حصة لبنان من الاتفاق النووي؟

إنعام خرّوبي

منذ توقيع الاتفاق النووي بين إيران والسداسية الدولية، تزاحمت دول العالم والشركات الدولية الكبيرة للدخول إلى السوق الإيرانية، في شكل غير مسبوق، بعد تسع سنوات من العقوبات، وبعد مفاوضات شاقة وصعبة أفضت إلى الاتفاق الذي اعتبر إنجازاً تاريخياً.

وتترقب الأوساط الدولية مزيداً من الانفراجات والانفتاح الاقتصادي في هذا البلد الذي يقدّر حجم اقتصاده بنحو 370 مليار دولار، والاستثمارات الضخمة مع عودة الشركات الأجنبية إلى طهران، وخصوصاً في مجالات النفط والطاقة، بحيث تستعدّ إيران لإعادة مستوى إنتاجها من النفط إلى 3,6 ملايين برميل من 1,2 مليون برميل حالياً. كما يتوقع مراقبون زيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة بما قيمته 3,5 مليارات دولار سنوياً.

وبما أنّ لبنان كأيّ دولة من دول العالم التي سيكون للاتفاق انعكاسات إيجابية عليها، وفي ظلّ انشغال الحكومة بملفاتها الشائكة وخلافاتها، يستعدّ القطاع الخاص اللبناني لتلقف هذه الفرصة ودخول هذه السوق الواعدة الزاخرة بالطاقات الاقتصادية والثروات النفطية والمعدنية، بالإضافة إلى سوق استهلاكية تضمّ نحو 80 مليون نسمة، إلا أنه يترقب مراحل تنفيذ الاتفاق قبل رفع العقوبات فعلياً، وخصوصاً أنّ إيران تحتاج بعد سنين من العقوبات إلى إعادة استنهاض الدورة الاقتصادية، وتفعيل الاستثمارات في قطاعات مختلفة وخصوصاً الصناعة والزراعة والسياحة والخدمات والمقاولات والمعلوماتية والمصارف.

وعليه فإنّ الاهتمام اللبناني بهذا الاتفاق وكيفية الاستفادة منه لتحسين الوضع الاقتصادي اللبناني، لا يزال محصوراً بالقطاع الخاص، رغم أنّ لبنان يرتبط منذ العام 1997 بعدد من الاتفاقيات والبروتوكولات المالية والاستثمارية والسياحية والتجارية مع إيران، وقد شهدت تلك المرحلة زيارات لمسؤولين لبنانيين إلى طهران وأبرزهم الرئيس العماد إميل لحود، والرئيس رفيق الحريري، وفي المقابل شهد لبنان زيارات لوفود إيرانية وشخصيات وأبرزهم الرئيسين محمد خاتمي ومحمود أحمدي نجاد. وقد عرضت الجمهورية الإسلامية المساعدة في قطاعات مختلفة كالكهرباء والطاقة والبنى التحتية، من دون أن ننسى الهبة العسكرية للجيش اللبناني، إلا أنّ الانقسامات السياسية ورفض بعض القوى تعامل الحكومة اللبنانية مع إيران عرقل مسار الأمور وأعاق عملية وضع البروتوكولات على سكة التنفيذ.

هناك العديد من المعطيات التي يمكن أن يستفيد منها لبنان بعد توقيع الاتفاق، فعودة إيران إلى أسواق النفط العالمية، بالقوة والزخم المتوقعين، ستؤدي حتماً إلى زيادة حجم النفط المعروض وبالتالي انخفاض أسعار برميل النفط ما يؤدي إلى تقليص فاتورة لبنان الطاقوية ما ينعكس إيجاباً على إنتاج الكهرباء وخفض الأكلاف التي تتكبّدها المصانع والمعامل والمؤسسات، بحيث تشكل كلفة الطاقة نحو 30 في المئة من إنتاج بعض السلع. لذا، تبدو الإرادة الرسمية في تطوير العلاقة مع إيران على هذا الصعيد مطلوبة وملحّة، واختباراً جدياً لنوايا الحكومة في تقديم حلول ناجعة لأزمات قطاع الطاقة المزمنة في لبنان، مع العلم بأنّ هناك عرضاً مقدّماً من الجانب الإيراني لبناء معمل لإنتاج كهرباء بسعة ألف ميغاواط بكلفة 700 مليون دولار، لفترة تمتدّ إلى 18 شهراً بشروط ميسّرة وطويلة الأجل. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ هذا البلد الصغير يحتاج إلى أسواق جديدة لمنتجاته الزراعية والصناعية، وخصوصاً الصناعات الغذائية، لا سيما في ظلّ أزمة التصدير التي يعانيها منذ بدء الأزمة السورية والتي تفاقمت بعد إقفال معبر جابر نصيب الأردني.

وعلى ضوء استعادة الجمهورية الإسلامية لأكثر من 100 مليار دولار من أرصدتها المجمّدة، بما يعنيه من فرص استثمارية واسعة، تتجه الأنظار إلى القطاع المصرفي والسياحي في لبنان الذي، وعلى عكس قطاعي الزراعة والصناعة، يمثل الجانب الأبرز والأكثر جاذبية في الاقتصاد اللبناني. فيما يتعلق بتطوير العلاقات المصرفية مع إيران، تشكل عوامل ضعف القطاع المصرفي في إيران، وقوّته لبنانياً نقطة الانطلاق في تنمية شراكة تكاملية قوامها رساميل إيران وخبرات لبنان، وإنْ كانت الأرقام حول الاستثمارات المتبادلة والعلاقات التجارية والمصرفية لا تعطي مؤشرات انفراج حقيقي إلا على المديين المتوسط والطويل. أما بخصوص العلاقات السياحية، فالفرص كبيرة والعقبات أكبر لعلّ أبرزها في الطابع السياسي الديني الذي تُقدم فيه إيران غالباً، من هنا كانت أغلب الحركة اللبنانية السياحية باتجاه طهران لأسباب تطغى عليها الاعتبارات الدينية على حساب أي اعتبارات أخرى.

في المحصلة، على لبنان أن يتلقف هذه الفرصة الذهبية لتحسين واقعه ورفع مستوى العلاقات الاقتصادية مع إيران وتحسين واقع التبادل التجاري بين البلدين الذي لم يتعدّ في أحسن الأحوال الـ 100 مليون دولار، فيما تفتح الفرص الواعدة الطريق لجعل هذا الرقم أضعافاً مضاعفة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى