين، ولحقّها داعمين، هذا الدعم الذي لن يكون وستصفّى معه الآمال، إنْ انتصر المشروع التكفيري المفروض على جبهة المقاومة، وتالياً جاء كلام السيد ليضع النقاط على الحروف وليوضح للملتبس بأنّ طريق القدس في الميزان السياسي والعسكري الاستراتيجي هي بالفعل تبدأ من الجغرافيا السورية، وستكون معبدة سوية باتجاه المعركة الكبرى، فيما لو انتصر محور المقاومة على الأدوات الصهيونية، وهو لا شك منتصر، يخطّ بثقة معالم الانتصار، وعيونه وقلبه لا تغادرها صورة القدس ولا زيتون فلسطين.
عضو مجلس الشعب السوري