النفايات تهزم التعيينات والآلية الحكومية ولا تنتصر… والحكومة تغرق في الفشل تشييع كحيل يبكي اللبنانيين ويوحّدهم ضدّ استسهال القتل والحمايات السياسية
كتب المحرر السياسي:
ترجّل المبعوث الأممي للحلّ السياسي في سورية ستيفان دي ميستورا وأعلن أنّ الظرف ليس ناضجاً للدعوة لجولة جديدة من جولات مؤتمر جنيف، وحاول التقدّم ببديل لا يبدو قابلاً للحياة بتشكيل فرق عمل تجمع الحكومة والمعارضة حول عناوين مستقلة يستحيل التقدّم بواحدة منها بمعزل عن الأخرى، فتقدّمت روسيا لأخذ المبادرة وأعلن نائب وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف بدء التحضير لجولة جديدة من حوار موسكو، وبدا أنّ الزمن هو للميدان ليقول الكلمة الفصل في سورية، كي يسلّم الجميع بالمعادلة التي رسمها الرئيس السوري بشار الأسد وعنوانها أنّ طريق الحلّ السياسي تبدأ من التوافق على أنّ الحرب على الإرهاب هي الأولوية التي تجمع البعدين المحلي والإقليمي الدولي.
في لبنان حيث المخيمات الفلسطينية في حال غليان، بقيت الحكومة تترنح من دون أن تسقط، ونجح ضغط ملف النفايات في دفع التيار الوطني الحر لتعليق إصراره على أولوية مناقشة بندي آلية العمل الحكومي والتعيينات العسكرية والأمنية، لكنه بقي نقاشاً بلا نتائج، وصار الفشل سمة ملازمة للعمل الحكومي بشروط التيار ومن دونها.
ومع نقاش عقيم وبعيد المدى يشهده مجلس الوزراء وتغيب عنه الحلول الآنية، حجب عن عيون اللبنانيين الفشل الذريع لحكومتهم ومشهد النفايات، مقتل المقدّم في الجيش اللبناني ربيع كحيل الذي أبكى اللبنانيين بقدر ما وحّدهم على الشعور بالفراغ الأمني عندما يُقتل بدم بارد ضابط بارز في فوج المغاوير، كدلالة على درجة التجرّؤ التي بلغتها الجريمة وبلغها شعور الذين يحصلون على تغطية وحماية من النافذين والمحسوبيات.
الملف الأمني يتقدّم قلق اللبنانيين ويشعرهم بالخوف، وملف البيئة والنفايات يشعرهم بالقرف، وملفات السياسة تشعرهم بالعجز، وما اجتمعت هذه المشاعر في لحظة واحدة إلا وغلبت اليأس على الأمل.
فشل لجنة النفايات
فشلت اللجنة الوزارية المكلفة متابعة ملف النفايات بالتوصل إلى حل خلال اجتماعها الذي عقدته بالسراي الحكومي برئاسة رئيس الحكومة تمام سلام، وأبقت اجتماعاتها مفتوحة. وأكد وزير التربية والتعليم العالي الياس بو صعب لـ«البناء» أن اللجنة المصغرة لم تخرج بأي اتفاق في اجتماعها أمس كما لم تتفق على أي من المطامر المطروحة. ونفى أن يكون النائب وليد جنبلاط قد وافق على نقل النفايات إلى مكب ضهر البيدر ولفت إلى أنه لم يحدد موعد مقبل لاجتماع اللجنة، وأن الأزمة مستمرة ولا حلول حتى الآن. ورأى بو صعب أن ملف النفايات هو الأسهل لتصفية الحسابات السياسية، داعياً إلى التعاطي بمسؤولية معه».
وكان مجلس الوزراء بحث في ملف النفايات الذي تقدم على آلية عمل الحكومة من دون اعتراض وزراء التيار الوطني الحر وحزب الله ما أضفى أجواء ايجابية على الجلسة.
ولفتت مصادر وزارية لـ«البناء» إلى «أن النقاش كان هادئاً ورصيناً، وكل فريق كان مستمعاً ومتفهماً لموقف الآخر. وأعطى رئيس الحكومة أهمية كبيرة لملف النفايات، وأكد انه لا يجوز للانقسامات السياسية أن تمنعنا من اتخاذ القرار الذي ينتظره المواطنون منذ عشر سنوات». وشدد على «أن التوافق تحول إلى تعطيل، لذلك اعتمدنا مقاربة جديدة للحد من ذلك لكننا لم ننجح وإذا استمر الوضع على ما نحن فيه فلن تكون هناك جدوى من مجلس الوزراء»، مشيراً إلى أنه مستعد للمساعدة في تجاوز معضلة مقاربة العمل الحكومي، وخياراته مفتوحة ومؤكداً أنه إذا اصطدم بحائط مسدود فسيلجأ إليها». ورجحت المصادر الوزارية «أن تكون الإجازة هي أحد الخيارات أمام سلام إذا تعذر التوافق لإعطاء الوقت الكافي بانتظار تبلور موقف الأطراف للعودة إلى طاولة مجلس الوزراء والعمل من جديد».
وتحدث رئيس الحكومة عن المقررات التي اتخذها مجلس الوزراء في كانون الثاني في ملف النفايات والمناقصات في جميع المحافظات باستثناء بيروت، على أن تجرى مناقصة جديدة في 7 آب للعاصمة فقط. وطرح رئيس الحكومة منطقة وطى الجوز الكسروانية كمكان موقت لاستقبال النفايات إلا أن هذا الطرح قوبل باعتراض من وزراء التيار الوطني الحر والكتائب، كذلك طرح بعض الوزراء نقل النفايات إلى منطقة الكسارات في ضهر البيدر، وإلى منطقة قريبة من مجدل ترشيش إلا أن الوزير الياس بو صعب أعلن أن المكان غير مناسب، ولم يؤخذ أي قرار في شأن هذه الطروحات.
زبالة طائفية
واقترح وزير السياحة ميشال فرعون فكرة تصدير النفايات إلى دول تشتريها أو تستقبلها، وأيده وزير العدل أشرف ريفي الذي قال: «إما أن نذهب باتجاه طرح فرعون بترحيل النفايات وأنا أؤيده كلياً أو نذهب باتجاه خطة تنمية شاملة بالسلسلة الشرقية التي تعالج النفايات والمرامل والكسارات وتعالج زراعة المخدرات». وجرى في الجلسة بحث نقل النفايات بالبواخر، لكن تم التوقف عند كلفتها المرتفعة من إيجاد مطمر.
وأعاد وزراء حزب الكتائب طرح الحل الكتائبي للأزمة وهو نقل النفايات إلى السلسلة الشرقيّة حيث لا أماكن آهلة بالسكان وحيث لا يمكن للنفايات أن تضرّ بالمياه الجوفيّة أو أن تترك آثاراً عليها، ويمكن نقلها بكلفة غير باهظة. وقال وزير التنمية الإدارية نبيل دو فريج: «أننا بتنا أمام زبالة مسيحية وزبالة إسلامية، وأن وحدة الزبالة في وحدة الوطن». وعلم أن عدداً من الوزراء حاول تمرير إعادة فتح مطمر الناعمة لحين إيجاد الحكومة حلاً نهائياً للأزمة.
الشراكة ممنوعة على التيار
وانتقل مجلس الوزراء بعد البحث في ملف النفايات إلى البحث في آلية عمل الحكومة التي لم تأخذ مقاربتها وقتاً طويلاً نظراً لضيق الوقت. وأبدى كل وزير وجهة نظره في الموضوع وتحدث الوزير جبران باسيل عن العيش المشترك، وسأل: «لماذا الشراكة ممنوعة عن التيار الوطني الحر في السياسة فيما هي مطلوبة في ملف النفايات»؟ فأجابه الوزير ريفي: «يجب أن تعلموا أنكم لن تستطيعوا فرض رئيس علينا بهذه الممارسات التعطيلية»، فرد عليه باسيل: «نطالب بالشراكة وبرئيس يختاره الشعب». وقال وزير الصناعة حسين الحاج حسن «للتيار الوطني الحر حقوق يجب أن تعطى له».
ورد وزير الصحة العامة وائل أبو فاعور بعد لقائه رئيس مجلس النواب نبيه بري على كلام باسيل عن الشراكة الوطنية، وقال: «لا يصحّ أن نطرح الشراكة كشعار كبير وفي نفس الوقت لا نطبقّه على أمور تفصيلية لمسألة النفايات التي باتت تجتاح بيوت كل المواطنين اللبنانيين وكل المناطق اللبنانية». وأشار إلى «أنه من الخطأ استسهال أو الاستسلام لمنطق التعطيل والتدمير الحاصل في البلد اليوم والذي بات ينذر بأن تتحول الأزمة السياسية عن قصد أو غير قصد إلى أزمة سياسية دستورية وربما تصبح أزمة أمنية»، إلا إذا كان هناك من يريد أن يقود الأمور في لبنان على خلفية مطلب لفريق سياسي ما إلى نقاش في النظام السياسي، أو أن يطرح النظام السياسي على الطاولة».
مقبل يزور قهوجي اليوم
ولمناسبة عيد الجيش الذي تغيب عنه للعام الثاني على التوالي مظاهر الاحتفال الكبير بتسليم السيوف للضباط المتخرجين ويقتصر على احتفالات مركزية في قيادات المناطق، يجول وزير الدفاع سمير مقبل اليوم على قائد الجيش ورئيس الأركان اللواء وليد سلمان ومدير المخابرات العميد ادمون فاضل لتقديم التهنئة بالعيد السبعين للجيش. وشدد مقبل أمس في بيان أصدره بالمناسبة على ضرورة أن يخرس كل صوت يسيء إلى هؤلاء الجنود المدافعين عن كرامة وعزة الوطن والمواطنين، مؤكداً السعي مع العديد من الدول لتأمين السلاح النوعي اللازم والملائم له في هذه المرحلة من القتال مع عصابات مجرمة خطفت وذبحت جنوداً وما زالت تحتجز عدداً منهم.
وفي سياق متصل شهدت جلسة مجلس الوزراء أمس توقيعاً من الوزراء، باستثناء وزراء تكتل التغيير والإصلاح وحزب الله، على مراسيم ترقية ضباط الأسلاك والمدرسة الحربية تماشياً مع قرار العماد ميشال عون بعدم توقيع أي مرسوم قبل البحث في آلية عمل الحكومة.
وعشية عيد الجيش شيّعت قيادة الجيش وسط غضب عسكري المقدم الشهيد ربيع كحيل في حفل تأبيني مهيب في منطقة الخندق الغميق في بيروت، الذي استشهد برصاص الغدر ما يلخص الواقع الحالي في لبنان بأن الدولة قد سقطت.
وعلّق العميد شامل روكز على استشهاد كحيل، على حسابه الخاص عبر موقع «فايسبوك» قائلاً: «استشهاد ربيع برصاص زعران الشارع يلخّص كل الحكاية. الدولة سقطت، ولن تستعيد هيبتها إلا بتعليق المشانق». وأضاف: «إذا مقدم مغوار عرّف عن حالو تقوّص سبع رصاصات، كيف إذا كان مواطناً عادياً بسيطاً مسالماً ما إلو إلا الله»؟ داعياً إلى «تعليق المشانق، فهذا البلد ندفع لأجله دماء خيرة شبابنا، ولن نقبل بأي حال أن يحكمه ويتحكم به الزعران». وحمل العميد المتقاعد جورج نادر خلال التشييع مسؤولية استشهاد كحيل إلى «القضاء الذي لم يحكم على الذين يعتدون على الجيش» وعلى «عدم الحكم القاسي على كل من يقتل الناس بطريقة سهلة».
توافق إيراني فرنسي على تنشيط المؤسسات
في غضون كل ذلك، لا تزال الانتخابات الرئاسية بعيدة. وأكدت مصادر واسعة الإطلاع لـ«البناء» «أن وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس بحث في خلال زيارته الإيرانية الملف اللبناني، ونقل طلباً فرنسياً إلى المسؤولين الإيرانيين بمساعدة لبنان على حل مسألة الشغور الرئاسي». ولفتت المصادر إلى أن الطرف الإيراني جدد موقفه الذي سبق أن أبلغه للموفد الفرنسي جان فرنسوا جيرو «أن هذا الموضوع عند الافرقاء اللبنانيين وأن إيران لا تتدخل في الانتخابات الرئاسية وتعتبرها شأناً داخلياً لبنانياً». وعلم أن فابيوس توافق والمسؤولين الإيرانيين على ضرورة الحفاظ على الأمن والاستقرار في لبنان وإعادة تنشيط المؤسسات التي تعاني من فراغ رئاسي وشلل حكومي وتعطيل للمجلس النيابي».
القرار الأميركي سيّئ
وفي سياق متصل، توقفت أوساط سياسية عند إعلان الرئيس الأميركي باراك أوباما استمرار حال «الطوارئ الوطنية» في لبنان التي أصدرها الرئيس الأميركي السابق جورج بوش في عام 2007. وقال البيت الأبيض في بيان إن «أوباما أخطر الكونغرس بهذا القرار بسبب استمرار أفعال معينة مثل تسليح ونقل أسلحة متطورة إلى «حزب الله»، مؤكداً أن تلك الأفعال «لا تخدم سيادة لبنان وتعمل على زعزعة السياسة والاقتصاد الداخلي، وتشكل تهديدات لأمن الولايات المتحدة القومي وسياستها الخارجية.
وشددت الأوساط لـ«البناء» على «أن القرار الأميركي سيئ ولا يشير إلى فرج قريب ويشكل صفعة في العمق لحلفاء أميركا في لبنان على رغم أن البعض سيأخذه عنواناً للدعم المعنوي لمواجهة خصومه».
وأكدت «أن إعلان أوباما هو رسالة غير مباشرة للذين يضغطون من أجل الانتخابات الرئاسية بأن الوضع اللبناني مستمر على ما كان عليه في عام 2007 من عدم استقرار وربطه بتسويات الشرق الأوسط، ما يعني أن فترة حكم الرئيس ميشال سليمان كانت استهلاكاً للوقت لم تغير من الواقع بشيء، وفي هذا تأكيد أن سياسة الفوضى الأميركية لا تزال هي المعتمدة في المنطقة».
ولفتت الأوساط إلى «أن إعلان أوباما من شأنه أن يبقي لبنان قيد المراقبة الاستثنائية العسكرية والأمنية والسياسية ومنها إعطاء أميركا نفسها الحق بملاحقة حركة الأموال والأشخاص من وإلى لبنان والتي بموجب هذا الأمر فرضت عقوبات على بعض الشخصيات اللبنانية بذرائع مختلفة».