المرصد

هنادي عيسى

يعيش الشعب اللبناني تناقضاً غريباً في حياته اليومية، وتحديداً في هذه الفترة. فالأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية تنغّص حياته، خصوصاً بعد تفاقم أزمة النفايات واحتلالها شوارع لبنان. ومن جهة أخرى، هناك عشرات المهرحانات الفنية التي تقام في مختلف المناطق اللبنانية، ومنها في بعلبك والأرز وإهدن وبيروت وبيت الدين وجبيل والبترون، وعشرات غيرها استقطبت فنانين عالميين أمثال آزنافور وميراي ماتيو وغلوريا غينر وسيلفادرو سافينا، إضافة إلى نجوم عرب منهم: كاظم الساهر وماجد المهندس وآخرين، هذا عدا عن الفنانين اللبنانيين الذين ما زالوا يحيون الحفلات يومياً.

وما الإقبال الكثيف على هذه المهرحانات والحفلات إلا دليل واضح على أنّ اللبناني يعيش انفصاماً عن واقعه. فهو محروم من أدنى مستويات الحياة العادية المتعلقة بالكهرباء والمياه والتخلص من النفايات. صرخات الناس نقرأها طوال النهار على مواقع التواصل الاجتماعي، أو نتابع بعض التحرّكات الخجولة في الشارع احتجاجاً على واقع مأزوم، بفضل طبقة سياسية تعبث بأرزاق الناس منذ سنوات طويلة. أما ليلاً، فنجد معظم الشعب اللبناني في الحفلات والمهرحانات وحتى في الملاهي الليلية الصغيرة، ربما هرباً من واقع أليم يجب تغييره.

هناك من يرى أنّ هذا التناقض في حياة اللبناني نعمة جعلته يصمد حتى الآن، على رغم كلّ الأزمات التي تعصف بالبلد منذ أربعين سنة. ومنهم من يراه شعباً مخدّراً لا يستطيع فعل شيء في واقعه، فيختبئ وراء عالم الفن الذين يُنسيه همومه ولو لساعات قليلة، لأنه مدرك أن قرار استقراره ليس بيد زعمائه القابعين على الكراسي، إنما بيد صنّاع القرار في الخارج. لذا، لا خيار أمام هذا الشعب إلّا التأقلم مع انفصامه، فربما تُفرَج يوماً ما!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى