ماذا بعد إقرار الغرب بإيران دولة نووية؟

إبراهيم ياسين

شكل الاتفاق النووي الإيراني تحوّلاً كبيراً في مسار العلاقات الدولية والإقليمية، ذلك أنّ إقرار الغرب، وفي مقدمته الولايات المتحدة الأميركية بحقّ إيران في امتلاك برنامج نووي سلمي والتسليم باستقلالها السياسي والاقتصادي، يُعتبر انتصاراً لنهج إيران التنموي المستقلّ وهزيمة للسياسات الغربية الاستعمارية التي حاولت إخضاع إيران على مدى العقود الماضية من خلال سياسة العقوبات والحصار والتلويح باستعمال القوة، لكنها فشلت واضطرت في نهاية المطاف إلى الإقرار بهذا الفشل وعقد تسوية مع الجمهورية الإسلامية.

ومن الواضح أنّ الدول الغربية ما كانت لتقبل بمثل هذه التسوية لو صمود إيران، قيادة و شعباً، وتمكنها من مواصلة تطوير برنامجها النووي وقدراتها الدفاعية فى ظلّ الحصار وهو ما وضع الغرب أمام خيارات صعبة تمثلت بما يلي:

– شنّ الحرب على إيران، كما يطالب العدو الصهيوني، لتدمير برنامجها النووي، غير أنّ مثل هذا الخيار ستكون له عواقب خطيرة على المصالح الأميركية في المنطقة وعلى أمن الكيان الصهيوني، بسبب ما تمتلكه إيران من قدرات عسكرية وتحالفاتها مع محور المقاومة في حين أنّ مثل هذا الخيار العسكري لن يؤدي إلى تدمير البرنامج النووي الإيراني بالكامل، إنما إلى تأخيره وعرقلة تطوره لفترة من الزمن.

– مواصلة نهج العقوبات، لكنّ هذا النهج لن يمنع إيران من الاستمرار في تطوير برنامجها النووي وصولاً إلى امتلاك القدرة على إنتاج القنبلة النووية، بمعنى «العتبة النووية». في حين أنّ أميركا لم تعد قادرة على استصدار قرارات جديدة في مجلس ا من الدولي لفرض مزيد من العقوبات بسبب رفض الصين وروسيا لها والذي يعزّزه احتدام الصراع الروسي ـ الغربي في أكثر من ساحة دولية.

– القبول بعقد تسوية مع إيران يجري فيها الإقرار بحقها في امتلاك البرنامج النووي السلمي وتخصيب اليورانيوم بنسبة 3.5 في المئة، مقابل موافقة إيران على تأمين الضمانات الدولية بسلمية برنامجها النووي وعدم السعي إلى تطويره لإنتاج أسلحة نووية، وهو ما أعلنت إيران عدم نيتها با قدام عليه إلى حدّ تحريمه.

أمام هذه الخيارات الثلاثة وجدت أميركا أنّ الخيار الثالث هو الأقلّ كلفة وضرراً بالنسبة إليها، وانطلاقاً من رؤيتها البراغماتية وجدت في هذا الخيار الفرصة المتاحة أمامها لتحقيق مصالحها الاقتصادية عبر إجراء مقايضة مع إيران تقرّ بموجبها بحقّ إيران في امتلاك البرنامج النووي السلمي، مقابل فتح السوق الإيرانية أمام الشركات الأميركية والغربية للاستثمار حيث تتمتع إيران بثروات هائلة تشكل إغراء كبيراً للدول الرأسمالية الغربية التي تعاني من الأزمات الاقتصادية والمالية، وتجد في السوق الإيرانية فرصة للاستثمار وتخفيفاً من حدة أزماتها.

ولأنّ الاتفاق انطلق من هذه الحسابات البراغماتية الأميركية الغربية، فإنّ قدرة المتضرّرين منه على تعطيله ضعيفة. فدولة العدو الصهيوني والسعودية اللتين عبرتا عن انزعاجهما من الاتفاق وعملتا على عرقلته، لا يمكنهما منع تنفيذه ولو صوّت الكونغرس ا ميركي ضدّه، وذلك لسببين: الأول أنّ الاتفاق أصبح نافذاً، بمجرد موافقة مجلس الأمن الدولي عليه، لناحية رفع العقوبات الدولية عن إيران، وبذلك لم يعد في إمكان الدول الغربية العدول عنه في ظلّ التعدّدية الدولية الجديدة التي تحول دون استصدار قرار جديد في مجلس الأمن ضدّ إيران طالما أنّ الأخيرة تلتزم بتنفيذ الاتفاق.

أما السبب الثاني، فهو أنّ الرئيس الأميركي سيستخدم صلاحيته في نقض قرار الكونغرس والعمل على السير في تنفيذ الاتفاق لأنّ البديل سيكون خسارة الشركات الأميركية وحدها فرصة الاستثمار في إيران بعد أن أقرّ مجلس الأمن الدولي الاتفاق، وما يعنيه من رفع للعقوبات الدولية التي كانت قد فُرضت على إيران.

من الواضح أنّ إيران ستكون هي المستفيد الأكبر من هذا الاتفاق لما سيعنيه، ليس فقط من انتزاع حقها في إنتاج الطاقة النووية وقدراتها الذاتية والمحافظة على بنية منشآتها النووية وتطوير قدراتها بعد انتهاء تنفيذ الاتفاق، وإنما أيضاً لناحية المكاسب المالية والاقتصادية التي ستجنيها الجمهورية الإسلامية من ناحية رفع العقوبات عنها وإعادة تصدير نفطها وغازها واستعادة أموالها المجمّدة في البنوك الأجنبية، واستطراداً، تحسين مستوى معيشة الشعب الإيراني من خلال تأمين فرص عمل لآلاف الإيرانيين ورفع القدرة الشرائية للعملة الإيرانية، ما سيؤدي إلى تعزيز الصناعة الإيرانية على الصعد كافة، الاقتصادية والعسكرية، وبالتالي سيزيد من قدرات إيران ويقوّي دورها الإقليمي والدولي.

فإيران التي كانت على مدى عقود الحصار تواصل دعم حلفائها في محور المقاومة، ستصبح في ظلّ تنامي قدراتها بعد رفع العقوبات، أكثر قدرة على دعمهم، ما يخلق بيئة جديدة في المنطقة تعزّز قوى المقاومة وتخلّ بالموازين لمصلحتها في مواجهة الاحتلال الصهيوني وقوى الإرهاب التكفيري والهيمنة الاستعمارية التي مُنيت بفشل كبير في سعيها إلى تعويم مشروع سيطرتها في المنطقة بعد التسليم بإيران دولة نووية.

كاتب وناشط سياسي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى