تقرير
كتب رونين بيرغمان في صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية:
«لو كان بوسعنا فقط أن نعرض المادة الاستخبارية، لبدا كل الامر مختلفاً»، قال لي مسؤول كبير سابق في الاستخبارات الأميركية، محاولاً تبرير التنصت على آنجيلا ميركيل. فعلى حدّ قوله، لم تكن ميركيل، التي كانت في حينه رئيسة المعارضة، الهدف الحقيقي في الفترة التي بدأ فيها التنصّت، إنما المستشار غيرهارد شرودر، الذي أعلن في مرحلة معينة مواقف مؤيدة لروسيا وعارض بشدة الاجتياح الأميركي للعراق. وبعدما اعتزل، تعرّض لانتقاد جماهيري كونه حصل على وظيفة عالية الراتب في شركة الطاقة الروسية «غازفروم». المعلومات الاستخبارية التي جمعت عن اتصالات غير مناسبة بين القيادة الالمانية وبوتين، على حدّ قول هذا المسؤول، كانت تبرّر في نظر الكثيرين التجسّس عليها.
فهل يمكن أن يطبّق المنطق ذاته أيضاً على علاقات الولايات المتحدة و«إسرائيل»؟
الجدال بين الادارة الأميركية وحكومة «إسرائيل» على الاتفاق النووي مع إيران فشل دبلوماسي ذريع أم إنجاز هام احتدّ في ضوء سلسلة منشورات تفيد بأن «إسرائيل» تجسّست على الولايات المتحدة في الاتصالات مع إيران والمحادثات مع أوروبا. فهل، لو كان ممكناً كشف هذه المعلومات الاستخبارية على الجمهور، يبرر استخدام وسائل التجسس، أو على الاقل، موقف نتنياهو الحادّ ضدّ الاتفاق؟
المادة التي تجمعت في «إسرائيل» عن المفاوضات مع إيران لم تأتِ، كما تشدّد محافل رفيعة المستوى، من التجسس على الأميركيين بل من معلومات نقلت بشكل رسمي إلى «إسرائيل» في اطار المحادثات او قدرات أسرة الاستخبارات هنا ضد إيران. ويستنتج من المادة استنتاجان واضحان: مندوبو الغرب تعهدوا الا يتنازلوا في سلسلة مجالات حرجة، أما عملياً، فقد تنازلوا فيها جميعها. ومن جهة أخرى استقبلت إنجازات المندوبين الإيرانيين في المحادثات بارتياح شديد في طهران.
هكذا، مثلاً، في بداية المفاوضات زار «إسرائيل» المبادرون الأميركيون لها وأعلنوا أن «هدفنا ألا يكون في الاتفاق النهائي في إيران تخصيب لليورانيوم على الاطلاق». لاحقاً، في خطابه في منتدى سبان في كانون الاول 2013 كرّر الرئيس الأميركي أنه على ضوء سلوك إيران، فإن الولايات المتحدة لا تعترف بحقها في تخصيب مادة إشعاعية على أراضيها.
في شباط 2014 بدا التآكل الاول في هذا الالتزام عندما قالت ويندي شيرمان، رئيسة الفريق الأميركي للمفاوضات، لـ«الإسرائيليين» إنه مع أن الولايات المتحدة تريد أن يتوقف تماماً التخصيب في إيران، إنما هذا توقع غير معقول. في نهاية الامر، سُمح لإيران بالتخصيب على أراضيها، بجمع اليورانيوم المخصب وإن كان بكمية صغيرة نسبياً ، لا بل أن تعالج بنفسها الأطنان الثمانية التي جمعتها حتى اليوم، خلافاً للوعود بأن تنقل المادة إلى روسيا.
هكذا مثلاً، وعد مندوبو القوى العظمى الذين شاروا في المحادثات «إسرائيل» احتفاليا في نهاية 2013 الا يتم في موقع التخصيب السري في قمّ، تخصيب أو بحث وتطوير. في نهاية الامر، سمح للإيرانيين بأن يبقوا في المكان نحو ثلث أجهزة الطرد المركزي فيه 1.000 ، بما في ذلك البنى التحتية للتخصيب، والعمل على تخصيب راديو ـ آيزوتوبات. وهكذا سمح لهم، ايضاً بخلاف الوعود السابقة، بحيازة 5.066 جهاز طرد مركزي في الموقع المركزي في نتناز، خلافاً لما اتفق مع «إسرائيل» ـ أجهزة الطرد المركزي الفائضة لن تدمر بل ستفكك وتخزن.
لقد سجّل التراجع الاكثر اقلاقاً بالنسبة إلى البحث والتطوير لأجهزة الطرد المركزي المتطورة. فقد وعد مندوبو الولايات المتحدة «إسرائيل» عدة مرات الا يسمحوا باستمرار النشاط في هذا الامر. وقد وجهت التعليمات للمندوبين الإيرانيين للعناد في هذه النقطة، ونجحوا. ويمكن لمصانع تاسا وطابا للسلاح الإيراني ان يواصلوا تطوير المنشآت، بقيود خفيفة فقط.
وفي زمن الانطلاق إلى القنبلة، سُجّل تنازل هام ايضاً. فقد وعد مندوبو الغرب «إسرائيل» ان يكون هذا لبضع سنوات، أما الان فهو لسنة واحدة بحسب الولايات المتحدة، وأقل من هذا بحسب الخبراء «الإسرائيليين». كل موضوع الايضاحات التي تكون إيران مطالبة بتقديمها بالنسبة إلى تطوير الجانب العسكري والسري من المشروع النووي، والذي أبلغ الأميركيون «إسرائيل» حوله بأنهم لن يتنازلوا قيد أنملة، بقي مفتوحا وغامضاً في الاتفاق النهائي. وقائمة التنازلات تطول: من الموافقة على ابقاء مفاعل ومشروع المياه الثقيلة في آراك على حاله، عبر التنازل عن مطالبة إيران بالسماح بزيارة مفاجئة للمواقع المشبوهة وانتهاء بالسماح الجارف لإيران مواصلة انتاج الصواريخ وتطويرها.
يمكن الاختلاف في الشكل الذي اختاره نتنياهو لادارة الخلاف حول الاتفاق النووي، عبر المواجهة المباشرة والحادة مع الرئيس الأميركي. ولكن مع ذلك، يتبين من المادة الاستخبارية التي اعتمد عليها استنتاج واضح جداً: مندوبو الغرب تجاوزوا كل خط أحمر وضعوه لأنفسهم، تنازلوا عن معظم ما أشاروا اليه في البداية كأمر حرج، والإيرانيون حققوا تقريباً كل اهدافهم. نتنياهو محقّ في معارضته الاتفاق.