العقدة السوريّة الساحة والبوّابة… والسوريّ بين الحقّ والواجب
محمد ح. الحاج
هي بوابة التاريخ وأوّل موطن للإنسان، وقال بعضهم في كتب ترقى إلى عالم الخيال العلمي إنّ الذين هبطوا من السماء بمركبات فضائية من البشر استوطنوها ونزلوا في جبال دمشق وانتشروا منها فعمّروا العالم. وبعد، هل من الغريب أن تكون محط الأنظار والأطماع وساحة الصراع، صراع النفوذ والمصالح المتنامية مع تطوّر الحياة البشرية، وهي في موقعها الركيزة لقارات العالم القديم والجسر الواصل بين أرجائها المترامية، كما أصبحت بسبب الخرافة التلمودية محطّ أطماع العالم الحديث المتمثل بالقارة الأميركية وركيزتها الولايات المتحدة المحكومة من احتكارات متحدة الأهداف من كارتيل النفط إلى كارتيل الصناعات الحربية والفضائية، إلى محافل الخرافة الماسونية التي سخرت السياسات في خدمتها ولأغراضها، ولأن العالم ما عاد يحتمل وحيد القرن فلا بد من أن تكون الساحة السورية هي ساح الصراع وتصفية الحسابات على قاعدة تنازع النفوذ والسيطرة على الثروات والطرق والبلدان التي تشكل جسوراً حضارية وثغوراً وممرات للعبور أو التبعية.
سورية التي شكلت عقدة المشروع اليهودي الاستيطاني وهو المعتمد من أهل الغرب الأميركي المتوحش وأتباعه من أبناء القارة العجوز، تقف منذ أكثر من قرن في وجه استكمال هذا المشروع الذي لا يمكن أن يكتمل إلّا بزوال اسم سورية عن خريطة العالم، حتى بعد تجزئتها وسلخ الكثير من أرضها ومنحها لدول تدور في فلك المشروع الغربي أو كانت تؤيده، وسورية التي أنجبت القادة والعظماء عبر التاريخ فحكم بعضهم أعظم الإمبراطوريات، سورية التي أسقطت أعظم الإمبراطوريات وكانت محور الصراع بين الشرق والغرب، بين الإغريق والرومان والفرس، والتي لها النصيب الأكبر من سجلات التاريخ، لم يعد مقبولاً مسارها ومسيرتها، بل هناك طموح للتلاعب بصيرورتها، والهدف أن تكون تابعة لا لاعبة على الساحة الدولية، حتى في محيطها، في أجزائها المغتصبة أو كياناتها المحدثة، وأن تصمت فلا يرتفع صوتها وهذا جوهر المؤامرة التي لا تتوقف. هي الوطن الأم للعالم على ما ورد في تاريخ الحضارة لديورانت.
عبر تاريخ طويل اندثرت دول وإمبراطوريات وقامت على أنقاضها أخرى أعظم أو تفتتت مثيلاتها إلى دول أقلّ شأناً وأصغر، وبقيت سورية تتأثر بمحيطها فاعلة فيه ومؤثرة لكنها لم تندثر، وفي العصر الحديث وبعدما تعرّضت إلى قرون من التخلف والسيطرة الخارجية، تعود لتنطلق مثل طائر الفينيق الأسطوري فتشكل تهديداً لمخططات ومشاريع العالم الذي يدّعي التقدم، هو متقدم تكنولوجياً وحضارياً لكنه في جوهره متخلّف إنسانيّاً وأخلاقيّاً، عالم أشبه بعالم المحيطات يأكل سمكه الكبير وحيتانه المخلوقات الأصغر، ويقوم صراع للبقاء يمارسه الصغير بكل وسيلة، بالعيش جماعات، باللجوء إلى الموانع والأماكن الآمنة، وربما بالتحالف مع القادر على توفير الحماية للجماعات المستهدفة من المخلوقات وهذا ينطبق على البشر، بعدما انقلبت الحياة إلى شريعة غاب يفرضها الكبار الأقوياء.
الولايات المتحدة الأميركية بما تمثل من قوة عظمى وريثة الاستعمار القديم المازال يحلم بالعودة للسيطرة على ثروات العالم ولو على هامش الفتات والتحالف مع القوة الأميركية، عملت على تقويض القوة المقابلة فأسقطت ما كان يسمى بالاتحاد السوفياتي وحلفه المواجه للناتو حلف وارسو، واستمرت في مخطط تطويق الدولة الوريثة روسيا الاتحادية وجعلت من جوارها ملاعب ومواقع لها، لكن ليس في غفلة من الروس الذين اجتهدوا لاستعادة موقعهم بعدما توجهوا إلى تقوية الاقتصاد والحفاظ على توازن القوة، وبعد إسقاط نظام التخاذل والعناصر الصامتة عن الزحف الأميركي بدأت تظهر بوادر العودة الروسية إلى الساحة العالمية، وهي اليوم تتجسد عبر البوابة الرئيسية… سورية.
روسيا التي تشكل حروف اسمها العنصر الرئيس مع اسم سورية، لا تنطلق في دفاعها عن سورية إلّا عبر بوابة المصلحة الروسية، ويتمّ إثبات الوجود واستعادة الموقع عبر هذه البوابة وهذا ما يدركه قادة الغرب، وإذا كان الروس أعلنوا أن موقفهم يقوم على مبادئ القانون الدولي واحترام سيادة الدول، فإنما هو الذريعة المنطقية للموقف الروسي وليس جوهره. أميركا دولة عملاقة لكنها ترسف بأغلال الديون وهي في حقيقة الأمر دولة أقرب إلى الإفلاس إذ تعادل ديونها لدولة الصين وحدها ما نحو أضعاف موازنتها، وهي دولة بما لها من قواعد وأساطيل تحتاج إلى مداخيل معظم دول العالم، وهي لا تنفق على الحروب من موازنتها بقدر ما تفرض على الدول التابعة والحليفة بذريعة حمايتها، ولذلك تختلق الأعداء الوهميين، من شيوعية، إلى أصولية إسلامية، إلى دول داعمة للإرهاب أو مارقة… إلخ، ولأن أسلحتها الإعلامية وأبواقها تسيطر على العقل العالمي أو أغلبه فإنها تفرض مقولتها ودعايتها بمواجهة إعلام فقير غير فاعل، وتسخّر أجهزة ومنظمات دولية تقدم إليها مبررات التدخل وذرائعه تحت يافطات الحرية وحقوق الإنسان وهي تنتهكها جهاراً.
إن جانباً مهماً من جوانب الصراع الدولي القائم اليوم على الساحة السورية يتمثل في صراع مشروعين للطاقة، مشروع الغاز القطري السعودي وملكيته لشركات العالم الغربي، ومشروع الغاز الإيراني العراقي السوري، الذي لا تملك فيه شركات الغرب إلا القليل، ولأن سورية هي خط المرور والمصب ونقطة التفرعات، ولأن سورية لن تقبل أن تشكل معبراً وشريانا حيوياً للعدو الطامح إلى أن تكون حيفا هي روتردام الجديدة، تصبح الهدف. أما الموقف الروسي الذي لا يعترض على الخط الإيراني فلأن الروابط بين إيران وروسيا أصبحت في مرحلة الاستراتيجية المتكاملة على الصعيدين العسكري والاقتصادي، ومعه لا يشكل الخط الإيراني منافسة، أو ينقلب سلاحاً بيد الغرب ليحارب به المصالح الروسية أو تلويح أوروبا بوقف استيراد الغاز الروسي لتطويع الدولة الروسية ودفعها إلى مجاراة الغرب والصمت على مشاريعه العدوانية حيال الدول الأخرى. هذا الموقف الروسي يشجع سورية على الاستمرار في موقفها الرافض، ويشكل قاعدة الموقف العدواني لنظامي قطر وآل سعود التابعين والعميلين للغرب، ويفسر الدعم المالي الهائل لعمليات التخريب على الساحة السورية الداخلية وإلحاق أفدح الأضرار بالشعب السوري.
الشعب السوري الذي يتمتع بحرية وديمقراطية يفتقر إليها معظم الشعوب، ومنها شعب الأعراب في قطر والسعودية، ليس في حاجة لاستيراد حكام من هذه الدول أو أتباع وعملاء للغرب وهو من يفاخر بأنه صدّر لهذا العالم نخبة من القادة والعظماء، حكام ومشرّعين وعلماء في المجالات كافة، ولأنه يتمتع بهذا الحق وما أضيف له من تطوير وتحديث في عالم الممارسة فإن من واجبه العمل على تثبيت هذا الحق بشكل إيجابي، والإقبال على المشاركة في نجاح الاستحقاق الدستوري رغم الإرهاب والتضليل ليثبت للعالم أنه جدير بهذا الحق، وأنه صاحب القرار وليس فاقداً الأهلية لتتولى عنه الدوائر الغربية والرجعية العربية القرار وتفرض عليه وصاية أو انتداباً ولى زمانه وطواه النسيان. اليوم أمام أبناء شعبنا قامات وطنية مؤهلة لقيادته، أمامه خيارات أربعة، ثلاثة مرشحين، وخيار الورقة البيضاء، وليسجل التاريخ أن ديمقراطية الشعب السوري تفوّقت على ديمقراطيات الغرب المشوّهة والمحكومة بأموال الاحتكارات والشركات المتعدّدة الجنسية ودولارات المؤسسة الصهيو ماسونية العالمية الحاكمة من خلف الكواليس.
إن شعباً لم تتخلّ عنه قيادته في أحلك الظروف جدير بألّا يتخلى عنها، فالربان صامد في وجه العاصفة، والركاب أوفياء… هذا هو شعب سورية.