الاضطهاد شامل

بلال شرارة

نعم، يا قداسة البابا مسيحيّو الشرق يتعرّضون للإبادة…

والصحيح يا أصحاب القداسة أنّ الشرق يتعرّض للإبادة تنفيذاً للنظرية الغربية نهاية التاريخ لأنّ الشرق يعني التاريخ، وكذلك للنظرية «الإسرائيلية» شريعة قتل الأغيار .

والسبب أنه في الشرق ولدت الحضارات خصوصاً على حوض المتوسط وبلاد ما بين النهرين وبر الشام، وفي الشرق ولدت الأديان وتكاثر الأنبياء في فلسطين خصوصاً مهد الأنبياء، وفي الشرق ولدت فكرة الدولة والأسرة و… الله.

لذلك، نرحب بأنك يا سيدي البابا فرنسيس تقرع مرة جديدة ناقوس الخطر، محذراً من اضطهاد المسيحيين في الشرق، ونحن، على الأقلّ أنا من جهتي سأرحب أكثر عندما تقرع ناقوس الخطر محذراً من أنّ ما يجري في الشرق سوف لا يؤدّي إلى نهاية التاريخ فحسب، بل إلى نهاية العالم.

الاضطهاد لا يقع على المسيحيين فقط، بل إنّ ما يجري هو تعليق شامل لسورية وللعراق ولليبيا واليمن على الصليب، ووضع بقية الشرق قيد الانتظار على اللائحة السوداء، كما أنّ المغرب العربي ليس بعيداً من هذه الوقائع، ذلك لأننا عندما نتحدّث عن الشرق فإننا نعني المعنى السياسي والاجتماعي لكلمة الشرق ونقصد المضطهدين في شمال أفريقيا وغربها.

نحن يا سيدي البابا، ما زلنا على ريق بطننا منذ العشاء الأخير لسيدنا المسيح. وما زالت الثلاثون من فضة ترنّ في كيس «يهوذا» الذي يُقبل بعضنا ويبيع الجميع، إذ ما الفرق بين خيانة يهوذا وجرائم داعش أو النصرة؟ أولسنا في الشرق كلّ الشرق ندفع فاتورة عقدة الغرب من الإسلام الإسلام فوبيا منذ الجريمة الإرهابية في 11 أيلول 2001.

نعم، أنا سمعت صرختكم يا سيدي في البرية، ولكن أنتم لا تقصدون شخصاً ضعيفاً مثلي. أنتم تريدون من حكام العالم من رئيس الولايات المتحدة وقادة الدول الصناعية وحلف «الناتو» ودول «بريكس» أن يسمعوا صوتكم الصارخ في البرية، إذ ما فائدة أن أسمع أنا مثلاً؟

نعم، إننا نعيش وقائع حرب عالمية ثالثة فيها المُضطهِد والمضَطهَد. فيها القاضي، المحامي والجلاد نفسه، والضحية نحن. فيها ندفع ثرواتنا الطبيعية ثمن السلاح الذي نقتل فيه بعضنا بعضاً وندمّر بلداننا ثم نصرف ما تبقى للشركات الغربية لإعادة إقامة البنى التحتية.

نعم، تصوّر يا سيدي أنه في الألفية الثالثة، ما زال هناك شعب لا يسمح له بتحقيق أمانيه الوطنية في العودة إلى أرضه إلى أرزاقه وتقرير مصيره وإقامة دولته.

تصوّر يا سيدي أنه ربما أنت شخصياً تحتاج إلى إذن من سلطات الاحتلال لتزور كنيسة القيامة في القدس وتزور كنيسة المهد في بيت لحم.

يا سيدي، في أوروبا «العار» ليس فقط في خروج اليونان من الاتحاد الأوروبي بل في «الاضطهاد»، إذ يكتشف الصحافي الشهير روبيرت فيسك أنه وجد نفسه أمام عار أوروبي آخر، إذ رأى آثار الجروح التي تعرّض لها عدد من الشبان السوريين جراء تعرّضهم للضرب على أيدي حرس الحدود في مقدونيا، لمنعهم من اجتياز أراضيهم ويقول: «على الحدود تمكن رؤية هؤلاء البلطجية الحراس نصف عراة يأخذون حماماً شمسياً، في حين يتحدث نصفهم الآخر على هواتفهم النقالة، أما على الطرف الآخر من الحدود فتمكن رؤية اللاجئين السوريين وسط حقول الذرة وغالبية هؤلاء جاؤوا من حلب ومن دير الزور ودرعا ومن دوما ضاحية دمشق. العديد ساروا مئات الأميال، هم أشبه بشعب القوارب في البحر المتوسط .

يا سيدي البابا فرنسيس نحن «الفينيقيين» حملنا إلى العالم الحرف من موانئنا على المتوسط فيما حمل العالم إلينا الحرب. بادلنا الخير بالشرّ، وبادلنا الحياة بالموت، نحن جميعاً في الشرق وليس المسيحيون فحسب مضطهدين.

نحن المصلوبون… وهيرودوس هو الصالب.

شكراً لانتباهكم يا سيدي، ولكن تجار السلاح وصناع الموت لا يريدون أن يسمعوا نداءكم ولا أن يسمعوا كلام السيد السيستاني حول «عدم جدية بعض الأطراف الإقليمية والدولية في منع تدفق عناصر الإرهاب إلى بلادنا».

سبق لكم يا سيدي البابا أن حذرتم من ذنوب بعض رجال الدين والانزلاق إلى «اللامبالاة» والشيخ عبد المهدي الكربلائي قال باسم سماحة الإمام السيستاني: إنّ سياسة اللامبالاة وغضّ النظر المقصود وغير المقصود تفاقم خطورة العصابات «داعش» طبعاً هو قصد الحكام وربما أيضاً إيديولوجية الأنظمة.

المطلوب يا سيدي صاحب القداسة أن يحتشد الجيش الأسود من الكهنة ثم ينصرف إلى التبليغ من خطر التطرف على الإنسانية جمعاء وليس على المسيحيين أو الأقليات فقط.

«المطلوب خطاب إنساني، الخطاب الديني بحاجة إلى إعادة نظر». هكذا يقول رئيس الوقف السني في العراق الشيخ عبد اللطيف هميم.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى