الثعلب كيسنجر وخيارات هيلاري الصعبة
طاهر محي الدين
للأسف الشديد وبعد مرور ما يقارب الخمس سنوات على ما سمي بـ«الربيع العربي»، الذي يعصف بالأمة والمنطقة من المحيط إلى الخليج، فإننا لا زلنا نسمع نفس الأسطوانة المشروخة عن تشكيل تلك التنظيمات الإرهابية التي أسسها واستعملها التحالف الصهيوأميركي وهابي لإقامة حروبه الجديدة من الجيل الرابع أو ما يسمى إصطلاحاً «البروكسي وار» أي الحروب بالوكالة، والتي تتلخص بالتدمير الذاتي للبلدان الهدف وتدميرها داخلياً بأيدي أبنائها والمجموعات الإرهابية لإشاعة الفوضى الخلاقة وإدارة هذه الفوضى وفق نظرية «العماه».
ولكن تأبى جوقة إعلام البترودولار المنغمس تماماً بتلك الدماء إلا أن تكرر تلك الأسطوانة التي تسمعنا إياها كل يوم عن أن هذه التنظيمات الإرهابية تارةً شكلها النظام السوري ليقول للعالم إما أنا أو أن ينتشر ذلك الإرهاب في المنطقة والعالم، وتارةً أخرى بأنها صنعية إيران حليفة النظام السوري لإيجاد مبرر لتشكيل القوات الشيعية ونشرها في المنطقة بحجة الدفاع عن أمنها القومي، وهنا لا نجد وصفاً لهذا الإعلام أفضل مما قاله الأميركي ديفيد ورامرز المستشار والمسؤول عن ملف الشرق الأوسط في فريق ديك تشيني النائب السابق للرئيس الأميركي جورج دبليو بوش إذ قال:
«من ضمن خطتنا في المنطقة لا بدّ من أن ننتبه إلى الإعلام، فالإعلاميون العرب كلهم أعداء، وكلهم ضد السامية، وكلهم يمكن أن يشكلوا معسكر الخصم، فلذلك لا بدّ لنا من أن نجد إسطبلاً من الإعلاميين العرب يشبه سفينة نوح، الأحصنة في هذا الإسطبل وظيفتها أن تقول دائماً: إنّ سورية وإيران هما المشكلة، أما الحمير فهي من تصدّق أننا نريد الديمقراطية، وأما حظيرة الخنازير فهي التي تقتات على فضلاتنا ومهمتها كلما أعددنا مؤامرة أن تقول: أين هي المؤامرة؟»
أيها السادة يوجد في القانون والقضاء والأعراف والحياة العامة نص معروف للجميع ألا وهو «انّ الاعتراف هو سيد الأدلة»، وهنا نسرد هذين الاعترافين… الأول لهيلاري كلينتون عن تشكيل تنظيم «داعش»، والثاني لثعلب السياسة الخارجية الأميركية هنري كيسنجر الذي يتحدّث عن مخطط احتلال سبع دول في المنطقة وتدميرها وتشكيل «السوبر باور»:
1 ـ هيلاري كلينتون فجرت مفاجأة من العيار الثقيل، وأطلقت صاروخ توما هوك هزت فيه العروش، وقطعت ألسن القائلين بأنّ ما يسمى تنظيم «داعش» هو من صنيعة المخابرات السورية والإيرانية، حيث أعلنت في كتابها «خيارات صعبة» أنّ الإدارة الأميركية أسّست «داعش» لتقسيم الشرق الأوسط، واعترفت بأنّ الإدارة الأميركية قامت بتأسيس ما يسمى بتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، وأضافت: أنه تمّ الاتفاق على إعلان الدولة الإسلامية يوم 5/7/2013 وكنا ننتظر الإعلان الرسمي لكي نعترف نحن وأوروبا بها فوراً».
وتابعت تقول: «كنت قد زرت 112 دولة في العالم… وتمّ الاتفاق مع بعض الأصدقاء بالاعتراف بـ«الدولة الإسلامية» حال إعلانها فوراً وفجأة تحطم كلّ شيء». وقالت: «كلّ شيء كسر أمام أعيننا بدون سابق إنذار، شيء مهول حدث في مصر»!
وبعد أن فشل مشروعنا في مصر بعد سقوط «الإخوان المسلمين»، كان التوجه إلى دول الخليج، وكانت أول دولة مهيأة هي الكويت عن طريق أعواننا هناك، ثم السعودية ثم الإمارات والبحرين وعُمان، وبعد ذلك يُعاد تقسيم المنطقة العربية بالكامل بما تشمله بقية الدول العربية ودول المغرب العربي وتصبح السيطرة لنا بالكامل خاصة على منابع النفط والمنافذ البحرية وإذا كان هناك بعض الاختلاف بينهم فالوضع يتغيّر»!
2 ـ أما هنري كيسنجر، فقال إنّ إيران هي ضربة البداية في الحرب العالمية الثالثة التي سيتوجب فيها على «إسرائيل» قتل أكبر عدد ممكن من العرب واحتلال نصف الشرق الأوسط.
كيسنجر أضاف في حديث أجراه مع صحيفة «ديلي سكيب» الأميركية: «لقد أبلغنا الجيش الأميركي أننا مضطرون لاحتلال سبع دول في الشرق الأوسط نظراً لأهميتها الاستراتيجية لنا خصوصاً أنها تحتوي على البترول وموارد اقتصادية أخرى ولم يبق إلا خطوة واحدة، وهي ضرب إيران وعندما تتحرك الصين وروسيا من غفوتهما سيكون «الانفجار الكبير» والحرب الكبرى التي لن تنتصر فيها سوى قوة واحدة هي «إسرائيل» وأميركا، وسيكون على «إسرائيل» القتال بكل ما أوتيت من قوة وسلاح لقتل أكبر عدد ممكن من العرب واحتلال نصف الشرق الأوسط».
وأضاف: «إنّ طبول الحرب تدق الآن في الشرق الأوسط وبقوة، ومن لا يسمعها فهو بكلّ تأكيد «أصمّ»، مشيراً إلى أنه «إذا سارت الأمور كما ينبغي، فسيكون نصف الشرق الأوسط لإسرائيل»، وقال «لقد تلقى شبابنا في أميركا والغرب تدريباً جيداً في القتال خلال العقد الماضي وعندما يتلقون الأوامر للخروج إلى الشوارع ومحاربة تلك «الذقون المجنونة» فسوف يطيعون الأوامر ويحوّلونهم إلى رماد، موضحاً أنّ إيران ستكون المسمار الأخير في النعش الذي تجهزه أميركا و«إسرائيل» لكلّ من إيران وروسيا بعد أن تمّ منحهما الفرصة للتعافي والإحساس الزائف بالقوة وبعدها سيسقطان وللأبد لنبني مجتمعاً عالمياً جديداً يكون لقوة واحدة وحكومة واحدة هي الحكومة العالمية «السوبر باور» وقد حلمت كثيراً بهذه اللحظة التاريخية».
وعود على بدء سنذكر بأنّ طريقة تشكيل «داعش» هي كما بداية تشكيل الكيان الصهيوني، الذي أتى إلى فلسطين على ظهر البريطانيين، وكان عبارة عن مجموعة من عصابات اليهود «الشيترن» و«الهاغانا»، الذين قاموا بأبشع الجرائم والتقتيل والذبح والمجازر العنصرية والتي تقوم على مبدأ «ديني»، وتلك العصابات التي تشكلت من شتات اليهود الصهاينة، كما «داعش» اليوم التي تجمّعت وتركبت بصناعة المخابرات الأميركية من كلّ أرهابيّي العالم ومن جنسيات مختلفة لا يجمعها إلا التكفير والقتل والإجرام وعقيدة وهابية فاسدة مجرمة تكفر وتقتل كلّ من يخالف فكرها من المسيحيين والمسلمين ما عدا اليهود الصهاينة.
و»داعش» أصلاً هي فصيل منشق عن «القاعدة»، التي ركبت ودعمت وموّلت بتنسيق سعودي أميركي باكستاني بحجة محاربة الجيش السوفياتي آنذاك في أفغانستان، ثم انتقل هذا التنظيم إلى العراق بقيادة أبو مصعب الزرقاوي.
وحتى لا نغوص في تفاصيل التشكيل، وبملاحظة بسيطة جداً، إلى كلّ من أضاع البوصلة، وتاه بالمسمّيات الجانبية، من كلّ الجماعات المتأسلمة التي شكلت برعاية جهازي المخابرات البريطانية من «الإخوان المسلمين» ومملكة آل سعود، والمخابرات الأميركية «القاعدة» ومفرداتها العفنة، من «جبهة النصرة» وأحرار الشام وجيش الإسلام وجيش الفتح إلخ… والكيان الصهيوني على رأس كلّ هذه المكونات المأفونة، نجد وبيقين لا يشوبه شك أنّ الذي يحاربنا في فلسطين المحتلة هو نفسه الذي يقوم بارتكاب المجازر في العراق وسورية ومصر وليبيا وتونس ولبنان ومؤخراً في الكويت وقبلها المنطقة الشرقية في السعودية، ولكن الفارق فقط في الشكل المتزيّي بالإسلام واللحى الطويلة.
نعم إنه العدو نفسه، إنه الصهيوني بأسماء وأشكال وأدوات متعدّدة برعاية الصهاينة الجدد في العالم الغربي، وصهاينة «إسرائيل»، وعملائهم من صهاينة الأعراب، ولهذا علينا جميعاً كشعوب حرة أن نتوحد في مواجهة هذا الإرهاب الذي لا يفرّق بين أيّ دين وطائفة ومذهب لا تتبع هواه، خلف القيادات الحكيمة والشريفة والسيدة والحرة في المنطقة من طهران إلى دمشق والضاحية الجنوبية، ولتكن مقاومتنا عابرة للحدود لنحمي الأرض والعرض، ولنحافظ على وحدة الأمة وكرامتها.