على هامش مؤتمر الإعلام والإرهاب

ناصر قنديل

– التظاهرة الإعلامية التي شهدتها دمشق بحدّ ذاتها حدث يستحق أن يُقام لذاته وبذاته في هذه المرحلة من الحرب التي تخوضها دمشق وحلفاؤها ببراعة وثقة واقتدار في وجه حلف الحرب التي أريدَ لها أن تسقط عاصمة المقاومة. وها هم من حولها أهل الحرب يتفككون وتذهب ريحهم. فيكفي ما نشهده على الجبهة التركية التي كانت نصف الحرب وحدها، ورهان النصف الثاني من الحرب، ويكفي أن نسمع وزير الخارجية السوري وليد المعلم وهو يجدّد كلامه عن وصف التلاقي مع السعودية في حلف ضدّ الإرهاب بالمعجزة على المدى القريب، لكنه يبقي لها فرضية التحقق على المدى المتوسط في ضوء مفاعيل تنامي التهديد المتصاعد للإرهاب والمتغيّرات الدولية التي أطلقها التفاهم على الملف النووي الإيراني. ويكفي أننا نشهد في الميدان مصير الجماعات الإرهابية وتفوّق الجيش السوري وقوى المقاومة قبل أن تبدأ بشائر إغلاق الحدود ووقف مصادر التمويل والتسليح والتدفق البشري.

– أن يلتقي في دمشق هذا الحشد من كلّ أنحاء العالم، شهادة لمكانة سورية المحورية في تغيير وجهة الحرب مع الإرهاب. حدث سياسي وإعلامي يتحدّث عن نفسه، عن ثبات سورية وصمودها، عما يشهده الوافدون إليها من صورة مغايرة لما سمعوا وتوهّموا أنهم ملاقون فيها، وعما سيقولونه ويقولونه اليوم بدهشة وذهول عن نصرها اليقيني الآتي، وعن كونها الوصفة التي لا غنى عنها في حرب العالم الحتمية على الإرهاب، وصفة الجيش العقائدي والدولة المدنية وحضارة المواطنة. حدث هو هذا المؤتمر بما فيه من مواقف وتنوّع وما سيليه وما رافقه ويرافقه من حضور إعلامي لشهادات وقراءات في كفّ الأحداث التي تشكل سورية فيها ميزان العالم للحرب على الإرهاب. ففي سورية فقط احتشد العالم لنصرة الإرهاب وكان النصر لسورية، وفي سورية وحدها وصفة النصر ليست عسكرية بل هي الإنسان، الذي يشكل محور الحرب الإعلامية وموضوعها وهدفها، وهي الوصفة السورية لكيف تخاض حرب إعلامية على الإرهاب.

– مقترحات قيمة تقدّم بها مشاركون وتضمّنتها أوراق عمل، كالدعوة إلى فضائية سورية ناطقة باللغات الأجنبية تقدّم بها خبراء إعلاميون، أو الدعوة إلى وكالة أنباء عالمية لمحور المقاومة دعت إليها المستشارة الإعلامية للرئيس السوري الدكتورة بثينة شعبان، أو التحقق من مصطلحات ومفردات في حرب تدور على اللاوعي وما تصيغه فيه المصطلحات والمفردات، أو ما تضمّنته ورقة رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي من دعوة إلى جبهة شعبية إعلامية لمقاومة الإرهاب. إلا أنّ الأهمّ يبقى هو الحدث بذاته ولذاته كمفردة قتالية في هذه الحرب، وللسائلين عن كيف يكون لنا إعلام حرب على الإرهاب، يأتي الجواب أنّ تنظيم مثل هذه الفعاليات في أكثر من مكان وزمان بذاته آلة حرب إعلامية على الإرهاب، مؤتمر كهذا في باريس وبيروت والقاهرة وتونس وموسكو ولندن ووصولاً إلى قبة الأمم المتحدة في نيويورك، ومع كلّ جولة نقل لنموذج سورية ومصادر قوته وتفوّقه في الحرب، ومحور الحرب والتفوّق فيها واحد وهو الإنسان.

– هل نحن منتصرون أم مهزومون في الحرب الإعلامية مع الإرهاب، الذي صنعته وترعاه قوى ودول تضع لخدمته كلّ مخرجات العلوم من علم النفس والاجتماع إلى علوم الحرب الإعلامية وصولاً لكلّ ثورات التكنولوجيا وكيفية توظيفها. يبقى السؤال الذي انطلقت معظم المداخلات من الجواب عليه بالتسليم بالهزيمة محاولة البحث عن وصفة لحرب إعلامية يكتب لها النصر، وهذا ما لا يتفق مع الحقيقة وواقع الحال، لأنّ أصل النقاش يجب أن يكون وضع معايير ما نعنيه بالنصر والهزيمة، من جهة، وحدود النصر المرتجى راهناً، وآفاقه مستقبلاً، من جهة أخرى. فالقياس الواقعي والمشروع يستدعي المقارنة بالنصر العسكري المحقق على الإرهاب والتساؤل هل نصرنا الإعلامي يوازيه، والتساؤل قياساً بنصر حلف المقاومة في حرب تموز عسكرياً، ما إذا كانت حربنا الإعلامية على الإرهاب تحقق نصراً يوازيها؟ أما التساؤل عن شروط النصر البائن، فلا يمكن أن تكون إعلامية فقط بل يجب أن تكون شاملة، أي كيف نوفر شروط الانتقال من النصر السلبي القائم على منع العدو من تحقيق أهدافه باعتباره نصراً، إلى النصر البائن بتحقيق أهدافنا؟ هذا ما لا يزال هدفاً بعيد المنال في السياسة كما في المواجهة العسكرية كما في الإعلام بالتأكيد. ولا يعيش على هذا الكوكب من لا يدرك أنّ زمام المبادرة الإعلامي تقنياً وسياسياً وخططاً وإدارة لا يزال بيد معسكر الخصم. والقصد هنا التفريق بين الجواب عن سؤال، هل نحن راضون عن أداء إعلام حلف المقاومة؟ والجواب بالتأكيد هو بالنفي، وبين هل نحن ننتصر على الإرهاب وحربه الإعلامية؟ والجواب هو نعم ونعم مدوية وصارخة.

– بالقياس إلى النصر الذي حققه حلف المقاومة في الملف النووي الإيراني وهو أهمّ نصر سياسي، والنصر المحقق في حرب تموز وهو أهمّ نصر عسكري، فإنّ المحقق سياسياً وعسكرياً هو نصر سلبي يقوم على منع العدو من تحقيق أهدافه. فقيمة التفاهم على الملف النووي الإيراني أنه منع العدو من إيقاف البرنامج النووي من جهة، وانتزع شرعيته من دون المساس بثوابت إيران السياسية والمبدئية من جهة مقابلة، لكنه ليس نصراً يعيد صياغة العالم أو المنطقة على الأقلّ وفقاً لأجندة حلف المقاومة. وكذلك في حرب تموز، فالنصر العسكري هو بمنع سحق المقاومة ومنع مقايضة بقائها بنزع سلاحها أو قضيتها، ولكنه ليس النصر بتحرير أجزاء من فلسطين، أو بدء تفكيك جيش الاحتلال ومنظومات الهيمنة التي يستند إليها، وبالقياس يصير السؤال عن الحرب على الإرهاب وهي حرب ساحتها الرئيسية الإعلام، كميدان لحرب العقول والقلوب والحرب على العقول والقلوب، وساحتها الجغرافية سورية كبديل للعجز عن المكاسرة عسكرياً معها. وهدفت الحرب منذ بدايتها إلى تشويش فهم السوريين ونظرتهم، لهويتهم ودولتهم وجيشهم ورئيسهم وموقعهم من الخيارات الرئيسية في المنطقة ورسم محدّدات جديدة لاختيارها. فهل نجحت هذه الحرب وحققت ما تريد، وهل يقول مسارها إنها تحقق التقدّم تلو التقدّم؟

– الأكيد أنّ الذهول الذي أصاب السوريين بغالبية وازنة في بداية هذه الحرب الإعلامية أساساً، فصدق الكثيرون منهم ما قالته قناة «الجزيرة» من أنه ثورة، قد حسمته بالاتجاه المعاكس مشاهد السوريين وهم يقترعون لرئيسهم بطوفان بشري في بلد كلبنان، والأكيد أنّ الانتصارات العسكرية التي يحققها الجيش السوري والمقاومة، والمفاوضات التي يجريها مسلحو التنظيمات الإرهابية لتسوية أوضاعهم، مقابل الموجة العكسية التي شهدتها سورية في بدايات تأثير الحرب الإعلامية حيث كانت الانشقاقات والتسرّب للخروج من القوى المسلحة، دلائل على أنّ كتلة بشرية وازنة من السوريين تكفي لتعديل التوازن وتبديل الاتجاه فشلت الحرب في اختراق عقولها وقلوبها، فشلاً يشبه الفشل العسكري في حرب تموز. والتعمّق في قراءة أدواتنا العملاقة في ربح هذه الحرب سيوصلنا إلى معادلة مذهلة وهي انتصار الفطرة البشرية على الأيديولوجيات والعقائد حتى ما يلبس لبوس الدين منها، فيكفي أننا منحازون للفطرة البشرية وقاومنا الانجرار إلى التوحش رداً على التوحش والهمجية لينتصر نموذجنا وتنتصر معه حربنا الإعلامية. وعلى ضفة لا تقلّ إبهاراً، ننتصر برموز قادتنا التي فشلت حروب الأعداء في شيطنتها وفشلت في المقابل بصناعة رموز تملك في الضفة المقابلة بعضاً من مهابتها، ويكفي أن يكون بيننا قائدان كالرئيس بشار الأسد والسيد حسن نصرالله كي يقارن العدو والصديق ويتعرّف على مصادر قوتنا، فالمهابة المستندة إلى الأهلية وليس إلى الصناعة الإعلامية تنتصر وبقوة في العقول والقلوب، وهي ورقتنا الرابحة في الحرب الإعلامية على الإرهاب. أين البغدادي والجولاني والظواهري من قامة سيد المقاومة؟ وأين منصور هادي من الرئيس الأسد؟ إنّ ألف حرب إعلامية لن تجعل تهديداً صادراً عن الظواهري والبغدادي والجولاني معاً لـ«الإسرائيليين» بالنزول إلى الملاجئ يعادل حركة من سبابة سيد المقاومة وهو يقول لهم أحذركم، وإنّ ألف فضائية لن تنجح في منح الرئيس اليمني الذي يخوضون ألف حرب لتثبيته يملك بعضاً من أهلية وشرعية الرئيس بشار الأسد.

– التطلع لتكون لنا حرب تنتصر بصياغة العقول والقلوب لحساب مشروع محور المقاومة هو تطلع واجب ومشروع، في السياسة والعسكر والإعلام ولا يكون في إحداها من دون أن يكون في سواها، لكنه ليس موضوع البحث، لكننا يجب أن نعترف بأنّ لنا حق التطلع لأن يكون لدينا الرضا عن أداء إعلامنا بما يعادل رضانا عن أدائنا العسكري والسياسي. وهذا شأن منفصل عن تقييم نجاحنا أو فشلنا في الحرب الإعلامية، فلنا الحق بإعلام جذاب بلا رتابة، رشيق متابع، يشكل مصدر معرفتنا الأول لما يدور في الميدان والسياسة، لا يرى انفصاماً بين الدفاع عن الحق وقول الحقيقة ولو كانت جارحة. فخسارة موقع في الحرب لا تعيب، والإعلام عنها لا يسقط المعنويات، بل يمنع العدو من امتلاك فضول ناسنا للمعرفة، عندما نتلكأ عن قول الوقائع وبالسرعة القصوى، وفتح قنواتنا لنقد جريء يعبّر عن لسان حال الناس في قضايا الحياة اليومية، فلا تصير الحكومات ويصير الوزراء والمدراء جزءاً من الأمن القومي الممنوع المساس به، بل تبقى المهابة للرموز وحدها فقط. هذه تطلعات مشروعة نطلبها من إعلامنا، ومثلها طلبات كثيرة متواضعة تجعل إعلام محور المقاومة إعلام حياة وتجعله أشدّ التصاقاً بالناس وتطلباتهم وهمومهم، فتصير رسالته التي انتصرت أشدّ وصولاً وانتشاراً وتأثيراً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى