أيتام أميركا ولطم الخدود والفعل الروسي

محمد احمد الروسان

تسعى أميركا ومعها الغرب الأوروبي عبر الاتفاق النووي، إلى تغيير طبيعة النظام السياسي في إيران، عبر الطبقة الوسطى الفاعلة في المجتمع الإيراني، كمقدّمة لإنهاء البرنامج النووي الإيراني وعبر إطلاق العنان وافساح المجال السياسي لطهران وإدماجها في بيئة الاقتصاد العالمي، والاعتراض «الإسرائيلي» الصهيوني هنا: هو أنّ هذا يحتاج إلى وقت طويل ومثابرة وهذا لا يصبّ في الصالح الاستراتيجي «الإسرائيلي» مع وجود نخب سياسية وعسكرية واستخبارية واقتصادية إيرانية تلتفّ حول الدولة الإيرانية وولاية الفقيه.

التسكين الأميركي ـ الإيراني لا يخدم «إسرائيل»

ونظرة «إسرائيل» الصهيونية أنّ اتفاق إيران يعزّز مكانة إيران كقوّة نفوذ في منطقة البحر الأبيض المتوسط، ويقود إلى تقاربات ومزيد من العلاقات مع غالبية الشعب الأذري في شمال إيران حيث أذربيجان، والى تفاهمات خاصة وجديدة مع باكو حول مخزونات بحر قزوين في الشمال الإيراني للتوصل، إلى اتفاقيات إطار قانونية مع الدول الأربعة الأخرى المطلة عليه وهل هو بحر أم بحيرة؟ كذلك إلى تفاهمات إيرانية أذربيجانية حول الوجود العسكري والاستخباري «الإسرائيلي» المستتر في الداخل الأذربيجاني. «إسرائيل» الصهيونية تسعى إلى توظيفات لاتفاق إيران النووي الموقت وتعمل عليها، للحصول على ثمن ما غير واضح في مجمل الصراع العربي ـ «الإسرائيلي» وخاصةً على المسار الفلسطيني «الإسرائيلي»، خاصة مع عودة بنيامين نتنياهو إلى الحكم للمرة الرابعة على التوالي، كأن يكون مثلاً بقاء المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة، تفاهم حول القدس، والتقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى، وحول كلّ موضوعات الحلّ النهائي بما فيها اللاجئين والنازحين، وأنّه في حالة عدم منح «إسرائيل» هذا الثمن فسوف تعمل على إعاقة الاتفاق عبر أدواتها في الداخل الأميركي وفي الكونغرس وغيره من مؤسسات الدولة الأميركية وعبر أدواتها في الخارج الأميركي وفي أوروبا، الاّ في حالة واحدة محتملة وهي رفض الحكومة الأممية البلدربيرغ الأميركي التوجهات الصهيونية!

وترى «إسرائيل» الصهيونية في الاتفاق النووي مع إيران، أنّه أشّر إلى استمرار النسق السياسي السوري وإجراء الانتخابات السورية في 3 حزيران من عام 2014، وبقاء الرئيس لقيادته المرحلة الانتقالية المقبلة والتي يمكن أن تنتجها أي عملية سياسية تسووية مقبلة، واتفاق إيران أدخل الدول العربية المطلة على الخليج في دائرة الخطر الاستراتيجي، والتمهيد للثورات فيها لإحداث التغييرات المطلوبة أميركيّاً، وهذا ما لا تريده «إسرائيل» الصهيونية الآن على الأقلّ. «تل أبيب» الصهيونية ترى أنّ إيران قدّمت تنازلات في الهوامش ونسب التخصيب وتفاصيل أخرى لا تعيق حقها في التخصيب الذي شرعنه الاتفاق في جنيفها الموقت، وأنّ الاتفاق النووي فقط أبطأ جوهر مشروعها.

«إسرائيل» الصهيونية ترى أنّ اتفاق إيران يعني استخدام الجمهورية الإسلامية الإيرانية لأوراقها السياسية، وأدواتها العملياتية في داخل باكستان وأفغانستان ومع حركة طالبان أفغانستان وطالبان باكستان، لتسهيل عمليات انسحاب جزئية لبعض القوّات الأميركية من أفغانستان مع عدم عرقلة ومواجهة المصالح الأميركية هناك، وهذا من شأنه أن يقود إلى حالة من التسكين على طول خطوط العلاقات الأميركية الإيرانية، وهذا لا يصب في الصالح الإسرائيلي الصهيوني.

تتحدّث المعلومات، وبعد توقيع اتفاق فيينا بين إيران والسداسية الدولية وبالرغم من ذلك، أنّ مؤسسات القرار السياسي والأمني في واشنطن تفكر وبجدية متناهية إقامة مظلة دفاعية من أجل حماية حلفائها في منطقة الخليج العربي خاصةً، والشرق الأوسط عامةً مما يسمّى في المجتمع الدولي الولايات المتحدة الأميركية وفي وسائل الميديا العالمية بالخطر النووي الإيراني، حيث تبذل العاصمة الأميركية واشنطن دي سي وحلفاؤها، قصارى جهدهم من أجل منع إيران من الحصول على القدرات النووية، بما فيها القنبلة النووية والتي لا تسعى إليها ولا تريدها إيران، والأخيرة باعتهم قنبلة نووية لا تملكها، لقاء رفع عقوبات «لا تستحقها» عبر اتفاق فيينا الأخير، على حدّ قولهم.

ومع كل ذلك، قرّرت واشنطن أنه إذا استمرت طهران في برنامجها النووي من دون أي أثر على عملية إبطائه عبر اتفاق فيينا، وصار ومن الزاوية الأميركية حصولها على القدرات الحربية النووية أمراً واقعاً لا فرار منه، فإنّ واشنطن ترى أنّ الحلّ يكمن في خيار نشر القدرات النووية الأميركية في المنطقة، لحماية حلفاء أميركا وحماية المصالح الأميركية الحيوية ليُصار إلى ابتزاز الجميع ومن جديد.

لقد وجدت واشنطن في استخدام الخطر النووي الإيراني، «الفزّاعة المناسبة التي فتحت أمامها نافذة الفرصة لنشر قدراتها العسكرية النووية وبشكل مكثف في الشرق الأوسط، مما يتيح لها وضع منطقة الشرق الأوسط بشكل نهائي وأخير تحت السيطرة العسكرية الأميركية، وبالتالي يجعل هذه المنطقة خطّاً أحمر أو «تافو» محرّم على القوى الدولية الأخرى كروسيا الاتحادية والصين والاتحاد الأوروبي.

وعبر هذه «الفزّاعة» الإيرانية النووية وتضخيمها بجانب اتفاق فيينا ، تستطيع العاصمة الأميركية واشنطن دي سي، من توسيع نطاق انتشار القواعد العسكرية الأميركية في المناطق ذات الأهمية والحساسية الفائقة إزاء السيطرة على النظام الدولي، بعد أن فشلت الولايات المتحدة الأميركية ومن ارتبط بها من العربان في إسقاط النسق السياسي السوري، وبالتالي هي تسعى وعبر نشر قواعدها العسكرية والنووية، لوضع إيران تحت السيطرة الأميركية، بما يتيح لواشنطن لاحقاً القيام بعملية احتواء النظام الإيراني، وتعزيز القدرات العسكرية للقيادة الوسطى الأميركية، بما يتيح لها قدرة أكبر في السيطرة على المسرح الشرق الأوسطي، لجهة الردع والحسم السريع لكافة أشكال وأنواع المهددات الماثلة والمحتملة.

مصادر عليمة أمنية وسياسية وعسكرية، تتحدث عن معلومات حول المجمّع العسكري الصناعي الحربي الأميركي، وشركات سلاح أميركية وغربية ذات صفة أممية، مارست ضغوطاً كبيرة على الإدارة الأميركية الحالية، لكي يتمّ توقيع الاتفاق النووي مع إيران وتذليل كافة العقبات، واعتماد مبدأ موازنة القدرات العسكرية النووية الإيرانية، بنشر المزيد من القدرات العسكرية النووية الأميركية، لأنّ دراسات الجدوى التي تفحّصها خبراء هذه الشركات أكدت أنّ الشركات العسكرية الأميركية وكيانات المجمع الصناعي الحربي الأميركي، ستحصل على إيرادات مالية لا مثيل لها إذا ما استطاعت واشنطن توظيف فزّاعة الخطر النووي الإيراني بجانب توقيع اتفاق فيينا مع إيران، وجعل بلدان الخليج تذهب إلى سباق تسلح إقليمي واسع النطاق السعودية تسعى الآن الى امتلاك قدرات نووية عبر التعاون مع روسيا من خلال، ما تمخضت عنه زيارة ولي ولي العهد وزير الدفاع السعودي إلى موسكو مؤخراً ، حيث هذا السباق في التسلّح، يتم على خلفية قيام واشنطن بنشر قدراتها العسكرية في المنطقة طالما أنّ ذلك يؤدّي إلى إلزام دول الخليج بتمويل نفقات القواعد العسكرية الجديدة وفي العراق، مع بيع المزيد من العتاد والأسلحة الأميركية المتطورة لدول الخليج فخ اليمن كذلك جعل دول الخليج وبقية حلفاء أميركا العرب بالدخول في روابط واتفاقيات استراتيجية مع واشنطن، لكي تكون وعلى وجه التمام مثل اتفاقيات حلف شمال الأطلسي الناتو والتي ظلّت على مدى أكثر من ستين عاماً وأزيَد، تفرض القيود والالتزامات على بلدان غرب أوروبا.

حرب باردة جديدة!

إشعال حرب باردة جديدة في الخليج العربي والشرق الأوسط عبر الحدث السوري والحدث النووي الإيراني، بشكل يتيح لأميركا ربطها مع الحرب الباردة في الباسفيك ضدّ الصين، والحرب الباردة في وسط وشرق أوروبا ضدّ روسيا الاتحادة، بما يفتح المجال أمام حرب باردة عالمية جديدة توفر الغطاء لمساعي واشنطن من أجل إعادة تشكيل الخريطة الجيو سياسية العالمية، تعبئة بلدان الخليج وحلفاء واشنطن الشرق أوسطيين للانخراط إلى جانب واشنطن في المواجهات الدولية والإقليمية، وعلى وجه الخصوص المواجهة الأميركية الصينية والمواجهة الأميركية الروسية.

بالرغم من اتفاق السداسية الدولية مع إيران في فيينا، فانّ نواة الدولة الأميركية البلدربيرغ الأميركي قرّرت إبقاء ما يسمّى بالخطر النووي الإيراني، لفترة طويلة مقبلة هو الخيار الأنسب والأفضل لا بل الأمثل بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها، إنْ لجهة استخدامه كغطاء لتنفيذ أحد أهمّ المخططات الأميركية الساعية للسيطرة على العالم، حيث كلما كان الخطر النووي الإيراني موجوداً، كلما وجدت المبرّرات لاستخدامه كغطاء في تنفيذ متطلبات عملية التظليل الاستراتيجي الواسعة النطاق ضدّ بلدان المنطقة، كذلك توافر القدرات العسكرية النووية الأميركية في الخليج والشرق الأوسط، هو توافر لن يؤدّي إلى ردع واحتواء الخطر النووي الإيراني، وإنما إلى ردع واحتواء القدرات العسكرية التقليدية العربية ومنعها من التحوّل إلى قدرات غير تقليدية حماية لـ«إسرائيل» الطارئة على كلّ شيء في المنطقة.

وتسعى أميركا إلى بناء تحالف عسكري في الخليج والشرق الأوسط كما هو الحال في تجربة حلف الناتو، مع إطلاق محادثات سريّة لا مفاوضات لما يسمّى بالسلام في الشرق الأوسط، والتي تشي كلّ المعلومات السياسية والإعلامية والاستخبارية في وسائل الميديا العالمية، أنّها محادثات ليست للتسوية وإنما لتصفية القضية الفلسطينية برمّتها راجع تحليلنا السابق: تداعيات ومفاعيل استراتيجيات شيطنة غزّة عبر ما يسمّى بالسلام الإقليمي، وجعل مطبخ القرار في الأردن يفكر من الآن بما يسمى بالحدود المعقولة لتوطين اللاجئين والنازحين لديه، ودمجهم في المجتمع الأردني مع تغيير قواعد اللعبة السياسية الداخلية، مع غياب تامّ لأية ضمانات دولية في هذا السياق، والذي يجد آذاناً صاغية في إدارة أوباما الديمقراطية بشكل معمّق إنْ بقيت في الانتخابات القادمة كإدارة ديمقراطية وانْ رحلت، كما يجد ذات الآذان لتنصت إنْ كانت الإدارة جمهورية.

لقد تحدثنا ومنذ بدء عمل هذه الإدارة الأميركية الديمقراطية بالفترة الأولى والثانية، والتي أوشكت على الدخول في حالة البطة العرجاء لجهة اتخاذ القرارات الاستراتيجية في بداية شباط 2016، تمهيداً للرحيل أو التجديد بمرشح آخر أو مرشحة أخرى، لا بل قبل أن تبدأ: أنّ إدارة أوباما صحيح أنّها ديمقراطية، إلا أنها بأجندة جمهورية لأربع سنوات مقبلة أنظر إلى جغرافية ما يسمّى بالربيع العربي من تونس إلى مصر، فليبيا إلى سورية، ولبنان وفلسطين، والعراق، وما يحضّر للجزائر والمغرب، وموريتانيا حيث النفوذ الاقتصادي الإيراني فيها، عبر الاستثمارات في الثروة السمكية الهائلة والأميركان يريدون استهداف هذا النفوذ والأردن، فكلّ جغرافية هذا الربيع العربي في عيون استراتيجيات الخداع الأميركية، إنْ لجهة الديمقراطي، وانْ لجهة الجمهوري، طالما أنّ المشغّل واحد هو البلدربيرغ الأميركي، وهي أيّ إدارتي أوباما أخطر على الشرق الأوسط، وقضية الصراع العربي ـ «الإسرائيلي» وجوهره القضية الفلسطينية، وعلى العالم من إدارتي بوش الجمهوري.

محام، عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية

www.roussanlegal.0pi.com

mohd ahamd2003 yahoo.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى