تركيا والخروج من «المولد بلا حمّص»!
محمد ح. الحاج
حكومة العدالة والتنمية التركية تعيش أزمة مقدمات الحرب، قرأ الكرد حقيقة النوايا التركية الهادفة إلى إقامة منطقة آمنة على الأرض السورية فوقفوا ضدّها، سقطت الهدنة بين حزب العمال الكردستاني والأتراك بالضربة القاضية، فبدأت عمليات الهجوم التركي تأخذ منحى حرب شاملة على الكرد في مناطقهم ضمن الأراضي العراقية والسورية، وهي لا تستهدف حزب العمال وحده إنما تطال وحدات الحماية الكردية، وهي عديد من فصائل كردية مختلفة، هكذا قرأت القيادات الكردية النوايا التركية بشكل صحيح وبدأت عمليات الردّ، إذاً، هي الحرب مفتوحة على كلّ الاحتمالات.
اختلاف وجهات النظر بين الإدارة الأميركية والقيادة التركية حول منطقة آمنة على الأراضي السورية وفرض منطقة حظر جوي، اختلافات جذرية، واشنطن أعلنت تنصّلها من هذا الموضوع، وقد يتطوّر الاختلاف إلى خلاف، هذا ما يقوله محللون أتراك وعرب وأجانب، وقد لا يقتصر الخلاف على الإدارة الأميركية، ألمانيا ليست راضية عن نهج الحليف التركي، ووزير الخارجية الألماني شتاينماير ينصح الأتراك بعدم هدم الجسور مع الأكراد، نصيحة قد تمثل موقفاً مستقبلياً، فألمانيا انطلاقاً من ظروف داخلية لا تقبل التفريط بالأكراد وهي تريد الحفاظ على علاقاتها مع الأتراك في آن معاً، بطيختان قد لا يمكن الإمساك بهما بيد واحدة، الأوروبيون بشكل عام ما عدا فرنسا – لا ينظرون بارتياح إلى الورطة التركية، سواء في سورية أو تجديد حربها النائمة مع الأكراد، ما قد يورّط حلف الناتو في الصراع بطريقة ما، فتكون ورطة يصعب الخروج منها.
حكومة كردستان العراق المحلية تطلب من حزب العمال إخراج قواعده خارج أراضيها، في الوقت الذي يطالب رئيس الحكومة العراقية تركيا بوقف غاراتها على الأراضي العراقية وعدم انتهاك سيادة العراق، فمن هو صاحب السلطة الشرعية في العرف الدولي؟ وهل يملك البرزاني القدرة على ضبط الشارع الكردي بينما تتعرّض قراه وتجمّعاته للقصف التركي، ويسقط من أبنائه ضحايا من نساء وأطفال وشيوخ؟ البرزاني الذي مدّد لنفسه لعامين بطرق ملتوية للحفاظ على مصالحه الشخصية وعلاقاته المشبوهة مع «السلطان» أردوغان يتجاوز التزاماته القومية، وربما يقامر بما بقي له من سمعة وظلّ قيادي بين الأكراد، فإلى متى يستمرّ شهر العسل بينه وبين أردوغان؟
الجبهة الداخلية التركية ليست في حال من التماسك يسمح لأردوغان بحرية التصرف، الأحزاب والمنظمات التركية المعارضة لسياساته تجاه سورية وتجاه الأكراد تتجاوز نسبتها نصف الشعب التركي، ولأنه فشل في نيل الأغلبية التي تمكنه من تعديل الدستور والحصول على صلاحيات مطلقة، فقد أصبح مغلول اليدين حتى في تشكيل حكومة وحدة وطنية، حال الضعف الأردوغاني يدركه الغرب ويعلم أنّ الرهان على حصان خاسر لن يكون في صالحه، وأول من يتجه لتغيير مساره حكومة أوباما التي أصبح حتمياً عليها تفضيل مصالحها الكبرى قبل الأخذ بمصالح الحلفاء الكبار وليس الصغار فقط، تركيا ودول الخليج توابع صغيرة لا تأخذ الإدارة الأميركية مصالحهم ضمن حساباتها، أميركا بدأت رحلة التكويع وتنتظر من هؤلاء أن يطأطئوا برؤوسهم كما التلامذة الصغار ويقولوا حاضر.
«داعش» يضرب في العمق التركي، وحزب العمال أيضاً، أعلن نهاية الهدنة التي أصبحت بلا معنى بعد الهجوم التركي الواسع على قواعده، وعاد يضرب ضربات موجعة، وإذ تعلن تركيا حربها على «داعش» فقد تلقى من الغرب من يدعم توجهاتها ويمدّ لها يد العون، أما الحرب على الأكراد فالأمر مختلف، في هذه الحال الجميع، وأقصد حلفاء تركيا «الناتو» يدعونها إلى الحوار وحلّ المسألة الكردية سياسياً، بمعنى أنّ الحرب على الكرد لا تلقى التأييد ولا الدعم، على العكس من ذلك قد نجد دولاً تمدّ يد العون إلى الأكراد وإنْ بطرق سرية بحيث يستمرّ ميزان القوة متقارباً… فتكون حرب استنزاف طويلة ومريرة للقوة التركية تترافق مع جبهات مفتوحة قبلاً، مفروض أن يكون العراق وسورية أول المبادرين لدعم الأكراد، وذلك كردّ منطقي مشروع على دعم أردوغان لتنظيم «داعش» الإرهابي وإمداده بالرجال والسلاح عن طريق تقديم التسهيلات وفتح الحدود والمرابع التركية بما فيها الموانئ والمطارات، ولكن، هل العراق وسورية وحدهما معنيتان بالأكراد؟ يجب أن لا ننسى أن دولاً أوروبية كثيرة ستتخذ موقفاً مماثلاً، وسيجد أردوغان نفسه ينوء تحت حمل ثقيل الوطأة لا طاقة له به.
أحلام أردوغان الوردية في التوسع جنوباً وبسط سلطته على امتداد اللواء السليب حتى اللاذقية، ووضع إدلب وحلب تحت نفوذه سقطت، حلب لن تسقط وستبقى شوكة في عينيه، والجيش السوري لم يغادر المنطقة، الحسكة تستعيد عافيتها، والهزيمة تلحق بأدوات تركيا، ودير الزور أيضاً، والأهمّ منطقة الحدود وعين العرب… ويجد «السلطان» نفسه بعد أكثر من أربع سنوات يعيش معاناة هزيمة داخلية ومراوحة في المكان، وبداية انحسار التعاطف الغربي والعربي معه، فهل يستفيد من الدروس ويبدأ بمراجعة ذاتية مع نفسه فيتصالح مع شعبه أولاً ومع الجوار الذي أعلن أنه سيكون بينه وبينه صفر مشاكل، فإذا هي ترتفع جبلاً شاهقاً وكمّاً من المشاكل لا عدّ لها ولا حصر؟ مع مصر، مع العراق، مع سورية، وحتى مع ايران، وقد تظهر في القريب إلى العلن مشاكل ليست بالحسبان مع دول أخرى أولها روسيا، وتطول القائمة إلى عدد من الدول الأوروبية إنْ استمرّ الهجوم على الأكراد أو تطوّر إلى الأسوأ، أردوغان وحزبه كتلة كبيرة من المشاكل يبدو أنها عصية على الحلّ من دون إسقاطه داخلياً.
بدأ العدّ العكسي لاجتماع الدولتين الكبيرتين، روسيا، أميركا، ومعهما السعودية، وستكون إيران الحاضر الغائب الأكبر، تحضر السعودية مثقلة بأعباء حرب عدوانية على اليمن الشقيق، هذه الحرب العبثية لم تكن نزهة، تفرضها عبر السماء وتخسرها على الأرض، حدّدت بدايتها ويستحيل عليها تحديد نهايتها، تحمّس لها البعض وشارك طمعاً في فائض المال السعودي الذي لن يبقى فائضاً إلى أمد غير بعيد، ومؤكد أنّ أغلب هؤلاء سينسحبون، قد يكون جانب من الاجتماع لبحث المخرج منها، لكن أميركا معنية بأمور أخرى كما روسيا التي قد تحاول التوسط مساعدة للسعودية على إيجاد مخرج، لكن أميركا وروسيا ستقدّمان لدول الخليج تطمينات وضمانات بعد الاتفاق النووي مع إيران، وستدفعان باتجاه علاقات طبيعية مع الدولة الجارة التي لم تترك مناسبة إلا وأعلنت عن حسن نواياها ورغبتها في إقامة علاقات طبيعية مع دول الجوار للحفاظ على أمن وسلامة المنطقة، أغلب دول الخليج سيتجاوب وبعضها له علاقات جيدة بالدولة الإيرانية، وحدها السعودية تحمل لواء المعارضة تحدوها رغبة في المنافسة على دور إقليمي ليست أهلاً له، أما الغائب الأكبر فسيكون تركيا التي سبق للسعودية أن تخلت عنها لانشغالها بالعدوان على اليمن، ولا بدّ من إدراك أنّ المزراب السعودي قد شحّ بالاتجاه التركي… هكذا يكون إغلاق الحدود قد فرض نفسه، فالعبور المأجور أصبح بلا مقابل، والتسهيلات الملاحية بلا رصيد، وربما بقي المزراب القطري الذي قد لا يستمرّ طويلاً، وهذا وحده لا يكفي بوجود أفواه مفتوحة وصناديق واسعة يصعب ملؤها!
الحكومة التركية تترقب الاجتماع، وبقلق بالغ تنتظر نتائج اللقاء الروسي الأميركي في الدولة الخليجية، تزداد ضربات قلب أردوغان وأوغلو مع العدّ العكسي ويرتفع ضغط الدم عند كليهما، وقد يردّدان في سرّهما سؤالاً مرعباً: هل سنخرج من المولد بلا حمص!؟