هل قدّم أوباما لأردوغان الضعيف ما لم يقدّمه لأردوغان القويّ؟
عامر نعيم الياس
هو تحوّل في الموقف التركي من الأزمة السورية، اجتمع الإعلام الغربي على التسليم بهذا الأمر، كما اجتمع على نعت سياسة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في سورية بأنها «فاشلة»، فبعد أربع سنوات من الإصرار على إسقاط الدولة السورية وتولي أنقرة العدالة والتنمية الدور الأساس في تأمين الدعم اللوجيستي المادي والبشري، بقي الرئيس بشار الأسد في السلطة وبات رقماً صعباً في مجمل المعادلة الدولية الرامية إلى وضع تصوّرات لحلول حول الحرب في سورية، فمصير رأس الدولة بات خاضعاً لآليات التسوية المعقدة في مراحل متأخرة من عملية التفاوض سيكون فيها الرأي الأول والأخير للشارع السوري، هنا تحديداً سلّم أردوغان بإسقاط هذا الشرط ولم تعد بالإمكان مناقشته في ظلّ تصدر «داعش» أولوية المشهد وفقاً لما تريده الولايات المتّحدة بالضبط، لكن على رغم ذلك ويقيننا بتسليم أردوغان بعضاً من أوراق قوّته إلى الرئيس الأميركي باراك أوباما، نظراً إلى عوامل ذكرناها في مقال السبت الفائت، إلا أنّ التركي لديه مشروعه الخاص في سورية، ولا يزال هذا العثماني على قناعة بقدرته على التحرّك في سورية لتحقيق مشروعه، حيث كشفت صحيفة «حرييت» أنّ الاتفاق بين الرئيسين التركي والأميركي حول انخراط تركيا في الحرب على «داعش» وفتح قاعدتي «انجرليك» و»ديار بكر» أمام طائرات التحالف أقرَّ «أولاً، إقامة منطقة آمنة بين مارع وجرابلس على الحدود التركية ، السورية بمساحة كيلومتر واحد، وعمق 40 إلى 50 كم. ثانياً، منع سيطرة التنظيمات المتشدّدة كتنظيم «داعش» و«جبهة النصرة» على تلك المنطقة. ثالثاً، تقوم طائرات التحالف الدولي أو المقاتلات التركية بفرض حظر جوي فوق المنطقة الآمنة»، وإنْ كان ما ذكرته الصحيفة التركية صحيحاً مع أنّ الصحافة الغربية لا تزال لديها شكوك حول شرط المناطق الآمنة، فإنه يمكن القول إن الرهان التركي الخاص بسورية يقوم على الآتي:
استغلال المنطقة الآمنة لإقامة دولة في شمال سورية عاصمتها مدينة حلب تمتد من مارع مروراً بجرابلس وصولاً إلى حلب.
تجميع القوات الموالية لتركيا وبطبيعة الحال لواشنطن في هذه المنطقة وبخاصة التشكيل الذي سيطرت به واشنطن وأنقرة على مدينة إدلب والمسمّى «جيش الفتح».
منع أيّ اتصال جغرافي للأكراد في شمال سورية، هنا تحضر أهمية مثلث عفرين جرابلس في الاستراتيجية التركية العسكرية في سورية.
الهدف الانتخابي حيث يراهن الرئيس «الإخواني» على قرقعة السلاح ومسائل الأمن القومي التركي في اجتذاب شريحة من الناخبين في انتخابات مبكرة من المتوقع أن تخوضها تركيا في الخريف المقبل، خصوصاً أنّ مصير الحكومة الائتلافية التركية يبدو معقداً في ضوء التنافر القائم بين الأحزاب الفائزة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة.
لكن على رغم كلّ ما سبق وعلى أهمية الهدف الانتخابي الداخلي لأردوغان للعودة إلى الحكم في تركيا أقله امتلاك القدرة على تشكل الحكومة منفرداً، يبدو ما أعلنه حول «المنطقة الآمنة» بعيد الاحتمال في ضوء التساؤلات التالية، لماذا سيضطر الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى تقديم تنازل بحجم منطقة آمنة إلى الرئيس التركي في وقت بات فيه هذا الأخير محاصراً بعد نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة؟ الاتفاق حول المنطقة الآمنة لا يلحظ وجوداً برياً للتحالف في سورية ولا للناتو، فضلاً عن أن التدخل العسكري التركي البري في سورية يحتاج إلى تفويض دولي؟ هل يستطيع الرئيس التركي التحرك بحرية في ضوء نتائج الانتخابات الأخيرة، وهل بإمكان الرأي العام والجيش في تركيا تحمّل حرب استنزاف في سورية؟ أعلنت سورية أن أي تدخل عسكري في أراضيها يعتبر عدواناً مباشراً يتوجب الرد عليه، حتى طائرات التحالف الدولي تعمل بالتنسيق مع الحكومة السورية مهما حاول الأميركيون وغيرهم إنكار ذلك، وعليه هل واشنطن التي تستطيع ضمان رسم خطوط تماس بين الأكراد والجيش التركي، قادرة على احتواء رد فعل الجيش السوري وحلفائه، هنا تحضر إيران بعد الاتفاق النووي؟
فشل أردوغان في سياسته السورية على مدى سنواتٍ أربع، وسيفشل اليوم بعد تصدّر داعش أولوية المشهدين الدولي والإقليمي، لا سبيل للخروج من المأزق إلا بالاعتراف بدور الدولة السورية ورأسها، بانتظار السيد الأميركي وقرارات التحالف.