من مآثرنا
كثيرة هي المآثر التي تحققت في تاريخ حزبنا، بحيث أن جمعها يتطلب الكثير من الجهد، يساهم به رفقاء عديدون في الوطن وعبر الحدود، إذ يكاد لا يخلو أي فرع حزبي من المآثر ووقفات العز.
في كتابه «أيام من الذاكرة» يورد الرفيق أنور فهد 1 لأحد مآثر الأمينة الأولى. يقول في الصفحات 66 67 68 ما يلي:
« في العام 1950 كانت الأمينة الأولى تقوم بزيارة لمنفذيات في الشام، ولدى وجودها في حمص، وبتاريخ 27 حزيران شب حريق هائل في المستودعات العائدة لشركة المقاولات والتجارة «شركة الكات»، الكائنة في حي المحطة، وأحد أصحابها المواطن شكري الشماس 2 . توجَهَت إلى مكان الحادث سيارات الإطفاء والإسعاف وشرطة النجدة، وانطلق المواطنون على إثر سماعهم صافرات الإنذار، وكان أن سرت ألسِنة النيران إلى مستودعات مجاورة، تحوي المواد المتفجرة والبترولية، حيث أدى ذلك إلى انفجارات مروعة، وإلى وقوع كارثة أليمة ذهب ضحيتها عدد كبير من الذين تجمعوا هناك، كما كان بين الضحايا عدد من رجال الإطفاء والشرطة الذين كانوا يقومون بواجبهم، وقد بلغ عدد القتلى سبعة وسبعين، والجرحى مئة وثمانين، وقد سمي ذلك باسم «حريق الشماس» .
علمت الأمينة الأولى بذلك لدى وجودها في مكتب منفذية حمص، وعلى الفور طلبت من المنفذ العام الرفيق سري الحلبي رقم هاتف «المستشفى الوطني» واتصلت برئيس صحة حمص الدكتور أمين سعادة، وقالت له إنها تضع نفسها تحت تصرف إدارة المستشفى للمساهمة في إسعاف الجرحى المصابين.
حاول الدكتور سعادة إقناعها بعدم الحضور إلا أنها بقيت مصرّة على ذلك واستبدلت لباس الحداد الأسود الذي كانت ترتديه بلباس ملائكة الرحمة ذي اللون الأبيض واتجهت إلى المستشفى ترافقها الرفيقة سهام المحايري شقيقة الأمين عصام والرفيق نزار، والرفيقة أسيمة الموصلي، شقيقة الرفيق بشير الموصلي 3 .
في صباح اليوم التالي صدرت الصحف المحلية بعناوين بارزة، موجهة التحية والتقدير إلى أرملة أنطون سعاده على موقفها الإنساني النبيل، وبعدما انتهت فترة تطوعها استمرت في جولتها يرافقها عميد الداخلية في الحزب الأمين الياس جرجي قنيزح، حيث قامت بزيارة منفذيتي «الحصن» و«صافيتا»، ثم اتجهت إلى «نبع كركر» 4 . وعندما علمتُ بذلك وكنت آنذاك في الكلية العسكرية، حصلت على إجازة وركبت سيارة الباص المتجهة إلى هناك، كان يجلس في المقعد المجاور لمقعدي شاب وفتاة شعرت بأنهما يرمقاني بنظرهما ولم يدم الوقت طويلاً حتى بادرني الشاب بالسؤال عن وجهتي، أجبته أنني في طريقي لزيارة آل كوزاك في «نبع كركر» .
فقال لي: وهل تعرف أحداً هناك؟
قلت : « نعم إنني أعرف كوزاك كوزاك».
بدت على وجهه الابتسامة وقال لي:
«لعلك ذاهب لوجود الأمينة الأولى هناك».
وتبادلنا التعارف إذ علمت بأنه الرفيق جوزيف صايغ، وهو طالب جامعي يدرس الطب، والفتاة شقيقته، الرفيق جوزيف تخرج طبيباً وقد كان طبيباً للرئيس حافظ الأسد، وقضى اغتيالاً من قبل الطائفيين المتزمتين .
اقترح عليّ الرفيق جوزيف نزولي معهما عندما وصلا إلى بيتهما في «الكفرون» للاستراحة بعض الوقت وتناول طعام الغداء. وعندما أراد والرفيقة شقيقته تحضير الطعام، وضع أمامي بعض الكتب والمجلات للمطالعة، غاب عني بعض الوقت، وعاد ليجلس معي كي نتحدث بشؤون حزبية، أما الرفيقة شقيقته فقد وضعت ما كانا قد تسوقاه من مدينة حمص في المطبخ، وباشرت في إعداد الفراريج المشوية والمقبلات، وما هي إلا نصف ساعة حتى دعتنا إلى مائدة سخية. بعد ذلك توجهنا إلى بيت الرفيق كوزاك في «نبع كركر»، الذي كان مثل خلية النحل لكثرة ما وفد إليه من قوميين اجتماعيين من مناطق مختلفة.
وفي تلك الليلة، لم يكن لنا من رغبة في النوم، إذ بقينا نتبادل الأحاديث والذكريات إلى ما بعد منتصف الليل، حيث استأذنت الأمينة الأولى من أجل الخلود إلى الراحة مع بناتها، وقد كانت في معظم تنقلاتها ترافقها الرفيقة هيام نصرالله الأمينة هيام نصرالله محسن، زوجة الأمين عبدالله محسن .
صباح اليوم التالي، كان البرنامج زيارة بلدة «مشتى الحلو»، وبما أن الطريق من «نبع كركر» إلى «مشتى الحلو» وعرة، فقد قام الرفقاء من الطلبة الجامعيين بتنظيفها من الحجارة التي تعيق سير السيارات تمهيداً لمرور الموكب، ومع انتهاء زيارة الأمينة الأولى لمنفذية «حزور»، فقد عدت إلى مركز قطعتي بعد أن انتهت مدة إجازتي».
هوامش:
1 – رفيق مناضل من حمص. شارك، وكان في الجيش الشامي، في معارك الجبهة الشامية عام 1948. تولى
مسؤوليات في الشام، لبنان، الإمارات العربية بعد أن انتقل إليها، ثم في سدني. نشر مذكراته في كتاب «أيام من الذاكرة».
2 – أسس مع النائب الراحل إميل البستاني، والراحل عبدالله خوري شركة مقاولات ما زالت مزدهرة ولها فروعها في كثير من البلدان العربية والأفريقية، شركة الكات Cat .
3 – محام. منح رتبة الأمانة. تولى العديد من المسؤوليات الحزبية في الشام، وفي مركز الحزب، منها في «المحكمة الحزبية».
4 – من القرى التي انتشر فيها الحزب جيداً، عرفتُ من أبنائها الأمين عبدالله كوزاك، والرفقاء نبيه جبرين، رفيع جبرين، سلوم كوزاك جبرين، والمواطن الشاعر سامي جبرين برازيليا ، والرفيق يوسف فرح الأرجنتين الذي كان له نضاله الحزبي في الشام، وتعرّض لتعذيب شديد في أقبية سجن المزة، أطلعني على تفاصيله. وافته المنية في بيونس آيرس.