«إسرائيل» تحترق بلهيب تموز مرة أخرى
راسم عبيدات
في تموز 2006، قررت «إسرائيل» تغيير قواعد اللعبة في الجنوب اللبناني، وإنهاء وجود المقاومة وحزب الله، وإبعاد خطرها لسنوات طويلة عن شمال فلسطين، وأميركا وقوى الاستعمار الغربي ومعها جوقة المطبلين والمنهارين العرب من مشيخات النفط والكاز الخليجية وعدد آخر من أنظمة النظام الرسمي العربي، أعطوا الضوء الأخضر لذلك… معتقدين ومتوهمين بأن القضاء على حزب الله سيدق مسماراً آخر في نعش النظام السوري وسيخضع إيران، وسيخلق شرق أوسط جديداً خالياً من قوى المقاومة، قيادات عربية «كرتونية» تأتمر بأمر «إسرائيل»، هيمنة وسيطرة أميركية مطلقة على المنطقة… ولكن لم يتم استولاد الشرق الأوسط الجديد الذي بشرت به كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك، ومنيت «إسرائيل» بهزيمة نكراء بعد ثلاثة وثلاثين يوماً من القتال الضروس مع المقاومة اللبنانية، في وقت كانت تعتقد «إسرائيل» ومعها حلف العدوان الأميركي والغربي والعربي، أن المعركة ستحسم خلال عشرة أيام على الأكثر، وجاء تقرير لجنة «فينوغراد» الإسرائيلية حول حرب تموز واعتراف جنرالاتها وقادتها الأمنيين والعسكريين بالهزيمة والفشل، ليؤكد الهزيمة والفشل «الإسرائيليين»، وبدلاً من أن يتراجع دور حزب الله والمقاومة، وجدنا أن الحزب تحول إلى قوة إقليمية في المنطقة، وأصبح حلف المقاومة من طهران وحتى الضاحية الجنوبية مروراً بدمشق أكثر ثباتاً ورسوخاً، توحد في المعارك والميدان في أكثر من ساحة، في معركة القصير، في القلمون والقنيطرة… ضد العدوان الإجرامي الذي تتعرض له سورية وقوى المقاومة من قبل تحالف عريض تقوده أميركا والغرب الاستعماري، ويشارك في تنفيذه تمويلاً وتسليحاً وتوفيراً للدعم اللوجستي والاستخباري والقواعد والملاذ الآمن والإقامات وحرية الحركة، وفتح الحدود لإدخال المرتزقة والجماعات الإرهابية والتكفيرية من مختلف دول العالم جماعات التتريك الحالمة بالخلافة في أنقرة على حساب الدم والجغرافيا العربية وغرفة عمليات «موك» في الأردن وجماعة 14 آذار في لبنان.
الهزيمة العسكرية التي منيت بها «إسرائيل» في تموز 2006، لا توازيها سوى هزيمتها السياسية بتوقيع الاتفاق الإيراني – الأميركي حول الملف النووي الإيراني في تموز لهذا العام، اتفاق أحدث زلزالاً في «إسرائيل»، ليصفه قادتها بالكارثة، اتفاق ستبنى عليه تغيّرات ومعادلات وتحالفات جيواستراتيجية في المنطقة، اتفاق سيكرّس إيران قوة إقليمية متسيّدة في المنطقة، وبانتصار إيران سيتعزز دور حلف المقاومة في المنطقة، وسيكون العد النهائي للعدوان على سورية، سورية التي سيصبح دورها حاسماً في المنطقة، كذلك حزب الله سيصبح واحداً من المعادلات المهمة في المنطقة، لكي يتحول دوره من دور محلي إلى دور عربي وإقليمي.
«إسرائيل» المصدومة من هذا الإاتفاق، لم تنفع معها كل التطمينات الأميركية، حول تعويضها عسكرياً عن هذا الاتفاق بتزويدها بأحدث ما هو موجود من سلاح في الترسانة الأميركية، وكذلك أحدث المقاتلات أف 35 ، ولا التطمينات البريطانية والألمانية والفرنسية بالالتزام بأمنها وحمايتها والدفاع عنها، فإيران قيادتها تقول بأنها لن تغير موقفها من «إسرائيل» وستواصل دعم حلفائها والوقوف إلى جانبهم في سورية ولبنان واليمن وفلسطين، والدول التي تبعث لها بالتطمينات قبل أن يشرع في رفع العقوبات الاقتصادية والمالية عن إيران يستعد قادتها ووزراؤها للهرولة إلى طهران، لكي يحجزوا حصصاً لهم في المشاريع الضخمة التي ستستثمر في القطاعات المختلفة الإيرانية من نفط وغاز وبتروكيماويات وصناعات مختلفة وإعادة تأهيل قطاع الطيران المدني والمصارف والبورصة… الخ.
ولعل الجميع يذكر كيف كانت فرنسا بضغط سعودي تقف بصلف وعنجهية ضد الاتفاق الأميركي- الإيراني، ودفعت لها السعودية مليارات الدولارات كرشاوى، وابتاعت منها سلاحاً بالمليارات، لكي تلعب دور المعطل لهذا الاتفاق، من خلال التشدد في فرض شروط مذلة على طهران في المفاوضات، ولكن كل هذا التعطيل والعقبات لم تنجح في توقيع الاتفاق، ولكي تلتفت فرنسا إلى مصالحها بعد توقيعه، تاركة السعودية تغرق في وحل الحرب العدوانية على اليمن، تلك الحرب التي لن تستطيع أن تجعل منها لاعباً إقليمياً أو منتصراً في هذا الصراع، بل ستستنزفها مالاً وسلاحاً، كذلك ستتولد عنها حالة من عدم الاستقرار وعدم الشعور بالأمن والأمان في المنطقة، حيث حالة من الغليان تسود الوضع الداخلي السعودي، وأميركا لن تقدم لها سوى جوائز ترضية بأنها مستعدة لحمايتها والدفاع عنها في حال تعرضها لعدوان خارجي، ولكن لن ترسل جيوشها لتحارب بدلاً منها.
حرّ تموز هذا الصيف كان لهيبه السياسي أشدّ على «إسرائيل» وحلفائها المعروفين والمتخفين منذ تموز 2006، فماذا جنى عربان مشيخات النفط والكاز الخليجية من موقفهم العدائي تجاه إيران؟ وماذا جنت السعودية وقطر على وجه التحديد من دعمهما المالي والتمويل لتهريب وإدخال عشرات الآلاف الجماعات الإرهابية والمرتزقة إلى سورية والعراق، ودفع أثمن التكاليف لأحدث الأسلحة التي جرى تزويدهم بها؟ ماذا حصدت السعودية من حربها العدوانية على اليمن؟ فحربهم العدوانية على اليمن والتصعيد العسكري ومحاولة تحقيق انتصارات في سورية لصرف الأنظار وتعطيل توقيع الاتفاق الأميركي، لم تفلح لا برفّ اليمنيين لراية الاستسلام ولا إنجازات عسكرية في سورية تحقق، ولا اتفاقاً عطل الاتفاق وقع ضمن معادلة «رابح رابح» وإيران حصلت على أغلب ما تريد، وما سيحدث من رفع فوري للعقوبات سيكون له بالغ الأثر في التنمية وفي الصناعة العسكرية الإيرانية. وبالتأكيد ستكون إيران قادرة أكثر من أيّ وقت سبق على دعم حلف المقاومة، فاليوم هي في مجموعة الدول الكبرى ونجحت سياسة النفس الطويل في تجاوز كلّ العقوبات.
التداعيات للاتفاق النووي الإيراني ستكون كبيرة في المنطقة على المستوى الإقليمي والعربي، والمعادلات والتحالفات والتغيرات الجيوسياسية ستحصل، والأوضاع في المنطقة قبل تموز لن تكون على ما هي عليه بعد تموز، وتوقيع الاتفاق ترافق مع تقدم كبير في الحرب على الجماعات الإرهابية «القاعدة» ومتفرعاتها من «داعش» و«نصرة» وغيرها في العراق وسورية، الانتصارات الميدانية سوف تضيف قوة جديدة للاتفاق الإيراني مع الغرب، وسوف تتبدّل المواقع ويتغيّر الخطاب السياسي، النجاح الذي تحقق في فيينا سيعطي روسيا وإيران وسورية أفضلية في العمل على إنهاء الحرب على سورية ووقف تدفق الإرهابيين وأموال الإرهاب. ولا بدّ أن يعيد المجتمع الدولي حساباته من أجل وقف العدوان على اليمن وإنهاء مجازر القتل الجماعي التي تُمارَس ضدّه.
Quds.45 gmail.com