بري وعون ورمّانة الدورة الاستثنائية
روزانا رمّال
إنّ الكلام العالي الوتيرة المتبادل بين وزير المالية علي حسن خليل والنائب إبراهيم كنعان، حول الشأنين الحكومي والنيابي غير مسبوق في العلاقة بين التيار الوطني الحر وحليف حليفه، رغم أنّ العلاقة متوترة بين الفريقين اللذين يمثلان ميمنة حزب الله وميسرته، وهما القوة الحاسمة في المشهد اللبناني.
يمكن القول، إلى حدّ كبير، أنّ داخل التيار الوطني الحر تقييم لدور رئيس مجلس النواب لا يشبه تقييم حزب الله ولا تقييم رئيس تيار المردة أو حزب الطاشناق، الحلفاء الرسميين المباشرين للتيار الوطني الحر، فكلّ من هؤلاء يصنف الرئيس نبيه بري وحركة أمل في مقدمة الحلفاء ولا نقاش لديه حول حجم المشتركات مع الحركة ورئيسها، وهم يسلمون جميعاً بأنّ الرئيس نبيه بري في نهاية المطاف وعندما يحين الأوان هو من سيتولى تسييل صمود وثبات الحلفاء ومصادر قوتهم لتحويلها إلى أوراق متداولة في سوق السياسة الدولية والإقليمية، وفي التفاوض الحار والبارد مع الخصوم، وحزب الله هو الذي فعل ذلك في حرب تموز، بينما كان الأميركيون وفريق الرابع عشر من آذار يراهنون على بري كحصان طروادة سيفرض الاستسلام على حزب الله عندما ينجح «الإسرائيلي» في الضغط العسكري المؤلم وينجح الأميركي في إغلاق الفرص السياسية، كان حزب الله يرسم تقاسم أدوار بين اللعبة التي يديرها هو في الميدان واللعبة التي يديرها بري في السياسة. وعلى عكس الحلفاء الواثقين بخيارات بري والمعجبين بمواهبه التفاوضية والمؤمنين بصدقية الخيارات عنده، يتصرف التيار الوطني الحر ورئيسه بقلق وخشية من هذه اللحظة، ويميل إلى اعتقاد أنّ خيارات بري الحقيقية تجعله جاهزاً للمقايضة على حلفائه بمكاسب وحصص وحسابات، ضمن تقاسم آخر مع حليفه النائب وليد جنبلاط وحليف حليفه الرئيس سعد الحريري لإعادة تكوين تقاسم للسلطة ومغانمها.
في داخل التيار قراءة قوامها أنّ بري يرتاح إلى اهتمام حزب الله بقضية المقاومة وتغليبها على الدخول في محاصصة الحكم والمناصب، فتقوم معادلته على حفظ مطالب حزب الله الضامنة للمقاومة بحدود ما تنتزعه قدرة حزب الله أصلاً، مقابل تنازل حزب الله له عن كامل الحصص المشتركة التي تمثل الطائفة الشيعية في الدولة ومؤسساتها، بينما هذا ليس هو حال التيار الوطني الحر الآتي أصلاً ليضرب بيده على الطاولة لتخريب القسمة المعمول بها في المحاصصة السياسية والطائفية منذ اتفاق الطائف ، بدءاً من استعادة حصة المسيحيين لمن يمثلهم وإعادة توزيع الحصص بينهم على أساس هذا التمثيل.
وفي المقابل، في حركة أمل من يرى أنّ التيار الوطني الحر الذي يسجل على الحركة ورئيسها ما يصفونه بتقاسم معادلة حماية المقاومة مقابل احتكار تمثيل الطائفة في الدولة وأنه لا يعمل مع حزب الله إلا وفقاً لهذه المعادلة، فحركة أمل ليست من القوى التي كانت على ضفة القوى المتربصة بسلاح المقاومة وأعادت التموضع ، بل كانت من الذين يستهدفهم المتربصون بالسلاح الذي كانت أول من رفعه تحت راية المقاومة، لكنّ واقع الحال أنّ التيار الوطني الحر، مقابل التغطية المسيحية للمقاومة، يريد استعمال قوة حزب الله ومكانته وفقاً لمقايضة عنوانها: إذا كنتم لا تريدون صرف قوتكم لحسابكم فدعونا نصرفها لحسابنا.
يتبادل الفريقان في مجالسهم اتهامات كثيرة حول التورط في محاصصات النظام السياسي والمالي ومنافعه، ويردّ كلّ من الفريقين على اتهامات الآخر: هاتوا دليلكم. كذلك يتبادل الفريقان التهم حول التراكض لتقديم أوراق الاعتماد للخارج، وخصوصاً الأميركي والسعودي وهي علاقات لا ينفيها الفريقان عند سؤالهم عنها ويبرّرونها تحت شعار خصوصية الموقع والدور.
في الملف الرئاسي، يقول العونيون إنّ ميل بري ليس نحو ترشيح عون، رغم مسايرته وسيره به علناً، ويرون أنّ هناك حلفاً يقوده بري يشتغل لإفشال هذا الترشيح ومنع تحوله إلى خيار ورهانه على الوقت والتعب والتسويات الإقليمية، بانتظار لحظة تخلي حزب الله عن ترشيح عون.
العلاقة بين الرئيس بري عون ليست كما يرام ولم تنكسر، هذه هي المعادلة منذ فترة غير قصيرة، وفي كلّ مرة ينجح حزب الله في تسوية موقتة ترمم ما بدأ يبدو معرضاً للانكسار من دون التورط في الرهان على بناء علاقة متماسكة، ولا يخشى حزب الله من إدارة هذه العلاقة في حال نجاح مساعي إيصال عون إلى الرئاسة وهو يثق بأنّ الرئيس بري سيبذل جهوده لإنجاحه في الوقت المناسب، ويرفض الحزب المقولة التي يردّدها بعض رموز التيار عن أنّ بري سيسير مجبراً بذلك وأنه لا يستطيع رفض طلبات حزب الله بالقول إنّ الخيار الرئاسي الذي لا يحوز رضى الرئيس بري لا يبصر النور وبري صادق في تبني ترشيح عون رغم كلّ المناكفات التي تعبرعن موقعين مختلفين لكن غير متصادمين.
جولة الحماوة الأخيرة بين خليل وكنعان تأتي تحت سقف صياغة تسوية للآلية الحكومية وملف التعيينات والدورة الاستثنائية لمجلس النواب، وفي ملف الدورة يربط بري النزاع للحصول على يد طليقة بلا شروط في وضع جداول أعمال جلسات المجلس وحماية داره ومنصته ومنبره من الشروط المسبقة.
يريد فريق الرابع عشر من آذار أن تكون القلوب المليانة قد كسرت العلاقة ويعمل حزب الله لتكون رمانة الدورة الاستثنائية.