لقاء في مركز «القومي» حول كتاب «استراتيجية الحرب الإسرائيلية… مسار وتطور»
بدعوة من الحزب السوري القومي الاجتماعي، عُقد لقاء في مركز الحزب حول كتاب الباحث محمد خواجة الصادر حديثاً، وعنوانه: «استراتيجية الحرب الإسرائيلية… مسار وتطوّر»، ويتحدث عن المقاومة بوصفها عنصر قوّة وثقافة وتربية لمجتمع لا يعرف الهزيمة.
حضر اللقاء نائب رئيس الحزب توفيق مهنا، ناموس مجلس العمد نزيه روحانا والعمد: صبحي ياغي، وائل الحسنية، فارس سعد، ميسون قربان، سبع منصور، معن حمية، والنائب د. مروان فارس، وأعضاء المجلس الأعلى: د. ربيع الدبس، د. وليد زيتوني، عبد الله وهاب، وعضوا المكتب السياسي فهد الباشا ووهيب وهبي، وعدد من المسؤولين، وعضوا قيادة الحركة الوطنية للتغير الديمقراطي سايد فرنجية ود. وسام حمادة.
د. الدبس
بدأ اللقاء بكلمة ترحيب من د. الدبس قال فيها: «الكتاب الذي نناقشه مهمّ جدّاً بالنسبة إلينا كمعنيّين بالبوصلة المركزية ـ فلسطين ـ وبمعرفة العدوّ على حقيقته لا كما نرغب أن نصوّره، أيّ أن نعرفه معرفة علمية جدّية.
عن عناصر التأثير في الاستراتيجية يعرض الكاتب لاختبار الحروب ومسبّبات الهزيمة، وأساليب القتال وخلاصات الحرب، كما يتوقّف عند التحديد الواضح لأهداف العدوان، ولتطوير سلاح الجوّ لدى العدوّ.
يسلسل المؤلف بوصفه خبيراً ومتابعاً سياق الحروب مع العدوّ: من حرب 1948 إلى العدوان الثلاثي عام 1956، إلى عدوان 1967، معتبراً من خلاصات الحرب العملانية والاستراتيجية والسياسية.
يشير إلى دور المقاومة الفلسطينية… من معركة الكرامة حتى خطيئة السادات، وما بينهما من حروب استنزاف، ثم ينتقل إلى حرب لبنان الأولى مُظهراً موازين القوى ومسارات الهجوم والآفاق الجديدة.
ويعرّج الكاتب تعريجاً منهجياً على استراتيجية التسلّح «الإسرائيلية»، مفنّداً مستوى علاقة العدوّ بالتكنولوجيا صناعة واستيراداً، والأبعاد الثلاثة لذلك استراتيجياً واقتصادياً وسياسياً.
ثم يفضح الكاتب المخطّط الغربي الخبيث في ما سُمّي الحرب على الإرهاب، معطوفاً على شعار حرّية العراق ومزاعم أسلحة الدمار الشامل لتدمير بلاد ما بين النهرين حضارةً وقوةً اقتصاديةً وعسكريةً وطاقاتٍ علميةً، إذ استُهدِفت الأدمغة، أي علماء الفيزياء والذرّة والنوويّات. ويستخلص من كلّ ذلك العبر للحاضر والمستقبل.
بعدئذٍ، يستلّ المؤلف للقرّاء اللحظات الحيّة لحرب لبنان الثانية، ولفشل الاختبار «الإسرائيلي» وانتصار المقاومة المجيد. أمّا تبدّلات الإقليم الثورة الإسلامية 1979 الاستدارة المشرقية كما أسماها، والأحداث السورية المفتعلة، ومخطّط تفكيك الجيوش العربية، فيقدّمها في الفصل الخامس موثّقة توثيقاً بحثياً، قبل أن يصل إلى الخاتمة التي رأى فيها أنّ الاختبار العملاني لبعض الحروب حول النشوة «الإسرائيلية» إلى خفوت وإحباط، ونحّى خطة تايغن المترجمة برامج تدريب ومناورات وإعادة بريق للذراع البرية، لمصلحة خطّة تموز التي تقضي بتخطي عقدة حرب لبنان الثانية، وبإحياء فكرة الجيش الصغير الذكيّ مجدّداً. ويخلص الكاتب، قياساً إلى حرب 2006، إلى الاعتقاد بأنّ الفشل «الإسرائيلي» سيتكرّر في حرب الغد غير النظامية، من دون أن ننسى وضع العدوّ في حربه العدوانية شعار النسر في مواجهة الثعبان، وهو شعار فاشل لأنه اعتمد استراتيجياً على سلاح الجوّ».
وختم د. الدبس: «هي كلمة حق لا مجاملة مقحَمَة، فحواها أنّ الكتاب علميّ لا عاطفيّ، ولغته العربية سليمة في زمن العُجْمة، كما أنّ مراجع الكتاب المُدرجة في آخر كلّ فصل على حدة، هي فعلاً كتب مرجعية لعلّ أهمّها في الموضوع المطروح كتاب «الحرب عن بعد ـ دور التكنولوجيا في الحرب» لبيتر سينجر الصادر معرّباً عام 2010».
خواجة
ثمّ تحدّث مؤلف الكتاب الباحث محمد خواجة، فاستهلّ كلمته متوجّهاً بالشكر للحزب السوري القومي الاجتماعي رئيساً وقيادة ومناضلين، على هذه الالتفاتة الجميلة والكريمة. واعتبر الدعوة تشجيعاً له في مساره البحثيّ.
وقال: «هذا الكتاب هو الرابع في سلسلة المؤلفات التي وضعتها، وهي تقارب الجانبين الاستراتيجي والعسكري في الصراع مع العدوّ الإسرائيلي، ولم يكن أمر هذه الندوة مفاجئاً لي، لأنّ حزب أنطون سعاده، كان من السبّاقين منذ منتصف القرن الماضي إلى مقاومة العدوّ، وعمل على كشف مخاطر الوجود الصهيوني في المنطقة، بل دعا إلى تكوين القوة النظامية المواجهة لهذا العدوّ».
وعن كتابه قال: «إنّ فكرة الكتاب تتناول استراتيجية الحرب الإسرائيلية منذ عام 1937 حين انتقل العدو من حالة الدفاع داخل المستوطنات إلى حالة الهجوم والقتال خارجها، وصولاً إلى يومنا هذا.
الدافع لهذا الكتاب سببان، الأول ذاتيّ، ويتمثل بادّعائي معرفة شيء في هذا المجال، ومتابعتي في هذا الاختصاص، والسبب الثاني وهو الأهم، فالمؤسف أنّ المكتبة العربية تعاني فقراً شديداً في هذا المنحى الصراعي مع العدوّ، إلى حدّ أنه إذا رصدنا حركة الباحثين، نجد أنّ ما يصدر في العالم العربي من كتب عسكرية أو استراتيجية تقارب هذا الجانب مع العدو الإسرائيلي، لا يتعدّى عدد أصابع اليد الواحدة، وحتى مراكز الأبحاث الفلسطينية تصدر كتباً عن المسألة الفلسطينية، تتناول جوانب هذه المسألة اجتماعياً وإنسانياً وحقوقياً، على أهمية هذه الجوانب، لا نجد مؤلفات تتناول الصراع، وما يتعلق بكيفية مواجهة القوة الإسرائيلية».
وقال: «هذا التحدّي دفعني واستفزني وحرّضني على الكتابة في هذا المجال، بتشجيع من الأصدقاء والأخوة والرفاق، وكتبت عشرات الأبحاث في هذا المجال لأنني أعتقد أنه يجب أن تبقى قضية فلسطين حيّة، لا سيما الجانب المقاوم منها، فكلّنا نعرف أنّ عدوّنا غاشم وظالم، وما قام به، يتمثل بأوّل نوع من الاستعمار البشري، وهو أن تقتلع جماعةٌ ما شعباً من أرضه، وتغرس لنفسها كياناً داخل أمة لتعيق مسارها وتطوّرها».
وأضاف خواجة: «الكتاب من خمسة فصول، فكرته ترصد الاستراتيجية العسكرية ليس من أجل تبسيطها، ولكن للقول ما هي العناصر التي كانت تتضافر لتحدث تبديلات جوهرية في تلك الاستراتيجية، واعتبرت أنّ هناك ثلاثة عناصر: العنصر الأول الحروب ونتائجها، ولم أدخل في التفاصيل الدقيقة لكلّ حرب من 1948 وصولاً إلى 1982 و2006 لأنّ كلّ حرب من هذه الحروب أخذت حقها في الكتابات العربية والإسرائيلية والأجنبية، لكن قاربتها من زاوية خلاصات هذه الحروب، وما الذي بدّلته في البنية العسكرية الإسرائيلية، وفي العقل العسكري الإسرائيلي واستراتيجيته، فصّلت الحروب الخمس حتى 1982، واعتبرت أنّ خلاصات تلك الحروب كانت تكتيكية وعملانية، ولم تغيّر كثيراً في المسار الاستراتيجي، وإن كانت حرب 1967 أهمّ هذه الحروب بالنسبة إلى الكيان الصهيوني، فهي فكّت عقدة الضيق الجغرافي التي كان يعاني منها العدو، وقد ذكر موشي ديان في مذكراته أنه كان يتخوّف من هجوم عربي من ناحية الجبهة الأردنية، فتُقسم فلسطين إلى قسمين منفصلين، ففي جنوب منطقة تل الربيع التي يسمّيها العدو تل أبيب، هناك نقطة لا تزيد على الـ 14 ميلاً، وفي هذه الحرب استخدم الإسرائيلي استراتيجية الحرب الخاطفة والسريعة، وقد أثبت براعة عالية في هذا النوع من الحروب الحديثة، وهي مستلهمة من التجربة الألمانية في الحرب العالمية الثانية، وهذه الحرب كانت مهمة إلى حدّ أنّ أحد منظري استراتيجية الحرب الخاطفة، كتب بعد الحرب مباشرة في مجلة بريطانية أنّ الإسرائيليين أثبتوا أنهم أكثر براعة من غوبريان وروبل في تطبيق استراتيجية الحرب الخاطفة أنهم تلامذة نجباء، ويردّ عليه إغال إيدين برسالة يقول فيها: ما فعلناه استوحيناه من كتبك، التي من حسن حظنا لم يقرأها العرب ولم يتعلّموا منها شيئاً.
وفي الشطر الثاني من فصل الحروب ركزت على حرب لبنان الثانية، لقد كانت استراتيجية الإسرائيلي سابقاً قائمة على توازن الحركة والنار، أيّ الجو والبرّ، الطائرة والدبابة، لكن بعد حرب العراق الأولى، والحرب على كوسوفو، وبناءً على تجربة هاتين الحربين، اعتبر الصهاينة أنه يمكنهم هزيمة «العدو» من خلال سلاح الجوّ، مع بذل جهد برّي بسيط، كما يمكنه بحسب تجربة كوسوفو أن يحسم المعركة من دون إنزال جنديّ واحد على الأرض، وبعد تلك الحرب، كتب عدد من الجنرالات الأميركيين عن هذا النوع من الحروب، ووضعوا لها شروطاً، منها أن تكون بنى العدو ومفاصله واضحة، وقد تلقف الإسرائيلي هذه النظرية الجديدة، التي ترافقت مع نظرية حرب النجوم، والتمكّن من خلال الصواريخ المجنّحة والقذائف الذكية من تدمير أيّ هدف مهما كانت مسافته بعيدة، تلقف الإسرائيلي هذه النظرية ووجد فيها تلبية لحاجاته، فهو مزروع في بقعة لا يمكنه تحمّل الخسائر البشرية، فوجد بهذا النوع من الحروب حلمه، ورأى أنه يتمكّن من شنّ المزيد من الحروب من دون أن يدفع كلفاً بشرية في المقابل».
وتابع: «وجاءت حرب لبنان الثانية، ومُنيَ الإسرائيلي بالهزيمة والفشل، جاء هذا الكلام على لسان لجنة فينوغراد، التي شكّلت بعد الحرب لتحدّد المسؤوليات، وفي إحدى فقرات تقرير تلك اللجنة ورد أنّ الجيش الأقوى في الشرق الأوسط فشل في تحقيق أهداف حربه أمام بضعة آلاف من المقاتلين، وهنا تكمن أهمية ما حدث، إذ انقلبت معادلة الكمّ والنوع، ففي كلّ الحروب السابقة كان الكمّ العربي أمام النوع الإسرائيلي، وفي حرب 2006 كان الكمّ الإسرائيلي أمام النوع العربي، بضعة آلاف أمام 50 ألفاً، قدرات تسليحية لا يمكن مقارنتها بقدرات الجيش الإسرائيلي، ومع ذلك فشل في تحقيق أيّ من أهدافه، وقد كانت الغلبة للنيران على حساب الحركة في حربه، وسّع دائرة النيران، وطبق النظرية أمام العدو الخطأ، فهذا النوع من الحروب ينجح في وجه جيش نظامي معروفة مراكزه وثكناته وطرق إمداداته، ولا ينجح في وجه قوات تقوم على حرب العصابات، فهي قوى شبحية لا يمكنهم رؤيتها، أو معرفة مواقعها، فقوة حركة المقاومة محسوسة لا منظورة، قام العدو بـ 17500 غارة جوية، وفي حرب تشرين 1973 نفّذ الإسرائيلي 11000 غارة على جبهتي سورية ومصر، وعلى رغم ذلك، لم يتمكن من تدمير قوة المقاومة، ولا قيادتها ولا ثقافتها ولا معنوياتها، دمّر أبنية وجسوراً، ولذا عاد بعد هذه الحرب إلى المربّع الأول، إلى توازن الحركة والنار، فأعاد البريق إلى ما يُسمّى القوات البرية، وكان العدو خلال السنوات العشر التي سبقت الحرب يعمد إلى تخفيض تدريجي في موازنة قواته البرّية، فأعاد لها الموازنات التي فقدتها، وقرّروا زيادة لواء مدرع أي 500 دبابة، وبدأ الاستعداد التكنولوجي، فكلّ ما يوجد في العبّ الأميركي من تطور تكنولوجي، يمكن أن يغرف منه الإسرائيلي، والدليل على ذلك أنهم بعد حرب 2006 وقّعوا صفقة الـ«إف 35» التي لم يكن الجيش الأميركي قد حصل عليها بعد، ولم يكتف الإسرائيليون بما أخذوه من الغرب بل بنوا صناعتهم العسكرية الذاتية، فحتى خوذ الـ«إف 35» شارك الإسرائيلي في صناعتها، ووقعوا صفقة عكسية مع الأمريكان ليبيعوهم هذه الخوذ بمليار دولار».
وتحدّث الكاتب عن تحوّلات البيئة الاستراتيجية من مدخل ما سُمّي الربيع العربي، إذ لاحظ «الإسرائيلي» أنّ هناك تغيّرات كبرى من خلال هذه التحوّلات، ولا بدّ من الإشارة هنا إلى أنّ إيران تحوّلت بعد عام 1979 من دولة حليفة للعدو الصهيوني، إلى العدو الوجودي بالنسبة إليه، ولكن المؤسف أنّ التاريخ كان يسير بخطى معكوسة، إذ بدأ العرب بالتفافة معاكسة، فزار أنور السادات القدس، ووُقّعت اتفاقية كامب ديفيد، وبدأت تتحوّل فكرة الهزيمة إلى ثقافة رائجة، وقبل الربيع العربي فُكّك الجيش العراقي، كما أنّ الجيش المصري مستهدف اليوم مما يُسمّى بالجماعات التكفيرية، التي يعود الرابط النهائي لها في واشنطن وتل أبيب، فهي بفكرها وتمويلها نتاج أنظمة حليفة لهذين النظامين».
وأكّد خواجة أنه ركز في كتابه على سورية لأهمية هذا البلد المحورية، فأحد أهمّ أهداف الحرب على سورية، تدمير الجيش السوري وتفكيكه، وقد يقول قائل إنّ هذا الجيش لم يطلق طلقة واحدة على العدو منذ 1982، وهذا الكلام غير صحيح، فهو اشتبك مع العدو عام خلال اجتياح لبنان 1982، وهو استخدم من منتصف الثمانينات استراتيجية القتال من خارج الأسوار، ولا أحد ينفي أنه كان ظهيراً استراتيجياً لحركات المقاومة، وتحوّلت سورية إلى قاعدة لوجستية لدعم حركات المقاومة في لبنان والعراق وفلسطين، والتركيز اليوم على الجيش السوري لأنه الجيش العربي الوحيد الذي يعلن أنّ عقيدته الفعلية، تقول إنّ إسرائيل كيان غاصب وعدو، ولذا فإنّ المطلوب معاقبة هذا الجيش وتدميره وتفكيكه، وليس من مصلحة الإسرائيلي والأميركي أن تتوقف الحرب في سورية، وقد ركبوا استراتيجية خبيثة تقول إنّ القتال الدائر في سورية يدمّر مقدرات الدولة من جهة، ومن جهة ثانية يدفعون بالمتطرّفين باتجاه سورية، وبذلك يتخلصون من كلّ أعدائهم، من دون أن يخسر الأميركي أي مال أو دماء، أما ما عند الإسرائيلي فالأمر أشدّ خطورة، فهو يعلم أنّ الجيش السوري يكتسب خبرات قتالية على مساحة شاسعة من الأراضي، لذا لا يريد الإسرائيلي أن تقف الحرب لأنّ الأمر خطير عليه، فالجيش السوري اليوم هو غيره الذي كان قبل 15 آذار 2011، فهو جيش قاتل في كلّ الظروف الطبيعية، وفي كلّ البيئات، والعدو يعرف جيداً أنه لو قدر للحرب في سورية أن تنتهي سريعاً، تستعيد سورية عافيتها مع جيش مختلف».
وختم الكاتب: «ألّفت هذا الكتاب لأنّ تفوّق العدو على ضعفنا ليس أمراً محتوماً، وأنّ الصراع لم ينته، والتاريخ لم يقل كلمته الأخيرة بعد».