سورية: حسم دستوري وعسكري والجيش والشعب يتبادلان التغطية
كتب المحرر السياسي
في ظلّ مشهد لبناني مرتبك تجاه كيفية إدارة الفراغ الرئاسي، ورمادية ضبابية حول كيفية التعامل مع الانتظار الطويل، حتى تنضج الطبخات الإقليمية، فيجري الإفراج عن الرئاسة اللبنانية، يصل جون كيري إلى بيروت في زيارة خاطفة ليست ضمن محطة سفر في المنطقة، ولا بجدول أعمال يتخطى التأكيد على دعم حكمة الرئيس تمام سلام، والارتياح ضمناً لانتقال صلاحيات رئيس الجمهورية إلى الحكومة وموقع الرئاسة المعنوي إلى رئاسة الحكومة، فيما جاء الموعد غداة نهاية الانتخابات الرئاسية في سورية يدلل على الربط بين الملفين اللبناني والسوري من زاوية النظر الأميركية، التي تبدو ميالة إلى تمديد الفراغ ريثما تتبلور الصورة النهائية للمشهد السوري، خصوصاً مع المؤشرات التي تدلّ على تبدل جذري في ميزان القوى الشعبي لصالح الرئيس بشار الأسد ووصول انهيار القوى المعارضة إلى حدّ الاضمحلال، وانحسار المواجهة العسكرية بين الجيش السوري ومفردات «القاعدة»، على رغم كثرة الكلام الأميركي عن قوى مسلحة معتدلة غير موجودة إلا في البيانات الأميركية.
زيارة كيري كنتيجة لما جرى في لبنان يوم الانتخابات السورية، التي فتحت العين الأميركية على التحوّل الشعبي السوري الكاسح لحساب الرئيس الأسد، عزّزتها مشاهد اليوم الانتخابي المميّز في سورية، حيث خرجت الملايين من السوريين في كلّ المناطق بما فيها تلك التي يفترض أنها في قبضة المجموعات المسلحة، والخروج الشعبي المتفجر فرحاً وتحدياً جاء على خلفية مواصلة المجموعات المسلحة تفجير مفخخاتها وإرسال قذائفها، والناخبون غير آبهين بما يجري، وهم واثقون أنهم يخرجون تحت غطاء جيشهم الجيش العربي السوري، الذي يوفر لهم التغطية بحضور قواته براً وجواً وبحراً لتأمين أوسع حماية للعملية الانتخابية، بينما بدا أنّ الناخبين بكثافة وغزارة تدفقهم على مراكز الاقتراع قد شكلوا الغطاء للجيش خصوصاً في حلب مدينة وريفاً ليقوم الجيش بمجموعة من العمليات النوعية، جعلت الأوتوستراد الدولي التقليدي من جنوب حلب نحو حماة قريباً من الوقوع بيد الجيش السوري.
الأهمّ في النتائج التي أشر إليها اليوم الانتخابي للسوريين هو ثقتهم بأنهم قادرون على أخذ قضيتهم بين أيديهم، ورفضهم التسليم بالتعب أو الرضوخ لمعادلات خارجية تقرّر مصير سورية، فكان الانتخاب رسالة تقول بوضوح لمن يريد مواصلة الحرب على سورية رهاناً على وهن الإرادة أو العزيمة، إنّ عليه أن يستمرّ في حربه عمره كله قبل الحصول على هذه النتيجة، ولمن يراهن على أنّ شكل الحرب مستمر كما كان قبل الاستحقاق الرئاسي، إنّ التفويض الممنوح للرئيس الأسد هذه المرة مختلف عن تفويض الولاية السابقة، وعلى الدول المتورّطة في حلف الحرب أن تتحسّب لردود من نوع مختلف مع بدء الولاية الجديدة المفتوحة بتفويضها إلى حدّ قرار حرب إقليمية.
لبنان ورقة أميركية عندما تحين التسويات
أما في لبنان، فقد خرق الإعلان عن زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري بيروت اليوم ولقائه المرتقب بالرئيس تمام سلام الجمود السياسي. فلم يصدر أي بيان عن السفارة الأميركية عن هذه الزيارة المفاجئة التي تقتصر على لبنان ولا تدخل في جولة يقوم بها كيري في الشرق الأوسط.
وأكدت مصادر مطلعة لـ«البناء» أن هذه الزيارة تحمل من السلبيات أكثر مما تحمل من إيجابيات. وقالت المصادر أنها لا تستبشر خيراً بالزيارة التي تأتي في لحظة إجراء الانتخابات الرئاسية السورية فيما الانتخابات الرئاسية اللبنانية معطلة.
وشددت المصادر على أن زيارة كيري ليست من أجل لبنان، فزيارات المسؤولين الأميركيين إلى لبنان تكون إما من أجل أمن «إسرائيل» بشكل مباشر، أو لمتابعة ما يجري في سورية، وأيضاً لخدمة «إسرائيل»، ولذلك فإنّ الزيارة لن تحمل في طياتها بشائر حلّّ للمواضيع اللبنانية العالقة..
واعتبرت المصادر أن الزيارة تأتي لترتيب الوضع اللبناني في مرحلة الشغور الرئاسي، ولكي يكون ورقة اميركية عندما يحين زمن التسويات، لا سيما أن الأميركيين يعلمون جيداً أن سورية عادت إلى لبنان أقوى من 2005.
وربطت المصادر بين الزيارة والقرار الذي اتخذه وزير الداخلية نهاد المشنوق بإيعاز من السفارة الأميركية، واللجنة الوزارية التي اجتمعت عقب القرار واتخذت تدابير كانت أشبه بتغطية قرار وزير الداخلية، حيث أكدت إسقاط صفة النازح عمن يخرج من لبنان إلى سورية.
قهوجي أو خوري
لا يتوقف الحراك الدولي تجاه لبنان على الزيارة الأميركية لبيروت اليوم، فالرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند سيرسل أحد مستشاريه إلى لبنان للبحث في الاستحقاق الرئاسي. وأشارت مصادر متابعة للحراك الفرنسي لـ«البناء»، إلى أن الفرنسيين يراقبون عن كثب ما يحدث في سورية ومصر والعراق لجهة فوز المحور المعادي لهم، ويبدون رغبتهم في انتخاب رجل عسكري لرئاسة الجمهورية ويحاولون جس النبض حول اسمي جان قهوجي أو جورج خوري، لا سيما أن الموقف الفرنسي لا يبتعد عن الموقف السعودي يؤكد على ضرورة انتخاب رئيس توافقي في لبنان.
واعتبرت مصادر في تكتل التغيير والإصلاح لـ«البناء» أن الزيارة هي لتنصيب رئيس جمهورية وسطي وقطع الطريق على العماد ميشال عون.
لا ضوابط لإجراء الاستحقاق الرئاسي
وأكدت مصادر قريبة من بكركي لـ«البناء» أن المواقف من الاستحقاق الرئاسي لا تزال على حالها، ولم يعد هناك من ضوابط لإجراء الاستحقاق الرئاسي مع انتهاء المهلة الدستورية، فلا أحد يعلم متى تنتهي المفاوضات الإقليمية. وأشار إلى أن البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي سيواصل مساعيه لإيجاد حل على رغم عدم توصل جولة وفد المؤسسات المارونية على القيادات المارونية إلى نتيجة ملموسة.
المستقبل: ما يجري عملية تمديد للشغور
وفيما لفت رئيس حزب القوات سمير جعجع إلى أن الحل لإنهاء الفراغ الرئاسي هو حضور النواب لجلسة الانتخاب في التاسع من حزيران المقبل والاختيار بين مرشح 8 أو 14 آذار، كاشفاً أن التواصل مع التيار الوطني الحر في موضوع الاستحقاق الرئاسي لم يشهد تطوراً، فالتيار جاء بطرح واحد، إما أن نؤيد ميشال عون أو ليسوا مستعدين لبحث أي خيار آخر. أكدت مصدر مطلع في تيار المستقبل لـ «البناء» أن على الجنرال ميشال عون لكي يؤكد مقولته أنه مرشح وفاقي عليه أن يمارس وفاقيته بين المسيحيين والتشاور معهم في شأن الاستحقاق الرئاسي، فإلغاء الآخر لن يوصل إلى أي نتيجة.
وأكد أن تيار المستقبل على استعداد للبحث في مرشح آخر غير الدكتور جعجع، إذا كان هناك استعداد لدى 14 آذار مجتمعاً، ومشدداً على أن مصير جلسة التاسع من الجاري سيكون على غرار الجلسات السابقة.
وشدد المصدر على أن ما يجري هو عملية تمديد للشغور في سدة الرئاسة، وإذا كنا لم نتمكن من انتخاب رئيس للجمهورية، فإنه من الطبيعي أن لا يتم التوافق على قانون انتخابي. وشدد المصدر على أن الأولوية لرئاسة الجمهورية حفاظاً على التوازن والميثاقية.
الوطني الحر: المستقبل يريد التمديد
وأكد مصدر مطلع في التيار الوطني الحر لـ«البناء» أن تيار المستقبل يريد تعطيل الانتخابات الرئاسية لتعطيل الانتخابات النيابية، فهو يريد التمديد للمجلس النيابي قبل الذهاب لانتخاب رئيس الجمهورية.
حلو: الانتخابات وفق الستين
واعتبر المرشح هنري حلو لـ«البناء» أن الانقسام السياسي الحاصل لن يقف حجر عثرة أمام إقرار قانون انتخابي جديد، وبالتالي فإن الانتخابات إن حصلت ستكون على أساس قانون الستين.
مجلس الوزراء يفشل بالاتفاق على آلية عمله
لى ذلك، فشلت كل المحاولات والمقاربات في جلسة مجلس الوزراء أمس للاتفاق على آلية عمل الحكومة في ظل الشغور الرئاسي، وبدا النقاش على رغم اللهجة الودية أحياناً بحسب مصدر وزاري يدور في حلقة مفرغة، وتكررت السجالات حول مسألة توقيع المراسيم وكان واضحاً من خلال الأخذ والرد على مدى ساعتين ونصف الساعة، وبدا أن هناك خلافاً في النظرة والتعاطي مع هذه المسألة.
أما في شأن تحضير جدول الأعمال فكاد مجلس الوزراء أن يتوصل إلى اتفاق غير أن الوزير جبران باسيل عاد وركز على ضرورة الاتفاق على الجدول.
ووفق الأجواء والمصادر الوزارية فقد أبدى رئيس الحكومة امتعاضه من عدم حسم النقاش في جلسة الأمس، الأمر الذي ينعكس على أداء العمل الحكومي وألمح إلى أن المسألة لن تتحمل أكثر من الجلسة المقبلة. وقال مصدر وزاري لـ«البناء» إنه إذا بقي النقاش في ظل الذهنية السائدة لدى البعض، فإن الجلسة المقبلة لن تصل إلى النتائج المرجوة، داعياً إلى تطبيق ما نص عليه الدستور في هذا المجال.
أين أصبح الدستور؟
كذلك أوضح مصدر وزاري آخر، أن النقاش المطول تحوّل في معظمه من جانب البعض إلى نقاش سياسي وليس قانونياً. وقال إن الخلافات لا تزال قائمة حول القضيتين الأساسيتين اللتين تتعلقان بعمل الحكومة، وهما كيفية تحضير جدول الأعمال والتوقيع على المراسيم وما إذا كانت القرارات يجب أن توقع بالأكثرية أو من كل وزراء الحكومة، ورأت أنه إذا لم يحصل عودة إلى الدستور فليس هناك ما يؤشر إلى أن الجلسة المقبلة ستتوصل إلى اتفاق حول عمل الحكومة، معربة عن قلقها من وجود توجّهات لدى البعض بعدم الوصول إلى توافق وفق ما ينص عليه الدستور.
توقيع المراسيم
وقالت أوساط عليمة إنه بالنسبة للقرارات التي تصدر عن مجلس الوزراء فهناك قرارات لا تحتاج إلى توقيع لأنها قرارات إجرائية ويكفي أن يعمّمها رئيس الحكومة.
أما المراسيم التي تحتاج خلال وجود رئيس الجمهورية إلى النصف زائداً واحداً فهذه يجب أن توقّع من رئيس الحكومة والنصف زائد واحد من مجلس الوزراء وما فوق.
أما المراسيم التي تحتاج إلى الثلثين فيفترض أن توقع من رئيس الوزراء وثلث أعضاء الحكومة وما فوق. وهناك المراسيم التي يوقع عليها رئيسا الجمهورية والحكومة ووزير المال تحتاج إلى توقيع كل الوزراء.
بري يرفض هرطقة الاتفاق المسبق على السلسلة
مطلبياً، أكدت مصادر عين التينة لـ«البناء» رفض رئيس المجلس النيابي نبيه بري لما أسماه هرطقة الاتفاق المسبق على السلسلة قبل العاشر من حزيران الجاري.
ونقل زوار الرئيس بري تحذيره من استمرار تعطيل المجلس النيابي لا بل وتمدده إلى الحكومة. موضحاً أن الأمور تسير بشكل جيد في ما لو طبق «المقاطعجية» الدستور وقال: «إن هذا الأسلوب لا يتلاءم مع بناء وطن، وإذا استمررنا على هذا المنوال نضرب كينونة البلد. محذراً من أن مخالفة الدستور على هذا الشكل إلى ما لا يحمد عقباه. وملوّحاً بمواقف له سيسمعها الآخرون قريباً».
اللجنة الفرعية تزور خليل اليوم
وشدد النائب عن كتلة المستقبل غازي يوسف لـ«البناء» على أن اللجنة الفرعية ستجتمع اليوم الى وزير المال علي حسن خليل وستقدم تصورها لجهة أن تكون السلسلة عادلة بين جميع العاملين في القطاع العام مع الاخذ في الاعتبار امكانية الدولة. وشدد يوسف على أن إعطاء الأساتذة 6 درجات مرهون بالإيرادات التي على وزارة المالية تأمينها فهل هي قادرة على تأمين 2200 مليار؟
ورأى مصدر نيابي في القوات اللبنانية لـ«البناء» أن الاتصالات مستمرة لإيجاد حل مقبول للسلسلة لجهة التفاهم حول النقاط العالقة قبل الوصول إلى جلسة الثلاثاء وإقرار السلسلة من دون الاستطالة في النقاش. وقال المصدر: أما إذا كان البعض يريد استخدام السلسلة كربط نزاع لتحريك الشارع فهذا شيء آخر.
السنيورة يعطل السلسلة
وأكد مصدر في تكتل التغيير والإصلاح لـ«البناء» أن لا اتفاق حتى الساعة فالاتصالات تراوح مكانها، لافتاً إلى أن الرئيس فؤاد السنيورة هو من يعطل السلسلة، فهو يعطي الموظفين حقوقهم بيد ويأخذها من اليد الاخرى.
موازنة العام الحالي
وعلى صعيد آخر، علمت «البناء» أن وزارة المالية أنجزت موازنة العام الحالي، وقد أرسلها وزير المال علي حسن خليل إلى رئاسة الحكومة وسيعقد مؤتمراً صحافياً يوم غد الخميس لهذه الغاية.
مطر: بكركي لا تريد سجالاً مع أحد
وسط هذه الأجواء أكد راعي أبرشية بيروت للموارنة المطران بولس مطر لـ«البناء» أن بكركي لا تريد أن تدخل في سجال مع أحد ولا تريد أن ترد على أحد على رغم أن هناك الكثير من الشخصيات من جهات مختلفة تناولت البطريرك الراعي وزيارته إلى الأراضي المحتلة بطريقة سلبية ولا تزال، إلا أن ما يهم بكركي هو الخروج من السجال الدائر.
حزب الله غير معنيّ بالسجال
وأكد مصدر مطلع لـ«البناء» أن حزب الله ليس معنياً بالسجال الحاصل حول مواقف البطريرك الراعي في الأراضي المحتلة، فهو لم ولن يعلق في الإعلام لا سلباً ولا إيجاباً، لافتاً إلى أن موقفه عندما سيعلنه سيكون عبر إصدار بيان رسمي.