«المضلَّلون» لدريد عودة… رحلة داخل عقل إرهابيّ
كمال مساعد
الإصدار السادس للكاتب والمؤلف دريد عودة، روايتُه الجديدة «المضلَّلون ـ رحلة داخل عقل إرهابي»، الصادرة عن «دار الفارابي» 304 صفحات من القطع الوسط .
تحكي الرواية قصة شاب فجّر نفسه بأبرياء مدنيين من أبناء حيّه حيث وُلد وترعرع وتعلّم، لأنه يعتبرهم «كفّاراً ومرتدّين وضالّين وجب قتلهم»، وذلك بعدما تحوّل من شاب طيّب خَلوق إلى إرهابيّ مجرم سفّاح اسمه السلفي «أبو قتادة» ، على يد الداعية التكفيري عبد الرحمن، الذي يكفِّر كل من ليس على طريقته بمن فيهم أبناء دينه وطائفته.
وترافق رواية «المضلَّلون»، التي هي رواية مجازية تنتمي إلى نوع أدب الفانتازيا، «أبا قتادة» هذا في رحلته بعد الموت إلى الجنة وحورياتها اللواتي وعده بهن مضلِّله الشيخ عبد الرحمن بدءاً بـ«يقظة القبور» التي كلّمه عنها، ووصولاً إلى «بوابة السماء»، حيث التقى الشاب الملاك جبريل ناقل الوحي، وهو شخصية رمزية رئيسة في الرواية استند إليها المؤلف لإجراء مقابلة عميقة ومثيرة بين الضمير الإنساني والوحي الإلهي، ثم «عودته» إلى الأرض ليرى ما جنت يداه.
الرواية سوسيولوجية ـ نفسية، ودينية ـ مجازية، وفلسفية ـ إنساناوية. في بُعدها السوسيولوجي ـ النفسي، تتناول رواية «المضلَّلون» عامل الحرمان الإجتماعي الفقر ، إذ تحوّلت «يوتوبيا الفقراء» في رأس الشاب الفقير أبي قتادة إلى «يوتوبيا الشهداء». كما تتناول عامل الحرمان الجنسي الذي يصفه المؤلف بـ«المجاعة الجنسية في شرق يحرِّم الجنس على الأرض ويبيحه في السماء» عاملان يستغلّهما الدعاة التكفيريون لتضليل الشباب وتحويلهم إلى إرهابيين قتلة مأجورين، و«أجرهم من السماء»، وفيها. كذلك تسلّط الرواية الضوء على تنامي النزعة الدينية المتطرّفة لدى الطبقات العليا من المجتمع، في أوساط الأغنياء والمتعلّمين، وعدم اقتصارها على الفقراء والجَهَلة والأمّيين. وهنا تلفت الرواية في حبكتها الدرامية إلى حالة الضياع الفكري والتقهقر الثقافي، وسببهما انحسار الأفكار التنويرية الكبرى وحلول الأفكار الدينية الظلامية مكانها.
وفي هذا السياق، تستبطن الرواية الدعوة إلى ثورة ثقافية عميقة لإعادة النظر في الموروث الديني، ولبلورة نزعة عقلانية تنويرية أكثر إنسانية.
وفي بعدها الديني ـ المجازي، تتناول الرواية وتستعير أدبيات العقل التكفيريّ بكل تشوهاته الأخلاقية والإنسانية، ومتاهاته الفكرية العبثية، وغيبياته الدينية وانحرافاته الجنسية المَرَضية، إذ تُكتَب «فانتازيا» الجنّة بدماء أبطالها وضحاياهم، كما يقول الكاتب في مقدّمة روايته.
أمّا في بعدها الفلسفي ـ الإنسانوي، فإن رواية «المضلّلون» رواية رِواقية ونيتشوية خالصة تقيم محاجّة فلسفية بين حرية وعبودية الفكر، وبين قيم الحياة وقيم الموت مواجهة فكرية بين القيم الإنسانية التي هي دين الحياة كما يقول المؤلف، والقيم الدينية التكفيرية التي هي أخلاق موت وقيم موت تنفي الحياة، وذلك بعدما حوّل التكفيريون الدين من شرعة حياة إلى شريعة موت مواجهة قيَمية تنحاز فيها الرواية إلى معسكر حرية الفكر في وجه الفكر الديني الإقصائي الذي لا يعدو كونه «وثنية فكرية» و«عبادة الطوطم»، وتنحاز إلى معسكر الأخلاق والقيم الإنسانية المؤكدة الحياة من دون أن تدخل في «مبارزة أو بازار فقهي» حول الجهاد واجتهاداته: «فقد نختلف في تفسير الدين ونجتهد، لكن لا يمكن الاجتهاد في الأخلاق. وقد نختلف في تفسير الآيات ونجتهد، لكن لا يمكن الاجتهاد في القيم والفضائل. وقد نختلف في تفسير طبيعة الله ونجتهد، لكن لا يمكن الاجتهاد في إنسانية الإنسان»، يقول الكاتب في مقدّمة كتابه.
صدر للكاتب:
«عشتار ـ حب البشر وأقدار الآلهة» دار المختار، 2009
«أدونيس ـ في محراب الحبّ والقيامة» دار المختار، 2010
«الرائي المستنير» دار المختار، 2010
«أبناء الحياة» دار نلسن، 2012
«دموع الرياحين، قصة حبّ وحرب» دار الفارابي، 2014