أشجار التفّاح لن تطرح الحنظل

يحكى أن شخصاً كان يقف على ضفة نهر يمر من فوقه جسر قديم. وفجأةً، سمع صراخاً، ورأى امرأةً يسحبها التيار. فلم يتردّد، وقفز إليها وأنقذها. ثم ما لبث أن سمع صرخات أناسٍ آخرين، فذهب لينقذهم. وبدأ الرجل يشعر بالإنهاك بعدما أنقذ الضحية تلو الأخرى، غير أنّ الصرخات كانت ما زالت تتوالى، ولم يستطع الرجل أن يقوم بعملية إنقاذ أخرى. وحين نظر إلى مكان سقوط الناس، اكتشف وجود فتحة لا يراها المارة فوق الجسر، فيسقطون فيها من دون انتباه.

شعر الرجل بالغباء، فلو صرف بعض وقته في التفكير، لذهب إلى حيث الفتحة، وحذّر الناس منها، ولاستطاع أن يوفّر الجهد في معالجة السبب لا النتيجة.

بكلّ بساطة، لا يفيد قتل البعوض إن لم نعمل على تجفيف المستنقعات. ولن نستفيد من قتل كلّ المتطرفين الذين يعيثون اليوم في أرضنا فساداً ونجاسة، إن لم نستأصل البيئة التي تحضن هذا الفكر، وتجعله يكبر ويقوى فينتشر.

المشكلة ليست في شيوخ الدم والفتنة الذين ينعقون فوق المنابر ويفتون بالقتل والذبح والاغتصاب، ويطالبون باحتلال سورية. نعم، ليست المشكلة في القرضاوي ذلك الخرف، ولا بالعرعور الموتور، ولا بالعريفي ولا بكلّ العاهات التي ظهرت تحلّل سفك الدم السوري وتطلب المزيد من الأضاحي لترضي أسيادها. إنما المشكلة الحقيقية في القطعان المُستثارة التي تتبعهم بلا تفكير، وتنفّذ من دون تردّد أو تدبير، مهما كانت تلك الفتاوى شاذة أو وحشية. المشكلة في تلك العقول التي أوقفها أصحابها عن العمل، واستبدلوها بغريزة لا تستجيب إلا حين تسمع: «حيّ على النكاح». المشكلة في الأيادي التي كسرت كلّ الأقلام وقبضت على السكين تكتب فيه على أجساد الضحايا تاريخاً دموياً هو الأكثر وحشية حتى الآن.

هذا الانقياد الأعمى لم يكن ليحصل لو كانت لدى هؤلاء المناعة الكافية لمقاومة هذه الأوبئة. وهذه المناعة لا يمكن اكتسابها بين يوم وليلة، إنما هي حصيلة عمل متواصل على النفس البشرية، يبدأ منذ الطفولة ولا ينتهي أبداً. فالطفل الصغير كالوعاء الفارغ المستعد لتلقّي ما تضعه فيه. والوعاء ينضح بما فيه، وأشجار التفّاح لن تطرح الحنظل، وذباب المزابل لن يصنع العسل، لذلك من الضروري إعادة بناء كاملة، واجتراح تغيير جذري في ما يخص العملية التربوية والتنشئة الاجتماعية، والتخلي عن الأساليب البدائية التي رأينا نتائجها اليوم. وهذا طريق طويل وشائك.

ما حصل في سورية أثّر على أقوى النفوس بشكل سلبيّ، فكيف بأطفالنا الذين عاشوا هذه المرحلة، ورأوا ما لم نستطع نحن أن نصدّقه من شرور وموبقات، وشاهدوا كل ذلك الإجرام وهم عزّل لا يملكون إلّا القليل من خبرة في الحياة، لا تسمح لهم بالتصدّي لكلّ ما يعيشونه.

فلنجفّف مستنقعات التخلّف والتطرّف يداً بيد، فسورية اليوم تحتاج إلى كلّ عقل وكلّ قلم مع رصاص جيشنا المقدّس. هم يحاربون على الأرض نتائج الوباء، وكل واحد فينا عليه أن يساعد في محاربة أسبابه. فلنحارب كلّ صوت ناعق يدعو إلى قتلنا، وكلّ شيخ ماجن يدعو إلى اغتصابنا، وكلّ فكر فاسق يهدف إلى تدمير عقولنا، لكي تعود سورية جنّة الدنيا وأرض النور الذي لا يضمحل.

صباح القابضين على الزناد… صباح الساهرين على سلامنا… صباح من جعلوا من أنفسهم جسراً لنعبر إلى النصر… صباح الجيش السوري المقدام.

وفاء حسن

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى