الاتفاق النووي الإيراني وانعكاساته الإقليمية

توفيق المحمود

في فيينا، وبعد سنوات مضنية من المفاوضات، تخللتها تهديدات وعقوبات اعترفت القوى العالمية رسمياً ببرنامج إيران النووي السلمي وحقها في ممارسة حقوقها النووية في إطار المعاهدات الدولية.

الاتفاق التاريخي الذي ينص على إلغاء كل قرارات المقاطعة ضد طهران والتي تشمل كل مقاطعة اقتصادية ومالية مفروضة ضدها في إطار تفاهم، وذلك دفعة واحدة عبر صدور قرار جديد، ويضمن الاتفاق لإيران استمرار كل مراكزها النووية بالعمل، إضافة إلى برنامج التخصيب الإيراني، وستبقى كل البنى التحتية النووية لإيران التي كسر القيود عن يديها وستكون محل تنافس بين الدول الكبرى وتزاحم بين الشركات الاقتصادية الكبرى لتوظف في الاقتصاد الإيراني هذا في الشأن الداخلي.

أما في الشأن الخارجي فإن إيران سيكون لها الضوء الأخضر لمساعدة حلفائها في شكل عام وسورية وحزب الله في شكل خاص، وهذا ما سينعكس على صعيد المواجهة التي يخوضها محور المقاومة في سورية ضد المشروع الآخر وبذلك يكون محور المقاومة ربح جولة استراتيجية مهمة وكبيرة، يستطيع أن يبني عليها في المستقبل وسيلقي بظلاله على المناطق كافة.

مناورة الغرب الجديدة الآن مع إيران هي محاولة فك ارتباطاتها الاقليمية بحلفائها وبخاصة في سورية واليمن، فقد دعا رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون الرئيس الإيراني حسن روحاني بتغيير مواقف طهران من حل المسائل المتعلقة بالأزمتين السورية واليمنية في محاولة من الغرب الضغط عليها من أجل تغيير مواقفها لكن الرد الإيراني جاء وعلى لسان المرشد الأعلى للثورة السيد علي خامنئي الذي أكّد في خطبة عيد الفطر أن سياسة الجمهورية الاسلامية الايرانية في مواجهة الحكومة الاميركية الاستبدادية لم تتغير وأن ايران لن تستسلم أمام مطامع الاعداء ولن تتوقف عن دعم شعوب اليمن وسورية والعراق ومجاهدي المقاومة في لبنان وفلسطين سواء تمت المصادقة على الاتفاق أو لم تتم.

بات واضحاً ان الاتفاق النووي بين الدول الست وإيران ليس سوى ملف من ملفات أنجزت في دوائر القرار العالمية وستليه على المستوى الدولي والإقليمي محاولة حل الازمتين السورية واليمنية، حيث أن صمود التحالف السوري الايراني ساهم في انجاز هذا الاتفاق وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أكد قبل أيام من توقيع الاتفاق أن التوصل الى اتفاق مع القوى الغربية في شأن برنامج بلاده النووي سيفتح الباب امام العمل المشترك ضد الإرهاب والتي تعتبر المشكلة التي تواجه المنطقة والذي يهدد أمن العالم بأكمله وبخاصة بعد وصوله إلى أوروبا.

ولطالما تغنت الولايات المتحدة الأميركية والغرب بأن لا دور إيرانياً في حل الأزمة السورية وتم استبعادها من مؤتمر جنيف الثاني لحل الأزمة السورية مما أدى إلى فشل هذا المؤتمر وتأزم الوضع أكثر في سورية ولكن اليوم وبعد توقيع الاتفاق النووي أصبح لإيران النووية دور إقليمي جديد وكبير في حل كل أزمات المنطقة وكلام اوباما منذ أيام يدل على تغير الموقف الأميركي من دور إيران الاقليمي، وأكد أوباما أن حل الأزمة السورية مستحيل من دون مشاركة إيران وأن الاتفاق على البرنامج النووي الإيراني هو الخطوة الأولى لخروج طهران من الظل والبدء بالمشاركة بحل الأزمة في العراق وسورية.

هذه التصريحات الأميركية في شأن الحاجة إلى مشاركة إيران في حل الأزمة السورية كانت الأولى من نوعها على هذا المستوى الرفيع وجاءت هذه التصريحات نتيجة الاتفاق التاريخي في شأن البرنامج النووي الإيراني واعترف أيضاً أوباما أن إيران تملك نفوذاً كبيراً في العراق وسورية وبإمكانها المساعدة في محاربة إرهابيي «داعش» فقد أصبح لدى الولايات المتحدة قناعة كاملة بدور إيران الكبير في حل جميع الأزمات التي تعصف بالمنطقة وبخاصة بعد المحاولات الفاشلة السابقة في إبعادها عن حل أي ملف في المنطقة.

اثنا عشر عاماً من الصدام بين ايران والدول الست اثمرت اتفاقاً باتت إيران بموجبه قوة إقليمية نووية باعتراف الخمسة الكبار والاتحاد الأوروبي، هذه الطريق الطويلة والشاقة وصبر ايران عبر سنوات الحصار والعقوبات الاقتصادية القاسية أوصلت الإيرانيين إلى انتزاع الاعتراف الدولي بحقهم في تخصيب اليورانيوم كما أصبح من الصعب على أي قوة في المنطقة تجاهل إيران النووية أو الاستمرار في الاستناد إلى عدائها مع الولايات المتحدة لمواجهتها على مختلف الجبهات الإقليمية من العراق الى سورية الى لبنان والاقتناع الكامل لدى الغرب وأميركا بصعوبة تغيير السياسية الإيرانية تجاه حلفائها بالمنطقة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى