اتصالات سرية لإعادة العلاقات الدبلوماسية مع سورية
ناديا شحادة
عودة العلاقات الدبلوماسية التونسية السورية كانت الحدث الأهم الذي ميز الساحة الإعلامية العربية، بعدما أعلنت تونس في 24 من تموز الجاري عبر وزارة خارجيتها عودة العلاقات الدبلوماسية بين تونس وسورية مشيرة إلى تعيين قنصل عام في دمشق بعد قطيعة دامت ثلاث سنوات، حيث شهدت العلاقات الدبلوماسية السورية التونسية منعطفاً خطيراً بعد اندلاع الثورة في تونس، فمع وصول حركة النهضة الإخوانية الحليف القوي لحكومة قطر وتركيا إلى سدة الحكم في البلاد، كان أول قرارات حكومة الترويكا قطع العلاقات الثنائية التاريخية بين تونس وسورية وسحب السفير التونسي من دمشق ودعوته إلى مغادرة البلاد، وبذلك تكون السياسة الخارجية التونسية قد خرجت عن أهم تقاليدها بالتزام الحياد تجاه علاقاتها مع محيطها العربي الذي كرسه الراحل الحبيب بورقيبة، وهذا ما أكده الرئيس الباجي قائد السبسي عندما صرح قائلاً أن الرئيس السابق المرزوقي حاد عن سياسة الحياد الإيجابية التي كرسها الرئيس الراحل بورقيبة.
قرار قطع العلاقات الدبلوماسية مع سورية، كان هدفه الأول التمهيد لمحاصرتها ولتمرير المخطط الصهيوأميركي بتفتيت المنطقة وإضعاف محور المقاومة باستعمال حكام بلدان ما سمي «الربيع العربي»، فبعد قرار إغلاق السفارة السورية في تونس فترة الرئيس السابق المنصف المرزوقي في 4 شباط 2012 للسفير السوري، حيث وصفت الأحزاب السياسية التونسية هذه الخطوة بالمتسرعة وبأنها خاضعة لضغوطات خارجية، قامت مصر بنفس الخطوة، إذ أعلن الرئيس المصري السابق محمد مرسي في 16 أيلول 2013 قطع العلاقات مع سورية، ولم يتوقف الأمر على تونس ومصر، بل قام العديد من دول الخليج بقطع العلاقات الدبلوماسية منها الكويت التي قامت بقطع علاقاتها مع الحكومة السورية في شباط 2012، وكذلك السعودية حيث صرح مصدر مسؤول في وزارة الخارجية في 14 آذار عام 2012 بأن المملكة قامت بإغلاق سفارتها في دمشق وسحب الدبلوماسين والعاملين فيها كافة.
ومع صمود سورية سياسياً وعسكرياً وتحقيق الانتصارات على يد الجيش السوري، انهار المشروع الإخواني وأسقطت كل الحسابات الغربية والعربية وطويت صفحة الإخوان المسلمين عربياً بعد هزيمة حركة النهضة الإخوانية في تونس وخسارتها الانتخابات البرلمانية وخسارة حليفها المرزوقي في الانتخابات الرئاسية وفوز الباجي قائد السبسي رئيس حزب نداء تونس لينتهي بذلك حكم الإخوان المسلمين في عدد من الدول العربية، فالبداية كانت من تونس ومن ثم مصر حيث لم يتحمل المصريون حكم الإخوان أكثر من عام حتى أطاحوا بهم في احتجاجات شعبية ساندهم الجيش في الثلاثين من حزيران عام 2013، كذلك الليبيون الذين عبروا عن رأيهم في انتخابات تشريعية رفضوا من خلالها الإسلاميين بقيادة الإخوان المسلمين، وبذلك يكون مشروع الإخوان في المنطقة العربية قد سقط بالضربة القاضية لمحور المقاومة عبر انتصارين حاسمين الأول صمود سورية في وجه التنظيمات الإرهابية التي كانت نواتها الأساسية من الإخوان المسلمين والثاني التفاهم حول النووي الإيراني.
لقد غيرت الحرب في سورية العالم، ويبدو أن نظرة الدول العربية إلى الأزمة السورية قد تغيرت وعلى المسرح الدولي أيضاً غيرت البلدان الأوروبية وأميركا مواقفها السابقة، في ما يتعلق بتنحي الرئيس بشار الأسد، فبعد أن اعتبرت تلك الدول أن الرئيس الأسد قوة غير شرعية وطالبت برحيله ولكن مع صعود الجماعات الإرهابية فإن الأولوية الأميركية ـ الأوروبية باتت محاربة هذه الجماعات وليس تنحي الأسد.
فصمود محور المقاومة في وجه الجماعات الإرهابية والاتفاق على النووي الإيراني أدى إلى ظهور مؤشرات تقول إن المنطقة متجهة نحو انفراجات كبيرة، في الأشهر المتبقية من رئاسة أوباما وخصوصاً في ما يتعلق بالأزمة السورية.
يؤكد المتابعون أن التغيير في النهج على المستوى الدولي تجاه الأزمة الراهنة في سورية ومع التفاهم على النووي الإيراني الذي غير المشهد الإقليمي، ومع تغير سياسة تركيا وخطة دي ميستورا ومشروع بوتين، كلها إشارات لتغييرات كبرى سنشهدها قريباً تكون نتيجتها تحويل الاتصالات السرية مع الحكومة السورية إلى إعادة العلاقات الطبيعية وبالذات بعد أن أكد نائب وزير الخارجية والمغتربين فيصل المقداد أن الحكومة السورية تتلقى الكثير من الاتصالات وهناك اعتراف واضح من قبل الكثير من الدول التي قادت الحرب على سورية بأنها أخطأت.