قنبلتا أميركا الذريتان وما سبّبتاه من «موت سعيد»
د. جورج جبور
ولدت فكرة كتابة هذه الأسطر لدى قراءتي الكلمات الأولى من المقطع الثالث من مقال عنوانه «بعد القنبلة الذرية الثانية». ماذا تقول تلك الكلمات الأولى؟
«شهد الجنرال ليسلي غروفز، مدير مشروع مانهاتن، وهو المشروع الذي طوّر القنبلة الذرية، شهد أمام مجلس الشيوخ الأميركي، انّ الموت بالإشعاع الذرّي عالي المنسوب إنما هو «موت لا ينتج عذاباً كبيراً»، بل هو «طريقة سعيدة جداً للموت». انتهى الاقتطاف.
المقال مراجعة لكتاب بالانكليزية عنوانه: «ناغازاكي: الحياة بعد الحرب النووية». من الطبيعي انّ الكتاب قد ظهر مؤخراً لأنّ المراجعة منشورة في جريدة يومية تتابع أخبار الكتب. الجريدة هي «الانترناشنا نيويورك تايمز». والتاريخ هو العدد المزدوج: 1 و 2 آب 2015. اسم المؤلفة: سوزان ساثارد. أما المراجع فهو ايان بوروما، المدرّس الجامعي. والناشر هو قايكنغ. الكلّ أميركيون. ورد المقتطف في الكتاب. قراءة المقتطف تشعر القارئ بوحشية الجنرال الشاهد أمام مجلس الشيوخ. بل تشعره بنوع من التواطؤ في الوحشية بين الشاهد وبين من يؤدّي الشهادة أمامهم.
لم يكن في حسباني أن أكرّر الكتابة في المأساة التي شهدها العالم يومي السادس والتاسع من آب 1945، حين ألقت أميركا قنبلتيها الذريتين على هيروشيما وناغازاكي. كتبت الكثير. طالبت بالكثير. وحين زرت هيروشيما سجلت انّ من الواجب تغيير ما كتب على النصب التذكاري المقام هناك. بدا لي أنّ الكلمات على اانصب تكاد تدلّ على جرم ارتكبه من ألقيت عليه القتبلتان. لم يكن في حسباني أن أكرّر الكتابة والمطالبات. إلا أنّ الكلمات الأولى من المقطع الثالث جعلتني أتغلّب على قرار رفض الكتابة. ثمة، بعد ما قرأت، صيحة جديدة ينبغي أن تطلق.
وأطلقها هكذا وبالترتيب. ففي البداية علينا التأكد من انّ ما ورد في الجريدة، نقلا عن الكتاب، دقيق. ثم علينا بعد ذلك أن نبحث عن حرفية شهادة الجنرال في سجلات مجلس الشيوخ. ثم علينا ان نتابع ردود فعل الشيوخ، ونتابع بعد ذلك ردود فعل من عرف بالشهادة من وسائل الإعلام. هل أثارت شهادة الجنرال ما ينبغي ان تثيره لدى أطباء اميركا؟ لدى مفكريها وفلاسفتها؟ لدى أدبائها وشعرائها؟ هل سمعوا وصمتوا. هل صمتهم أشبه ما يكون بالتواطؤ؟
تلكم البدايات. اما النهايات عندي فأوضح. حاز رئيس اميركا الحالي جائزة نوبل للسلم مباشرة بعد بدء عمله. لن اخوض الآن في تقييم أدائه. أطلب منه، وقد لا يكون قد اطلع في السابق على ما جرى في مجلس الشيوخ، إلا أنّ باستطاعته الآن أن يقرأ ما قرأت في جريدة اميركا الاولى دولياً، اطلب منه موقفاً، رغم مضيّ سبعين عاماً على إلقاء القنبلتين، وربما على شهادة الجنرال السعيد بـ«الموت السعيد».
أطلب من الرئيس أوباما أن يتحدّث عن إلقاء القنبلتين من مكتبه في البيت الأبيض. أطلب منه أن يعبّر عن اشمئزازه مما ورد في شهادة جنرال أميركي حبّب للناس أن تحرق بالذرة، مُزيّناً ذلك الاحتراق بأنه «موت سعيد».
أودع هذه الاسطر جريدة لبنانية عربية اللغة. قد تحالفني الريح – كما في تعبير لمحمود درويش – فيرسو طلبي في مرتبة عليا من جدول أعمال الرئيس الاميركي أيام 6 9 آب 2015.
رئيس الرابطة السورية للأمم المتحدة