من فرنسا أعلنها المشنوق: حزب الله شريكنا

روزانا رمّال

يبدو أنّ فرنسا ما بعد الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب ليست فرنسا التي كانت ما قبلها تجاه لبنان، فهي التي غابت عن همومه ومشاكله لسنوات قاربت عمر الأزمة السورية، تعود اليوم من الباب العريض الى المشهد اللبناني، وهي التي لم ترغب في الأشهر الماضية إظهار اي رغبة في التدخل في حلول للاستحقاقات الرئاسية اللبنانية، خصوصاً المسيحية منها، والمقصود الملف رئاسة الجمهورية.

ربما السبب الأكثر وضوحاً الذي منع الفرنسيين من أيّ تحرك هو إدراك انّ الملف الرئاسي اللبناني هذه المرة بالذات مرتبط بالوضع الإقليمي مباشرة، لتداخل مصير سورية ومشاركة حزب الله وحليفتهما ايران في مجمل الملفات المصيرية، حيث بات الملف الرئاسي اللبناني بعكس يوم تمّ الاتفاق على تسوية الدوحة، ملفاً مرتبطاً بتسويات المنطقة، بعدما كان ملفاً مرتبطاً بالتدخلات الخارجية او مواطن النفوذ كما كان عام 2008.

الرغبة الفرنسية اليوم بالتدخل لحلّ أزمة الرئاسة اللبنانية وتوجه السلطات الفرنسية نحو طهران تؤكد انّ حزب الله هو الطرف الحاسم في الرئاسة اللبنانية، وأنّ إيران القادرة على لعب دور هامّ في إطاره تستفيد ايضاً من كونه ملفاً يُحسب من بين أوراقها القوية في المنطقة، اعترفت بذلك ام لم تعترف، ففي لبنان أهمّ الحلفاء الاستراتيجيين، وهو حزب الله الذي لن يقبل هذه المرة اي تسوية لا تحفظ الدماء التي بذلها على الأرض السورية دفاعاً عن لبنان ومحور المقاومة كتحصيل حاصل في نظره.

وفي هذا الإطار كشفت معلومات صحافية سعودية منذ أيام، ونقلاً عن مصدر فرنسي مطلع، أنّ الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند كلف وزير خارجيته لوران فابيوس، البحث مع السلطات الإيرانية في الملف الرئاسي اللبناني وبذل جهود لإنهاء الشغور في الرئاسة اللبنانية، وذلك خلال زيارته المرتقبة إلى طهران والتي تبدأ يوم غد السبت.

وكانت الرئاسة الفرنسية قد أعلنت امس انّ الرئيس فرنسوا هولاند أجرى محادثات مع نظيره الإيراني حسن روحاني بشأن «شروط تطبيق» الاتفاق حول البرنامج النووي لطهران وتبادلا التهاني بالاتفاق واتفقا على تعزيز التعاون الثنائي في هذه الأجواء الجديدة.

الوزير نهاد المشنوق من جهته زار فرنسا على رأس وفد أمنيّ رفيع المستوى، والتقى خلال الزيارة نظيره الفرنسي ورؤساء أجهزة أمنية فرنسية ومسؤولي قطاعات أمنية شرق أوسطية مؤكداً من باريس على أهمية انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية كأولوية من أجل انتظام المؤسسات الدستورية فيه.

ولكن يبدو أنّ التعاون الأمني الذي تتيحه وزارة الداخلية اللبنانية مع داخليات الجوار وأوروبا، أو تحديداً الدول التي تواجه مخاطر الإرهاب كفرنسا، وهي دول مؤثرة لارتباطها بحلفاء غربيين وعرب بالشأن اللبناني ستفتح على الوزير المشنوق فرصاً وأبواباً تجعل منه شريكاً في صناعة المشهد السياسي اللبناني المقبل بشكل هامّ.

ارتباط الوزير نهاد المشنوق وعلاقته الجيدة نوعاً ما بالمسؤلين في حزب الله، وهو الحزب الذي يعرف الغرب انه يقاتل الإرهاب، وله باع طويل في هذا الأمر، هو القطبة المخفية في الاهتمام الفرنسي بالوزير المشنوق الذي يبدو أنّ الفرنسيين يراهنون على ما تتيحه له وزارة الداخلية من موقع مقرّب من جميع الأفرقاء اللبنانيين، وأبرزهم حزب الله في موضوع مكافحة الإرهاب، ليلعب دوراً يبدو أنّ فرنسا تراهن عليه مستقبلاً بعد مسارعتها لتكون أول الزائرين لطهران والطامعين بعلاقات جيدة معها، على الرغم من انّ الأيام السابقة تشير الى انّ فرنسا كانت رأس حربة الخلاف مع الإيرانيين، والأكثر قرباً من «إسرائيل»، وقد عارضت بعض نقاط الاتفاق وجلساته المتقدّمة حتى الاستماتة دفاعاً منها تارة عن حليفتها «إسرائيل» بشكل أساس وطوراً عن حليفتها العربية الأهمّ المملكة العربية السعودية.

خلال طرح الوزير مشنوق طرق هامة كمقترح على المسؤولين الأمنيين الفرنسيين بخصوص لبنان لمواجهة الإرهاب تتمثل بثلاث نقاط أولها تأمين الاستقرار السياسي ومن خلال حماية الحكومة الحالية وتعزيزها وتشجيع الحوار بين القوى السياسية وتعزيز قدرات الداخلية اللبنانية ومواجهة الخطابات التكفيرية بخطابات دينية شجاعة، لفتت إشارة المشنوق من فرنسا «أنّ حزب الله هو خصم سياسي وشريك في الوطن».

المشنوق الذي تحلى بشجاعة واضحة ليقول هذا أمام أمنيّي فرنسا ويسمع صوته الى الداخل اللبناني، يعرف تماماً انّ صوته المختلف عن أصوات زملائه الوزراء وبينهم مطلقو مواقف معادية وفظة ضدّ حزب الله، هو صوت من نوع آخر في تيار المستقبل، ويبدو أنه يؤسس لخصوصية واضحة تجعل منه رقماً صعباً في اللعبة الإقليمية، وهو يستسيغ فكرة البروز والنجاح فيها ليخرج من الحزبية الى الحيثية السياسية القادرة على إيصاله شعبياً وسياسياً إلى ما هو أبعد من وزارة او حقيبة… بل ربما إلى رئاسة الحكومة، فهل يفتح ملف مكافحة الإرهاب في العالم طريق التواصل بين حزب الله والفرنسيين مستقبلاً بمباركة إيرانية ومساعي «مشنوقية» بكلّ ما يعني الأمن الفرنسي المهدّد على البحر المتوسط، والذي يبدو انه أعاد التأكيد على اهمية دور لبنان وأمنه كملف يندرج ضمن الأمن القومي او الاستراتيجي الفرنسي؟

من فرنسا يعلنها المشنوق… حزب الله شريكنا!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى