الطائف… تتمة الإصلاحات السياسية
حسين ماجد
يتابع الاستاذ حسين ماجد تشريح وثيقة الوفاق الوطني التي أقرّها النواب اللبنانيون في مدينة الطائف السعودية عام 1989، ثم عادوا وكرّسوها دستوراً عام 1991.
ز- إلغاء الطائفية السياسية
إلغاء الطائفية السياسية هدف وطني أساسي يقتضي العمل على تحقيقه وفق خطة مرحلية، وعلى مجلس النواب المنتخب على أساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين اتخاذ الإجراءات الملائمة لتحقيق هذا الهدف وتشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية، تضمّ بالإضافة إلى رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء شخصيات سياسية وفكرية واجتماعية، مهمة الهيئة دراسة واقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية وتقديمها إلى مجلسي النواب والوزراء ومتابعة تنفيذ الخطة المرحلية. ويتمّ في المرحلة الانتقالية ما يلي:
أ- إلغاء قاعدة التمثيل الطائفي واعتماد الكفاءة والاختصاص في الوظائف العامة والقضاء والمؤسسات العسكرية والأمنية والمؤسسات العامة والمختلطة والمصالح المستقلة وفقاً لمقتضيات الوفاق الوطني باستثناء وظائف الفئة الأولى فيها وفي ما يعادل الفئة الأولى فيها، وتكون هذه الوظائف مناصفة بين المسيحيين والمسلمين دون تخصيص أية وظيفة لأية طائفة.
ب- إلغاء ذكر الطائفة والمذهب في بطاقة الهوية.
ويبقى في الإصلاحات السياسية قضية «إلغاء الطائفية السياسية التي كرستها المادة «95» من الدستور اللبناني،
والتي تعتبر إلغاء الطائفية السياسية هدفاً وطنياً يقتضي العمل على تحقيقه.
خمسون عاماً تقريباً، مضت على أمنية «ظهور الساعة المباركة، وتلغى الطائفية» ولم تظهر هذه المعجزة، بل تمّت تجزئتها، لتسهيل حضورها، وتغيير الإسم من أمنية إلى هدف، وكلف المجلس النيابي تحقيق هذا الهدف.
الطائفية هي المرض المزمن، الذي يغذي الجسم اللبناني وفي الوقت ذاته يتغذى من هذا الجسم منذ حوالي قرنين من الزمن، وقد تعاونت على رعاية الطائفية قوى داخلية وخارجية تحقيقاً لمنافع فئوية ومكاسب سياسية، وفي طليعة
هذه القوى، رجال الإقطاع، ورجال الدين، والأميران فخرالدين المعني وبشير الشهابي اللذان لم نعرف إلى أية طائفة ينتمي كلّ منهما، وإلى جانب هؤلاء وقفت القوى الخارجية من أتراك وقوى استعمارية أوروبية، ففرنسا تحمي الموارنة والكاثوليك، وانكلترا الدروز، وروسيا الأرثوذكس، والنمسا توزع 9000 ليرة ذهبية على المسيحيين بعد أحداث العام 1840. وأدخلت الطائفية في النصوص في عهدي المتصرفية والقائمقاميتين، بعد أن أدخلوها في الرؤوس والنفوس، وتوالت الأحداث بين الموارنة والدروز 1840، 1841، 1845، وصولاً إلى العام 1859، ونقل الصراع من إطاره القيسي- اليمني، واليزبكي الجنبلاطي، إلى صراع طائفي ومذهبي، وتجدّدت الاشتباكات بعد 100 سنة في العام 1959، ثم في العام 1975، وما زال لبنان يعاني من ارتداداتها، وطبعاً الى جانب الاحتلال الصهيوني واعتداءاته، يُضاف اليها أخيراً خطر الإرهاب الدولي في المنطقة وعلى حدوده.
ومن المفيد الإشارة أيضاً إلى أنّ النظام الطائفي قد فرض على اللبنانيين بمختلف الأساليب والوسائل المتاحة، وباستغلال
الأخطاء الاستراتيجية المرتكبة، وبدعم من القوى الخارجية القادرة، بحيث ان جميع استطلاعات الرأي العلمية الميدانية تجمع على أنّ 33 في المئة من اللبنانيين مع العلمنة الشاملة مقابل 55 في المئة، وانّ 77 في المئة مع إلغاء الطائفية السياسية مقابل 13 في المئة، وانّ 70 في المئة مع إلغاء ذكر الطائفة والمذهب في بطاقة الهوية مقابل 20 في المئة، وانّ 93 في المئة مع اعتماد الكفاءة في الوظائف العامة مقابل 7 في المئة.
لم تحدّد الفقرة أعلاه نوعية الإجراءات الملائمة التي على المجلس اتخاذها، ولم تذكر المدة الزمنية المتاحة للقيام بها،
وهل عبارة «على المجلس» هي ملزمة، وعدم إجرائها بمثابة عدم احترام للدستور، يوجب المحاسبة والمساءلة؟
أما الهيئة الوطنية التي يرأسها رئيس الجمهورية، فلم يتحدّد من سيشكلها، ومتى سيتمّ هذا التشكيل، ومن غير المفيد للقارئ الحديث عن هذا الموضوع، لأنّ مجلس المناصفة المسيحية الإسلامية الفعلي لم يُنتخب بعد، وانّ المجلس الصوري لم يتخذ أية إجراءات لتحقيق الهدف المنشود. ولم يبادر الى تشكيل الهيئة الوطنية لدراسة واقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية.
أ – من المسؤول عن تنفيذ المرحلة الانتقالية التي تتضمّن إلغاء قاعدة التمثيل الطائفي واعتماد الكفاءة والاختصاص في الوظائف العامة، الهيئة الوطنية، أو المجلس النيابي؟ وكيف تعتمد الكفاءة والاختصاص وفقاً لمقتضيات الوفاق الوطني. أما عبارة «هذه الوظائف مناصفة بين المسيحيين والمسلمين دون تخصيص أية وظيفة لأية طائفة» هل تشمل المناصفة
جميع الوظائف العامة أم تقتصر على الفئة الأولى؟ وكذلك الأمر ذاته في ما يتعلق في التخصيص؟ ويبقى التساؤل، أين قطع الجبنة للمذاهب ومن يحدد نوعها وحجمها؟
ب – ذكر الطائفة والمذهب في بطاقة الهوية، لم يعد النظام بحاجة إلى وجوده وإلى خدماته فيها، وذكر الطائفة يقوم
بواجباته، ويؤدّي مهامه، في لائحة الشطب، وفي إخراج القيد، وفي سجل النفوس.
إنّ الإصلاحات السياسية التي تضمّنتها وثيقة الوفاق الوطني « الطائف» لم تحقق الاستقرار المنتظر أمنياً واقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، ولم تحرّر النظام اللبناني من أسباب حروبه الأهلية، وعدم تمكنه من بناء دولته المدنية العادلة المستقرة، إنها الطائفية التي ما زالت محتلة لمعظم بنود هذه الوثيقة بالتعاون مع «ميثاق العيش المشترك» بل كانت محطة انتقالية في ظروف استثنائية صعبة، تمهيداً لوضع دستور جديد يحاكي واقع وطموحات الشعب اللبناني في حياة
واحدة في ظلّ العدالة والمساواة والعيش الحرّ الكريم، وهذا لا يعني عدم تضمّن الوثيقة الدعوة للقيام بإصلاحات سياسية
تساعد تدريجياً على الانعتاق من القيود الطائفية، ولكن مع الأسف قد أصبحت هذه الوثيقة وإصلاحاتها أسيرة السياسيين اللبنانيين، وتفسيرها وفق أهوائهم وتنفيذها رهن إرادتهم ولخدمة أهدافهم ومصالحهم، لأنّ هَمّ هؤلاء الحكام هو السلطة، للقضاء على خصومهم، ولمراكمة الثروات وتسخيرها لترسيخ تحكمهم بالناس وبناء قواعدهم بينهم، تلاعب بالألفاظ وتسمية الأشياء بغير أسمائها، وسادت شعرة معاوية العلاقات السياسية والاجتماعية، وتولد القول بالتأجيل والإرجاء» مش وقتها»، كلّ ذلك للهرب من مسؤولية اتخاذ القرارات والمواقف، وكلنا يعرف طاولات الحوار في لبنان وفي الدوحة، حيث قالوا كلّ شيء ما عدا ما كان يجب أن يقولوه، لا يُستثنى منهم أحد، وكانت وثيقة الطائف سند نقل ملكية من الطائفة المارونية إلى الطائفة السنية مجاناً وبالقوة، قام بها ودفع ثمنها، ورسوم تسجيلها، الشعب اللبناني الأجير المستجير.
وأخيراً يمكننا مقاربة الإصلاحات السياسية وبإيجاز، من حيث النص ومن حيث التطبيق كما يلي:
أولاً: من حيث النص
– الصلاحيات المحدّدة للرؤساء الثلاثة غير عادلة وغير متوازنة، خاصة بحق رئيس الجمهورية.
– يوجد تشابك بين السلطات وعدم توازن، خاصة باستقلالية السلطة القضائية.
– مجلس الوزراء دون نظام داخلي ينظم أعماله ويحدد مهامه، ولا يجوز القول «ومن صلاحياته».
– يجب التفريق بين الحق، والوظيفة، والصلاحية، والمهام، والواجب، وعلى، منعاً للالتباس وضياع المسؤولية.
– يوجد انتخابات ونتيجتها إما بالإجماع أو بنسبية عدد الأصوات. وليس «ديمقراطية توافقية».
– توحيد النسب للانتخاب ولمنح الثقة وسحبها.
– تحديد الفترات الزمنية لكلّ عمل أو نشاط، خاصة للحكومة، وتحديد كيفية معالجة عدم قدرةً رئيسها على العمل.
ثانياً – من حيث التطبيق
– غياب الإنماء، المتوازن واللامتوازن.
– الدائرة الانتخابية المحافظة، لم تعتمد.
– مجلس الشيوخ لم يستحدث.
– الهيئة الوطنية لم تشكل.
– إلغاء الطائفية السياسية لم يحدث.
الكفاءة في الوظائف لم تعتمد.
لن تستقيم الأمور ولن تستقرّ الأوضاع في ظلّ هذه الإصلاحات التي تجرأوا في ظروف مظلمة تضمينها لدستور الشعب اللبناني دون علمه، وإرادته، إلا إذا بوشر وعلى الأقلّ بتشكيل الهيئة الوطنية بمطالبة ومشاركة شعبية مستمرّة لتعيد
النظر بهذه الإصلاحات.
وإلى اللقاء للتعرّف إلى الإصلاحات الأخرى وما تحقق منها في المقالة المقبلة.