خيارات السعودية في مواجهة زلزال الاتفاق النووي الإيراني

العميد د. أمين محمد حطيط

قد تكون من المرات النادرة أن تشعر السعودية بالحاجة للغضب وللتمرد على قرار أميركي له انعكاس وتداعيات مباشرة عليها، فالسعودية التي تعتبر جرماً يدور في الفلك الأميركي ويعتبر من يمارس السلطة فيها جزءاً من منظومة حراس المصالح الغربية عامة والأميركية خاصة، السعودية هذه بحكم طبيعة نظامها الوظيفي في خدمة المشروع الغربي في المنطقة لا تملك أصلاً حق مناقشة السياسة الأميركية في المنطقة وأقصى ما يمكنها فعله إذا أجيز لها ذلك هو الاستفسار عن فحوى قرار اتخذ ليس أكثر.

لكن هذه المرة وفي مناسبة الاتفاق النووي الإيراني الدولي، شعرت السعودية بأن هناك وضعاً استثنائياً يحملها على التصرف المنفرد لحماية مصالحها حتى ولو كان في التصرف تعكير لجو الانفراج الدولي الذي أعقب الاتفاق أو كان فيه إزعاج لمتبوعها أميركا التي قررت أبرام هذا الاتفاق، ومرد هذا الاستثناء برأينا عائد إلى أسباب ثلاثة:

أولها يتصل مباشرة بالمدلول السياسي الاستراتيجي للاتفاق والاعتراف الدولي بإيران القوية وانعكاسه على صورة الدولة السعودية بالمقارنة مع الدولة الإيرانية وللتوضيح نقول إن السعودية التي تطرح نفسها قائدة للعالم الإسلامي والتي أنشأت أو رعت وتستمر في الهيمنة على أكثر من منظمة إقليمية أو دولية لتثبيت هذه القيادة، تجد نفسها أمام دولة إسلامية يعترف العالم بها وبقوتها ما يجعلها خاسرة بنتيجة المقارنة بين دولة تمنع المرأة من قيادة السيارة ولم تحقق على الصعيد العلمي أو التقني الحضاري شيئاً تنافس به أحداً من دول العالم الصناعية الكبرى على رغم ما تملك من ثروات وما تمسك به وتمارس من نفوذ، وبقيت حتى اللحظة دولة استهلاكية ثقيلة الحركة تغرق في تبعية قاتلة ترهنها كلياً للغرب. بينما ظهرت إيران وباعتراف دولي بأنها دولة متقدمة حضارية تنافس الدول الكبرى في أخطر وأهم مواضيع العلم والتصنيع والتقنية علم الذرة والتقنية النووية.

ثانيها يتصل بالمقارنة بين نظام الإسلام السياسي الوهابي التكفيري الذي تقوده السعودية ونظام الإسلام السياسي الوحدوي الجامع الذي تقوده إيران، حيث أن الأول أبقى الشعوب مكبلة متخلفة وأخرج المنظمات التكفيرية الإرهابية من «القاعدة» و»داعش» و»النصرة» إلى آخر سلسلة البنات والأبناء الإرهابيين لتنظيم القاعدة التي قامت بإحراق المنطقة وقتل شعوبها أو تشتيتهم في أربع أصقاع الأرض، بينما أنتج الثاني ورعى تنظيمات مقاومة حررت وصمدت في مواجهة الاستعمار ألاحتلالي وتستمر في التصدي لأي مشروع أجنبي يرمي إلى مصادرة قرار المنطقة وثرواتها، ثم يأتي الاتفاق النووي ليحرر إيران من العقوبات والعزلة والحصار ويمدها بمصادر القوة المالية وغير المالية ما يجعلها قادرة على رفع مستوى مساعدتها للمقاومة بكل فصائلها وتنظيماتها خدمة للمشروع الاستقلالي السيادي وهذا أيضاً يؤدي بنتيجة المقارنة إلى فضح السعودية ويفضح نهجها ونظامها.

أما الثالث فيتصل بالفضاء الاستراتيجي المرتقب توسعه وتمدده لمصلحة إيران وانحساره وتقلصه ضد مصلحة السعودية التي باتت في شكل جدي تخشى سقوطها عن عرش العالم الإسلامي، وإبعادها عن كرسي التحكم بقرار العالم العربي بعد انكشاف عجزها في المواجهة وافتضاح دورها في رعاية الإرهاب الذي يعمل لتدمير وإحراق بلاد العرب، في الوقت الذي تتصدى إيران للإرهاب وتقدم المساعدات للشعوب المستهدفة في العراق وسورية واليمن، فضلاً عن دعمها للمقاومة في لبنان وفلسطين وتأييدها لمطالب شعب البحرين. وبما أن منطق الأمور وسنّة التاريخ يقودان إلى انتظار انتصار تلك الشعوب في مواجهة من يظلمها ومن يعتدي عليها، فإن السعودية ستجد نفسها مع الطرف المرتقب خسارته بخلاف إيران التي ستكون من دون شك مع الطرف الذي سيربح المواجهة، ثم جاء الاتفاق النووي ليعزز هذا الكسب الاستراتيجي لإيران ويثبت لها فضاءً استراتيجياً واسعاً.

لقد استبقت السعودية التوقيع وذهبت للعدوان على اليمن وظنت أنها ستحقق هناك من الإنجازات ما يظهر قوتها وحزمها، ولكن جاءت النتيجة خلافاً لما أرادت حيث غرقت في مستنقع اليمن وفي رماله المتحركة وظهر عجزها العسكري ففاقم مأزقها، ثم جاء الاتفاق النووي الإيراني الدولي في لحظة تاريخية قاتلة للسعودية، وراكم خسائرها الاستراتيجية حيث شعرت السعودية بالعجز المتعدد العناوين والاتجاهات عجز في الميدان اليمني، عجز في الميدان السوري والعراقي، عجز في الأروقة السياسية والدبلوماسية عجز أدى إلى اختلال التوازن الاستراتيجي في المنطقة لغير مصلحة السعودية ما وضعها أمام الخيارات الصعبة، فما هي هذا الخيارات التي يمكنها ولوج دروبها؟

إننا نرى أن السعودية وفي اللحظة الراهنة أمام خيارين رئيسين لا ثالث لهما، على رغم أن لكل خيار منهما أكثر من تفريع وتفصيل خاص ضمن العنوان الرئيسي العام. وهذان الخياران هما المسار الواقعي السلمي، أو الخيار الانتحاري اللاواقعي الذي تتحكم به الأوهام.

ففي الأول تستطيع السعودية أن تتقبل الواقع لتتجاوز مأزقها وتعمل على وقف الانهيار في مواقعها الاستراتيجية، وتلاقي اليد الإيرانية الممدودة لها ولدول الخليج، وتتوقف عن اعتبار النصر الإيراني هزيمة سعودية وتعتبر أن نجاح إيران في مسارها النووي وتالياً مواجهتها للغرب إنما هو نجاح إسلامي وإقليمي يستفيد منه كل من في المنطقة من دول وشعوب والسعودية منهم، وهنا قد يكون هذا الفهم مدخلاً لحل مشاكل كثيرة في المنطقة ومساهمة في علاج أزماتها بدءاً من اليمن حيث تغرق السعودية الآن مروراً بالبحرين حيث تتخبط السعودية في مواجهة الشعب البحريني وصولاً إلى العراق وسورية حيث لا أمل للسعودية بتحقيق أي نجاح أو نصر أو حتى المحافظة على مواقعها السابقة هناك.

أما الثاني فيكون بالاستمرار بالمكابرة والعناد والإصرار على المواجهة والصدام بكل أشكاله العسكرية كما تفعل السعودية في اليمن أو السياسية والاقتصادية كما فعلت وتفعل في أكثر من ميدان. فإذا أصرت السعودية على هذا المسار وهي كما يبدو تجنح حتى الآن إليه -فإننا نرى أن أملها بتحقيق إنجاز يخرجها من مأزقها يكاد يكون صفراً لأكثر من اعتبار ويكفي أن نذكر السعودية بانهيار كل مخططاتها في سورية وفشلها الذريع في تحقيق أي من أهدافها هناك كما نلفت إلى عجزها العسكري في اليمن.

فالسعودية إذن بعد الاتفاق النووي أمام خيارين أما التعقلن والواقعية ووضع حد للانهيار الاستراتيجي الذي يصيبها الآن والعمل بسياسة تحديد الخسائر، أو المكابرة ومجافاة الواقع وعندها ستساهم بيدها في تسريع ضمور فضائها الاستراتيجي وانحساره في مرحلة أولى ثم انهيارها الذي لن يتوقف عند الحدود التي رسمتها مملكة عبد العزيز بن سعود لنفسها منذ نيف وثمانية عقود والعاقل من يتبصر ويتدبر قبل فوات الأوان.

أستاذ في كليات الحقوق اللبنانية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى