أيتام أميركا ولطم الخدود والفعل الروسي… وماذا عن «إسرائيل»؟

محمد احمد الروسان

إنّ إستراتيجية الاحتواء التي سبق وطبقتها واشنطن في غرب أوروبا وتركيا خلال الحرب الباردة، قد أتاحت للولايات المتحدة الأميركية السيطرة الاقتصادية والسياسية والعسكرية والأمنية على الأوروبيين، والآن فقد آن الأوان لاستخدام معطيات استراتيجية الاحتواء هذه ضمن صيغة جديدة معدّلة لجهة تفعيل مفاعيل إسقاطها على منطقة الخليج والشرق الأوسط وسورية وإيران معاً. فمن أجل أن تثبّت الدولة العبرية وجودها، فإنها تسعى دائماً وبثبات إلى تحقيق تفوّق استراتيجي، وهذا الكيان العبري لا يجد وسيلة لبقائه الاّ بتحوّله بالكامل إلى ثكنة عسكرية، وبامتلاكه السلاح النووي، حيث ذهب إلى تطوير البرامج النووية التي تستخدم للأغراض العسكرية، وصناعة القنابل الذرية، ففي العاشر من آب عام 1948، وبعد شهرين على قيام هذا الكيان العبري الطارئ على التاريخ والجغرافيا في المنطقة، أنشئت «مؤسسة الطاقة الذرية الإسرائيلية ناجال سوريك التابعة لوزارة الحرب الإسرائيلية»، كما وضعت الخطط لبناء مفاعلات نووية ومسرعات ذرية وإنتاج الماء الثقيل والحصول على اليورانيوم المخصّب، ولهذا التسليح العبري أبعاده الاستراتيجية، إنها ليست مشكلة حدود أو سيادة، بل مشكلة بقاء مادي بكلّ ما في هذه الكلمة من معنى، وهي مسألة بقاء لا للشعب اليهودي في الأراضي المحتلة عام 1948 فقط، بل للشعب اليهودي في جميع أنحاء العالم.

والحديث عن السلاح و/أو البرنامج النووي «الإسرائيلي»، يتمّ تجاهله تماماً وكأنّ هذا البرنامج و/أو السلاح لا يشكل خطراً أو تهديداً أو تقويضاً للسلام والأمن في المنطقة، التي تعدّ أكبر المناطق في العالم التهاباً وتوتراً بسبب الاحتلال العبري للأراضي العربية المحتلة/ الجولان السوري، مزارع شبعا، قرية الغجر، وكذلك الأرض الفلسطينية المحتلة / عامي1967 و 1948.

والمفارقة المضحكة المبكية هي: وعلى الرغم من أنّ الولايات المتحدة الأميركية تتبنى بنفسها منذ فترة مسألة حظر أسلحة الدمار الشامل، الاّ أنها رفضت منذ سنوات التصديق على معاهدة حظر إجراء التجارب النووية، بل أنّ واشنطن لم تتخذ موقفاً مناهضاً لامتلاك «إسرائيل» أسلحة الدمار الشامل، وتجاهلت المواقف العربية والدولية الحيّة، الرافضة للسلاح النووي «الإسرائيلي»، حيث تمتلك «إسرائيل» أخطر وأفتك الأسلحة النووية، ويهدّد المنطقة العربية وغير العربية بأسرها، وقد رفضت أميركا باستمرار الدخول في اتفاقية حظر إنتاج وتطوير الأسلحة النووية أمام سمع العالم وبصره وصمّ أذنيه عما يجري في مفاعل ديمونا، وبما أنّ أسلحة الدمار الشامل «الإسرائيلية» تؤدّي إلى اختلال التوازن العسكري في المنطقة، فمعنى هذا أنّ مقولات وعبارات السلام المقبل /السلام الوهم، وخريطة الطريق الأميركية، عبر مفاوضات التقريب / خريطة تصفية القضية الفلسطينية / والدولة الفلسطينية الواقعية/ على رأي سلام فياض/ مجرد أوهام ستذهب أدراج الرياح في ظلّ خطط قادة هذا الكيان الطارئ على كلّ شيء.

وتجدر الإشارة إلى أنّه في بدايات شهر شباط من عام 2008، حدثت عملية استشهادية مزدوجة في قرية ديمونا، جعلت الأجهزة الأمنية «الإسرائيلية» وعلى رأسها الشاباك ، أن أصيبوا جميعاً بالصدمة، بفعل عملية استشهادية مزدوجة بطولية نوعية، خاصةً أنها جاءت في قلب بلدة ديمونا، حيث تقع في أقصى جنوب فلسطين المحتلة عام 1948، ويوجد بالقرب منها مفاعل ديمونا الإرهابي النووي، والتساؤل الذي طرحته الشاباك على نفسها ولا تزال هو: اليوم نجحوا في تخطي كلّ الإجراءات الأمنية المشدّدة في ديمونا وحولها، وكانت العملية المزدوجة ناجحة بكلّ المقاييس! ماذا لو وصلوا غداً و/أو بعد غد إلى ديمونا نفسه المفاعل وفجّروه؟! إنها كارثة حقيقية على «إسرائيل» والمنطقة والعالم!

وإلى جانب مفاعل ديمونا، تمتلك «إسرائيل» مفاعل نووي آخر في قلب فلسطين المحتلة عام 1948 على الساحل المتوسطي اسمه مفاعل سوريك النووي، الذي قدّمه الرئيس الأميركي دوايت ايزنهاور عام 1955، حيث ما يظهر للعيان من مفاعل «سوريك» هو: المنشأة المخصصة لمشروعات لا علاقة لها بالقنبلة الذرية، كتطوير منظومة الرؤية الليلية و/أو الكاميرات النووية، كما يجري العلماء في «سوريك» أبحاثاً حول وسائل ضبط المقاومين الاستشهاديين من خلال أجهزة يمكنها رؤية ما تحت الملابس. فهذه الدولة العبرية الطارئة على الجغرافيا والتاريخ، وانْ كانت تمارس سياسة الغموض النووي في برنامجها النووي العسكري الإرهابي، فإنّها في المقابل لا تخفي مشروعاتها للأسلحة التي يستخدمها القنّاصة، بحيث تتيح قياس سرعة الريح من خلال التصويب نحو الهدف، بالإضافة إلى ليزر آخر يحدّد المسافة.

وتبلغ قوّة هذا المفاعل خمسة ميغاوات، حيث وضع قلب المفاعل تحت تسعة أمتار من الماء المنزوع منه المعدن الأزرق الباهت البالغ الشفافية، حيث ظاهر هذا المفاعل يقوم بأبحاث تطبيقية لتطوير منتجات تكنولوجية رفيعة المستوى، و«سوريك» هذا يماثل ويتساوق في الهدف والغاية من مفاعل «ديمونا»، على اعتبار أنّه يقوم بتطوير الأسلحة النووية، وانْ كان يعدّ المفاعل الوحيد في العالم الذي لا يضمّ دائرة للفيزياء النووية.

فمجمّع «سوريك» مسؤول مسؤولية كاملة، عن الأبحاث وتطوير الأسلحة النووية وتصنيعها أيضاً، وبشكل لافت لأجهزة استخبارات عالمية تعمل في الشرق الأوسط، باعتبار الأخير ساحة صراع، ويعدّ مفاعل ديمونا، المفاعل الأول في «إسرائيل» وموجود في صحراء النقب، وقد بني بمساعدة من الفرنسيين أواخر الخمسينات وقوته ما بين 40 إلى 150 ميغاوات وينتج البلوتونيوم المخصص للاستخدام العسكري، حيث أحاطت «إسرائيل»، نشاطاتها النووية بالغموض، ورفضت وما زالت، تأكيد و/أو نفي امتلاكها السلاح الذري الإرهابي، وكذلك ترفض توقيع معاهدة الحدّ من الانتشار النووي وزيارات مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى مفاعل «ديمونا» والى أمكنة خاصة في مجمع «سوريك» النووي على الساحل المتوسطي في الأراضي المحتلة عام 1948، بفعل مساندة الولايات المتحدة الأميركية، هذه المساندة التي هي نتاج سياسات ازدواجية في التعامل مع الملفات النووية الأخرى، وخاصةً المفاعل النووي «الإسرائيلي» الإرهابي العسكري.

خطر تصدّع «ديمونا»!

إنّ خطورة مفاعل ديمونا النووي تكمن، أنّه يقع في منطقة بحكم موقعها وتاريخها الزلزالي، فإنّ تعرّضها لزلزال أمر وارد وغير مستبعد، وهذا إنْ حدث سوف يؤدّي إلى تصدّع هائل في جدران مفاعل ديمونا النووي، وقد أشار الخبير مردخاي فعنونو الذي اعتقل في السجون الإسرائيلية لمدة 18 عاماً، بعد أن كشف للعالم امتلاك الدولة العبرية والأخيرة هي الطارئة على الجغرافيا والتاريخ في المنطقة والعالم لهذا المفاعل النووي، أكد فعنونو أنّ تعرّض المنطقة لهزّة أرضية قوية من شأنه أن يؤدّي إلى شروخ وتصدّعات في جدران المفاعل، وسوف يؤدّي ذلك إلى تعرّض المنطقة والعالم إلى كارثة نووية أكبر بكثير من الكارثة النووية التي حصلت في مفاعل تشرنوبيل، حيث مباني ومنشآت المفاعل والذي أقامه الكيان العبري، قبل أكثر من خمسين عاماً وأزيَد من ذلك، تعاني حالياً من شقوق بفعل الهزّات الأرضية المتتالية، وأنّ مباني المفاعل لم تعد صالحة وآمنة وفق المعايير والمقاييس العلمية العالمية، وعليه لم تعد الدول العربية وشعوبها آمنة كطفل في سريره، وبعد احتلال بغداد في 9/4/2003، وهو يوم سقوط الشريك الاستراتيجي الاقتصادي للأردن/الدولة والشعب.

في الوقت الذي شنّت فيه واشنطن ولندن، ومن حشدت إليه من الدول إلى جانبهما في عام 2003 وما زالتا، لحرب ضروس على العراق الدولة والشعب والحضارة، في تحدّ سافر ومقلق، بزعم إنقاذ العالم من أسلحة الدمار الشامل العراقية، والتي لم يتمّ العثور عليها حتّى الآن، وفي ذات الوقت الذي ترتفع فيه عقيرة لهجة التهديدات الأميركية والأوروبية بالرغم من توقيع اتفاق فيينا، لكلّ من إيران الدولة المسلمة وسورية الدولة العربية بالرغم من الحرب بالوكالة عليها منذ خمس سنوات وأزيَد وغيرهما من الدول، لمجرد الارتياب والخوف في سعي تلك الدول لإعادة أو تطوير برامجهم النووية السلمية، نجد فيه «إسرائيل» تسعى إلى تطوير برنامجها النووي العسكري السري، وتعقد مزيد من الاتفاقيات السرية مع واشنطن وغيرها من دول السلّة والجوقة، والتي تقضي بأنّه في وسع «إسرائيل» أن تمضي قدماً في برنامجها النووي، كيفما شاءت ما دام الأمر قد بقي طي الكتمان!

سادس ترسانة نووية في العالم

إنّ الدولة العبرية بأسلحة دمارها الشامل، وبرنامجها النووي العسكري السري عمره قارب الخمسين عاماً وما يحويه من نظم التسليح النووي الخطيرة، يؤكد أنّ «إسرائيل» دولة إرهابية بامتياز، وجديرة بالانخراط في دول محور الشرّ، والتي يجب على العالم أجمع محاربتها عسكرياً واقتصادياً، كيف لا وهي أي إسرائيل تمتلك سادس ترسانة نووية في العالم، من بينها أسلحة نووية ذات تكتيكات صغيرة وألغام نووية، علاوة على صواريخ متوسطة المدى تطلق من البحر والجو وتقوم بتطوير قنبلة النيترون!

إنّ سياسة الغموض النووي التي تمارسها «إسرائيل»، منذ اغتيال الرئيس الأميركي الأسبق جون كيندي، والأخير مارس ضغوطاً على «إسرائيل» وبقي متربّصاً بها إلى أن تمّ اغتياله، وتحديداً في عهد غولدا مائير رئيسة الوزراء الإسرائيلية عام 1969، والتي وصفها يوماً ما فرانسوا ميتران لشدة قباحتها بقوله: «يا الله كأنّها سقطت للتو من مؤخرة يهوذا»، حيث وصلت إلى تفاهم مع الأميركان حول برنامج «إسرائيل» النووي السري، ومن هنا يجب أن لا تستمرّ هذه السياسة النووية «الإسرائيلية» الغامضة، حيث تعدّ هذه السياسة دليلا على المساعي الإسرائيلية الفاشية، ودليلا على السياسات الأميركية المتخاذلة في المنطقة والعالم أجمع، وما صرّح به جيمي كارتر قبل ثماني سنوات من الآن أذكر ذلك جيداً ، في مهرجان أدبي بريطاني في مقاطعة ويلز، أنّ «إسرائيل» تملك أكثر من 150 رأساً نووياً، فهي الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط الآن والتي تمتلك أسلحة نووية هائلة، ومع ذلك نجد هذه الدولة العبرية الطارئة على الجغرافيا والتاريخ في المنطقة الشرق أوسطية، لم تؤكد ولم تنف هذه المعلومات القديمة الجديدة والتي تفوّه بها كارتر، معتمدةً على سياسة الغموض النووي في برنامجها العسكري السري والذي يهدّد الأمن والسلم العالميين.

إنّ الإشعاعات النووية من المفاعل النووي «الإسرائيلي» في ديمونا، لها تأثير واضح على الحوامل والأجنة تحديداً، فهي تسبّب تشوهات خلقية، واجهاضات متكرّرة، ومشاكل في النمو، وعقم للرجال، وعقم للنساء، كذلك سوء تغذية للأطفال، كلّ ذلك وأزيَد منه سواءً في غزّة والضفة الغربية، وكذلك يمتدّ أثرها إلى جنوب الأردن الصامد، فالأطفال يولدون بأوزان قليلة، وبقامات قصيرة، فمستوى الفقر في غزّة يصل إلى ذروته العالية المتفاقمة، مع استمرار الحصار وفي الضفة الغربية أيضاً، وانْ كان طبعاً أقلّ من غزّة، الأمر الذي يؤثر على صحة الحوامل وعدم قدرتهن على معالجة ومقاومة تأثير هذه الإشعاعات، كما أنّ 60 في المئة من النساء الحوامل يعانين من مرض فقر الدم.

تساؤل أخير

التساؤل الأخير هو: هل بدأ البلدربيرغ الأميركي وعبر الاتفاق بين إيران والسداسية الدولية، في الشروع باستراتيجيات الاختراق النظيف للدولة الإيرانية، عبر الأدوات من المعارضة الإيرانية الخارجية ذات الارتباطات الموساديّة، والخلايا النائمة منها وغيرها في الداخل الإيراني، كما فعلت في جلّ المنطقة حتّى اللحظة، بحيث لا تلوّث أياديها بدماء غيرها؟ وهل شرع الاستثمار في الطبقة الوسطى الإيرانية، لإحداث التغييرات السياسية المطلوبة وللتمهيد لتفجير إيران من الداخل؟

محام، عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية

www.roussanlegal.0pi.com

mohd ahamd2003 yahoo.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى