الأسد يعلن بداية مرحلة جديدة

ناصر قنديل

– لن يكون صعباً على المستمع لكلمة الرئيس السوري بشار الأسد أن يتجاهل التعليقات التي أرفقتها بها الفضائيات ووسائل الإعلام الخليجية ولا ردود أفعال أطراف المعارضة السورية، فكلّ ذلك يزيد المتابع يقيناً بأنّ الكلمة تاريخية وتؤذن بمرحلة جديدة، ستفوت الذين تناوبوا على التعليقات. فما تمّ من تعليقات ينتمي إلى خطاب لم يقله الرئيس الأسد، وكلها تشبه تلخيص قناة «العربية» قول الأسد، عن اعتبار الحلّ السياسي الذي لا يقوم على أولوية الحرب على الإرهاب أجوف، بالقول: الأسد يعتبر أنّ الحلّ السياسي أجوف، و«العربية» ومن يموّلها يعرفان جيداً أن كلام الرئيس الأسد عن ربط الحلّ السياسي بأولوية الحرب على الإرهاب، هو ذات كلام المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا وذات كلام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ومؤخراً صار كلام الرئيس الأميركي باراك أوباما، على رغم عدم بلوغ شجاعته حدّ المجاهرة بالتسليم بدور الرئيس الأسد في هذا الحلّ.

– الكلمة نجحت برسم معالم مرحلة جديدة في المواجهة الدائرة في سورية وعليها منذ خمس سنوات، فميدانياً هي إيذان الهجوم الشامل حتى تحرير كامل الأراضي السورية التي تقع تحت سيطرة المجموعات الإرهابية بشراكة كاملة مع المقاومة، وسياسياً هي إعلان أولوية الحرب على الإرهاب كمدخل للعلاقات الدولية والإقليمية وعنوان حاكم للحلّ السياسي الداخلي، والمنطلق هو التغيير الذي دخلته المنطقة مع التفاهم حول الملف النووي الإيراني الذي يثبت الأسد قراءته المشتركة لمفاعيله مع ما قاله السيد حسن نصرالله، عن مؤشرات المزيد من القوة لحلف المقاومة، والمؤشرات هي لاتجاه نحو ملاقاة المتغيّرات من القوى الدولية والإقليمية تحت عنوان أولوية الحرب على الإرهاب كسبب يكفي لتبرير التموضع الجديد لهذه القوى التي يمنحها الرئيس الأسد الفرصة، ويضع العنوان واضحاً بلا مواقف عدائية من أحد إلا بقياس جديته في الانخراط تحت هذا العنوان.

– رسم الرئيس الأسد المشهد منطلقاً من تجاهله لأمرين يضعهما في حسابه، الأول ما قاله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن الحلف الإقليمي لمواجهة الإرهاب فرحّب بمبادرات الأصدقاء وميّز الانفتاح على المبادرات عن الوقوع في خداع الكلام المقابل للآخرين عن حلّ سياسي وهم يضيّعون بوصلة الحرب على الإرهاب، والأمر الثاني ما حدث ويحدث في تركيا، من دون أن يذكره ولا يحدّد موقفه منه، مكتفياً بالتذكير بكلام سابق وجهه الرئيس الأسد نفسه لكلّ الذين يراهنون على الإرهاب لضرب سورية، محذراً من أنهم سيشربون كأس السمّ الذي يعدّونه لسورية، وها هي الأحداث تتكفل بتقديم الجواب.

– في تفاصيل الحلّ السياسي لم يتحدّث الرئيس الأسد، لأنّ الشريك المقابل القادر على تقديم إضافة حقيقية في الخلاص من الحرب غير موجود، وكلّ البحث الداخلي في التفاصيل المتصلة بالدستور والحكومة ترف سياسي ليس وقته الآن، ومرسوم العفو عن المتخلفين عن الخدمة العسكرية وما يوفره من فرص لتزخيم قدرات الجيش والقوات المسلحة السورية أهمّ ألف مرة من جهد يبذل على أطراف قرارها ليس عندها وحدود تأثيرها لا تتخطى المنابر الإعلامية التي تتاح لها لتستعرض ما لا تملك، والاهتمام بالحلّ السياسي فعلياً ينطلق من كونه الممرّ الواجب تركه لتراجع الدول التي خاضت الحرب لإسقاط سورية كي تبرّر تراجعها، وإلا لكان كافياً الخوض بثنائية الحرب على الإرهاب والدعوة لأوسع مشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة. ولكن لأنّ الحرب على الإرهاب هي أولوية السوريين للخلاص من النزف والدمار والموت، وهي حرب انطلقت من رهان القوى الدولية والإقليمية على الإرهاب لكسر سورية وإسقاطها، وهي حرب تستمرّ بقوة التسهيلات الممنوحة للإرهابيين من هذه القوى، فإنّ وقف هذا الاحتضان وإسقاط هذا الرهان يشكلان أولوية سورية، وما يستدعيانه من فتح الباب لكلّ الذين يكتوون اليوم بنار الإرهاب للمراجعة والتموضع بوضع عنوان للعلاقات الإقليمية والدولية هو حصراً الحرب على الإرهاب من جهة، ومن جهة مقابلة وضع العنوان نفسه للحلّ السياسي الذي ينفتح على القوى التي تتخذ عناوين سورية من دون أن يكون لها ما يعادل أوزانها الإعلامية في الواقع السوري السياسي والميداني، لأنّ سورية توفر دماء بنيها وعمرانها ومقدراتها حين تنجح بضمان إقفال الحدود وتجفيف مستنقعات الإمداد للإرهابيين.

– المرحلة الجديدة هي مرحلة الحسم العسكري بوجه الإرهاب على مساحة الجغرافيا السورية في مناخ دولي وإقليمي صار مناسباً ولو تأخر البعض أسابيع أو أشهراً، فكلهم قادمون يدقون باب دمشق كما في كلّ مرة يناصبونها العداء ويتوهّمون كسرها، ثم يعودون يدقون الأبواب ويتلون فعل الندامة، ويبحثون عن مكان لهم في معادلة سورية ومكان في حربها وسلامها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى