الأديب الفلسطيني أحمد نصّار المزاوجة بين ممارسة النقد وكتابة القصّة القصيرة
سامر الشغري
يسعى الأديب الفلسطيني أحمد نصّار بما لديه من مخزون معرفي واطّلاع على الحركة الأدبية الحالية، إلى تقديم تجربته الأدبية مزاوجاً فيها بين النقد المنهجي والأدب القصصي والقراءات الأدبية، فضلاً عن نظمه الشعر على رغم أنه يرفض اعتبار نفسه شاعراً.
ويشرح الأديب الفلسطيني حقيقة النظرة السائدة في تفوّق النقد على مستوى الأدب المقدّم حالياً، بأن بعض النقاد يملكون معرفة بلاغية قديمة أكثر من امتلاكهم أدوات نقدية حديثة. ومقابل هؤلاء نجد أدباء اختاروا المفردة السهلة والصورة الموروثة التقليدية، فكان النقد متماهياً متصالحاً مع ذاته أكثر من الأدب. معتبراً أن الناقد الذي يملك رؤيا للأبعاد النفسية تتكون وتتكور في عملية الخلق الجديد للنصّ.
وعن سيطرة التقليد والشخصنة وغياب الإبداع على أكثر القصص المنتجة حالياً يعيد نصّار طغيان الجانب التقليدي على حساب الجانب الإبداعي وذوبان الشخصية، من دون أن تترك أثراً في مسار ذهن القارئ إلى ثقافة المبدع أو القاص ومخزونه اللذين يتمترسان خلف ما حمل ذهنه من معطيات اكتسبها من الموروث. فباتت أدواته خاضعة لسيطرة رؤى تحمل مدلولات غير منظمة بينما الإبداع يحتاج إلى انعتاق وتحليق في العمق الرؤيوي والزخم التأملي والكثافة الشعورية العميقة.
وحول المنهج النقدي الأمثل من وجهة نظره إلى دراسة الأدب، يوضح صاحب مجموعة «الفقر وأنا» أنه لا يعتمد على منهج بعينه. مشيراً إلى وجود مدرستين في النقد، أولاهما قديمة وتضمّ الاتجاهات السلوكية والاجتماعية والانطباعية، وثانيهما جديدة تعتبر الأدب كائناً مستقلاً له حياته الخاصة. وهو المنهج الموضوعي. ليخلص إلى نتيجة مفادها أن الناقد الحصيف هو الذي يقوم بعملية تفكيك واستقراء وولوج إلى عمق الكلام الذي لم يكتب أو لم تسعف الكاتب أدواته في التعبير عنه.
وحول اختلاف أدوات النقد ومنهجه وفق كل نوع أدبي، يرى نصّار أن فهم النقد وأدواته ورؤاه يأتي ضمن منعرجات الأجناس الأدبية وحالاتها الشعورية الداخلية وتأملاتها الوجودية، لما لهذه الأدوات من استنتاجات وتأويلات. مؤكداً أنه كلما كان المؤلف يحمل مدّاً تأملياً في بلورة نصّه بأسلوب رشيق، احتاج الناقد إلى أدوات جديدة تتماهى مع النص.
وعن ضعف ظاهرة الأدب المقاوِم في الحراك الفكري المعاصر، يرفض نصّار أن يسميها ظاهرة لأن الأخيرة استثناء بينما المقاومة وأدبها حالة وجودية من صلب قوانين الكون ما دام الصراع بين الخير والشر قائماً. أما عوامل تعزيز هذه المقاومة فتعود إلى سلوك القادة السياسيين وثقافتهم في تعبئة العقل الجمعي باتجاه المقاومة، وتحديد بوصلة العدو حتى يتحرك حسّ الأديب نحو الحق. معتبراً أن الأدب المقاوم ما زال موجوداً ولو اختلفت أشكاله وصوره.
وعن الطريقة التي تتيح للنقد أن يصبح جماهيرياً من دون أن يتخلى عن رصانته وعلميته، يؤكد نصّار أن المسافة بين الناقد والجمهور ستبقى بعيدة جداً لأن حلقة الربط بينهما هو المبدع ذاته. بينما الشعر والقصة والمسرح حالة جماهيرية. لكن بوسع الناقد كلما كان أميناً ورشيقاً في لغته ورصانته، أن يصبح مع المبدع على خشبة واحدة وجهاً لوجه مع الجمهور.
وفي خصوص سيطرة البعد الإنساني في القصص التي يكتبها يوضح نصّار أنها تتناول إشكالات إنسانية تتجلى رؤاها في الواقع من حيث الإسقاط لأن التيار الإنساني غير مجزأ من حيث الخير والشر. والألم موجود أينما كنا وبأي لغة تحدثنا. أما فرادة الحالة فتعود إلى الأسلوب والطريقة التي تعالج بها هذه الحالة الفردية، منطلقين منها نحو الحالة الإنسانية عامة.
وعن استخدامه الواضح عناصر الدراما والحوار المسرحي في القصص التي يكتبها يجيب نصّار أن هذين العنصرين من أهم عناصر التشويق في القصة ليكونا فضاء دلالياً مفتوحاً، إذ إن التركيز والترميز والتكثيف أدوات لتحريك العقل للتأمل. أما التصوير بشكل فني فيشي بثقافة عميقة متجذرة في حقل الإبداع ليصبح الحدث حالة استنباطية تخيلية مباغتة للقارئ ولا يؤثر ذلك أنها تكون مفرودة على مساحة القصة، لا مركزة في جزئية منها، لأنها ليست لغة سرد روائي إنما لغة وصف وشاعرية.
وعن ميله إلى استخدام شخوص المعاني في قصصه على حساب شخوص الصور، يشير إلى أن شخوصه يرتكبون أفعالاً تدلّ على معانٍ. لذلك يتجه بشكل مباشر إلى المعنى ويستحضره عن قصد ثم يقوم القارئ بعملية إسقاط على الواقع محركاً ذهنه. لافتاً إلى صعوبة معالجة حوادث وأمور واقعية في قضايا فلسفية كبرى لأنها تعطي كينونة جمالية ببعد تأملي مفتوح وهذا برأيه يخدم القصة القصيرة بتطورها وإبداعها.
يشار إلى أن الناقد والقاصّ أحمد صالح نصار عضو اتحاد كتّاب فلسطين/جمعية القصة وأمين سر ملتقى الحسينية الثقافي وعضو مؤسّس في «ملتقى السيدة زينب الثقافي»، وصدرت له مجموعتان قصصيتان هما «الفقر وأنا» و«الموسم القادم» ويكتب في عدد من الصحف الفلسطينية والعربية، وأقام عدداً من القراءات النقدية لأعمال قصصية وروائية وشعرية.