عند الاقتراب من النهايات…
محمد شريف الجيوسي
تتسارع اللقاءات الإقليمية السياسية منذ نحو أسبوعين في موسكو والرياض والدوحة وطهران ومسقط السري منها الذي لم يعد كذلك والعلني، وهي اللقاءات التي كان مجرد تخيلها ضرباً من العبث، حيث وصف نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية السوري وليد المعلم، مبادرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بإمكان توسيع قاعدة الحرب على الإرهاب بحيث تشمل تركيا والسعودية، بالمعجزة، فبوتين رجل «المعجزات» الذي تمكن من رفع روسيا من حضيض غورباتشوف ويلتسين إلى الدولة العظمى الصاعدة، مستعيداً مكانة وتاريخ بلاده، كما أعاد للعالم توازنه على غير صعيد.
لكن تسارع اللقاءات لا يعني أن محاربة جادة حقيقية للإرهاب ستحلّ بفورها، وأن الحروب العدوانية الإرهابية على سورية والعراق واليمن وليبيا ومصر والجزائر وفلسطين ولبنان ستتوقف جميعها وفوراً.
فالحروب قبل حلول التسويات تتصاعد تكتيكيا واستراتيجياً، بأمل الحصول على أكبر قدر من المزايا وأكبر قدر من حفظ ماء الوجه، بالنسبة إلى المهزومين وأشباههم.
لا بد أن روسيا عندما طرحت مبادرتها على سورية، لم تطرحها هكذا اعتباطاً أو من فراغ، فقد سبقتها زيارة ولي ولي العهد السعودي مع بقية مسمياته وإنما على أرضية قناعات توصلت إليها السعودية من عبثية الاستمرار في طريقها المغلق المكلف جداً بل والمرتد عليها، بخاصة في سورية والعراق واليمن ولبنان.
لقد حصدت العصابات الإرهابية بكل مسمياتها على الأرض السورية، متواليات من الفشل، وتراجعت رقاع الأراضي الواقعة تحت سيطرتها، كما افتقدت الحضانات الشعبية التي كانت مخدوعة بها في البدايات، وأصبحت محشورة في مناطق حدودية مع دول مجاورة، وجيوباً صغيرة قليلة متناثرة لا اتصال بينها، ما يؤكد أنها أصبحت محكومة بخيارات العودة الى الدول التي انطلقت منها وجيشت لها من كل الدول والجنسيات ودربتها وسلحتها ومولتها ودعمتها سياسياً وإعلامياً.
وقد بدأت مؤشرات تلك العودة والانتشار في تلك الدول واضحاً للعيان، فالعصابات الإرهابية كالفايروس في الجسد، لا ينتشر في عضو من دون آخر، بل يتمدد، بالتدريج، حتى يقضي على الجسد كله، ولا يكتفي بالبقاء في جزء منه، فالمنطقة إقليم واحد، جسد واحد، قد يبدأ بالكبد ـ مثلاً ـ ليأتي على الحنجرة لاحقاً.
بل إن فيروس الإرهاب، لا ينتظر حشْره أو فشله أو نجاحه لكي يتمدد، فهو عابر للحدود والظروف والمقتضيات ولا يؤمن بتحالف أو عهد، ولا خطوط حمراً عنده أو لديه، ومن ليس منه فهو عدوه حتى لو كان إرهاباً مثله، جهالياً غامضاً عاقاً متخلفاً شاذاً، كل شيء مبرَّر عنده طالما هو في خدمته، لذا هو خطر على الجميع، وقد توصلت الأطراف المعتدية على الأمة من داخل الأمة وخارجها إلى هذه القناعة بعد لأي، بعد مراهنات غبية على إمكان استخدامه ضد خصومها وأعدائها من العرب والإقليم، فإذا هو يرتد عليها، فأخذت بالصراخ متوجهة إلى روسيا علها تنقذها من حال هي أكثر من ورطة ومنزلق خطير.
وفيروس الإرهاب إيدز وكوليرا وطاعون معاً، يحمل كل الصفات الكارثية، ولن يتوقف عند حدود إقليمية، وقد رأينا كيف استقطب جهاديات نكاح أوروبيات غربيات وأميركيات ومن جهات الأرض الأربع. كما استقطب الإرهاب جهاديين مزعومين أغبياء مغفلين جاهلين، بينهم وبين الجهاد الحقيقي فراسخ وعالم غير معلوم لديهم.
وعلى رغم كل دواعي الاستيقاظ من الغفلة التي وضع فيها هؤلاء أنفسهم فيها من عديد الدول والجهات ومسميات غوث إنسانية كاذبة، لكن مفردات وبيانات وإجراءات «عنطزة» وكلام فارغ، ما زالت تظهر على السطح، هي في حقيقة الأمر كحشرجات الموتى، أو الضباع الجريحة في أحسن حالاتها، قد تكون شرسة في لحظااتها الأخيرة، وهي كذلك، وقد تكون غادرة مناورة ـ تريد التضليل وكسب الوقت سدى.
قد نكون في الربع الساعة الأخير من الصراع «داخل الأسوار» الذي فُرض على الأمة في سنوات خمس وشيكة الانتهاء. لكن هذا الربع قد يكون الأخطر فيها، والأشد قسوة وضراوة وتآمراً، ما يستدعي صبراً أكبر، وارتقاء أعلى بالمعنويات، وحذراً أشد ويقظة أشمل، وتضحيات أوسع، وبصيرة لا تضاهى.
وبعد النصر العظيم، الوشيك، ستكون أمتنا أمام مرحلة جديدة وحرب مفتوحة مع الذات «الجهاد الأكبر» والبناء والتنمية والمصالحات الوطنية وتطهير الداخل من الدنس والعمالة، والانطلاق الى مرحلة جديدة، من الصراع مع العدو الاستراتيجي القديم الجديد، الكيان الصهيوني، وتطهير القدس، وتحرير فلسطين من الماء إلى الماء ومن غزة إلى وادي عربة.
بكلمات، ستتوالى اللقاءات وتتسع رقعة أطرافها والمشاركين فيها، لكن العامل الحاسم في نتائجها، في كل الأحوال، ما يتحقق من انتصارات على الأرض السورية بخاصة وفي مناطق الحرب الأخرى، وفي استمرار تماسك أطراف محور المقاومة وحلفائه.
m.sh.jayousi hotmail.co.uk