«فليسحب عون يده من الطائف وليقل انتهى زمانه»…
روزانا رمّال
لا تزال الحكومة اللبنانية واقعة بين مخاطر انفراط عقدها او بقائها مأزومة بأفضل الأحوال، وذلك منذ ان لوح رئيسها تمام سلام بالاستقالة امام اللبنانيين لأول مرة بعدما اشتدّت الخلافات حول الملفات العالقة، وجلها أولويات ما عادت الحكومة قادرة على البت فيها، في وقت يعرف اللبنانيون تماماً انّ طرح رئيس الحكومة الاستقالة لا يمكن ان ينبثق من موقف شخصي لسلام، لأنه يمثل احد الحصص الإقليمية في المنطق اللبناني، والتي لا يمكن العبث بها جزافاً، وبالتالي فإنّ أهمية كبرى تولى لإعطاء الموقف الخارجي من ثبات حكومة سلام والتمسّك بها، عدا عن البحث في إمكانية طرح حلول لئلا تتفجر الأوضاع، خصوصاً أنّ العماد ميشال عون يحضّر اللبنانيين لموقف ما في اليومين المقبلين.
فهل يذهب لبنان من الفراغ الى الانفجار والى لحظة الصدام التي يتجنبها الجميع؟ ما هي الآفاق المقبلة؟ هل هي آفاق حلول تطبخ بالسرّ؟ أم هي آفاق جمر تحت الرماد أصبحت الآن ناراً طليقة في الهواء؟
يدخل لبنان مرحلة حساسة بناء على مفهوم التسويات الذي تتبعه المنطقة، ولبنان فيها حلقة أخيرة بعد اليمن وسورية، الحلّ فيه مؤجل بطبيعة الحال وفي قراءة المشهد فغنه اذا لم يحدث انفجار يفرض حلاً في لبنان فإنّ الحلّ قد لا يأتي الا بعد الربيع حسب الأجندة الإقليمية.
استهلكت الهوامش المتاحة في لبنان لضبط الأوضاع بين تأجيل وتمديد للأزمات، ففراغ رئاسة الجمهورية دام سنة واربعة أشهر، والحكومة في غياب رئيس للجمهورية هي غير واضحة المهامّ تحلّ استثنائياً مكان رئيس الجمهورية، واليوم لم يعد ممكناً لحكومة كهذه ان تتحمّل ثقل المزيد من الشهور من دون رئيس للجمهورية، فالملفات بين إرهاب في أعالي الجرود والأزمة السورية وتأثيراتها، مع الفراغ الرئاسي والتعيينات، باتت أكبر من ان تتحمّله، هذا بالإضافة الى ملف قتال حزب الله في سورية والخلاف حوله وعليه، وكيف يمكن ان تكون هكذا حكومة معمّرة امام كلّ هذه الاستحقاقات؟
في موضوع التعيينات من حق العماد عون القول إنه لا يجوز التمديد لقائد الجيش وان يسأل خصومه ايّ جيش تبنون عندما تساهمون في نشر «عرف» انّ كلّ قائد جيش هو رئيس جمهورية مستقبلي؟ هل عليه اذاً ان يقدّم تنازلات ليبقى مرشحاً مقبولاً لرئاسة الجمهورية؟
قد لا يريد العماد عون في المبدأ التمديد للعماد قهوجي لأنه يتمّ على خلفية الإبقاء عليه كقائد مرشح للرئاسة عملاً بالمبداء المرفوض لديه مع اصرار كثر ان عون يريد ازاحته كمنافس لكن خطاب عون منطقي بالنسبة لكثر ايضا لأنّ التمديد لقائد الجيش هو أسوأ رسالة للقادة القادمين وإخضاع أداء القائد الى ضرورة المحافظة على علاقات بين أميركيين وإيرانيين وسعوديين، وبيعهم كلاماً طيباً وجعله رجل علاقات عامة في السياسة على حساب مهامه في قيادة الجيش، فيتحضّر في قيادة الجيش ليكون رجل سياسة ويكسب رصيداً يؤهله لرئاسة الجمهورية، فيقول العماد عون إياكم وهذه اللعبة.
اذاً يستحيل ان تنجح الحكومة بأي من هذه القضايا الخطيرة، والتي يُعتبر موضوع التعيينات أبرز مفاصلها، لكن أخطرها اليوم شعور العماد عون انه تمّ إبعاده عن الرئاسة بقوة الخارج رغم الأهلية، وإبعاد العميد شامل روكز عن القيادة رغم الأهلية، وبالتالي لسان حال تياره اليوم: «نحن ممثلون في الوزارة واذا كنتم لا تريدوننا في شيء سنخرج من الصيغة السياسية».
تتحوّل كتلة التيار الوطني الحرّ اليوم الى قنبلة موقوتة على قاعدة اليأس من إمكانية التفاهم مع خصومها وتأكدها من نوايا العزل، وهو أمر خطير لا يتحمّله عون وحده، ولا يمكن تحميله مسوؤلية تفجير جاء بسبب الإمعان في الإلغاء.
فرصة إنقاذ لبنان الوحيدة ليست فرصة تخلي حزب الله عن العماد عون، لأنّ ذلك يعني انفجار «مسيحي على المسلمين» ستفسّر انه في اللحظة الحرجة اجتمع المسلمون وتركوا المسيحيين مغبونين بحقوقهم، بعدما كان العماد عون صريحاً في حرب تموز في وقفته مع حزب الله، وقال للأميركيين والفرنسيين آنذاك إنه «أشرف له ألف مرة أن يُهزم مع ابن بلده على أن يربح مع العدو».
الذين يمارسون التهميش للمسيحيين يدفعونهم إلى طرح الفيدرالية، ولن يشارك حزب الله المعني بالقول للجمهور المسيحي: «كما كنتم اوفياء في ساحات القتال فنحن أوفياء وأنتم تتعرّضون للعزلة».
وحده وقوف حزب الله سيردع الآخرين، ويبدو أننا سنسمع مهلة أخيرة حسب المصادر القريبة من العماد عون قبل ان تقلب الطاولة على الجميع، ومن بعدها كلام حاسم للسيد نصرالله مفاده إياكم أن تختبروا تجاهل مطالب العماد عون، ويبدو انّ هذا الموقف قد تبلّغه الجميع، ولأنه أبلغ للجميع ربما يعفي لبنان من الانفجار.
ستصل الرسائل وهي ليست سلاحاً بالتأكيد، بل الموقف السياسي، واذا احتاج الامر لترجمة شعبية معروف من لديه القدرة، وعند المواقف الرهان على الرئيس بري سيكون خطأ جسيماً، فعندما تتحوّل اللعبة بين أبيض وأسود فالأمر محسوم إلى جانب عون.
الذهاب هذه المرة إلى الرهان على أنّ حزب الله سيتخلى عن عون أمر خاطئ، وإذا كان خيار الحكومة ومن ورائها عزل عون… فليسحب يده من الطائف وليقل انتهى زمان الطائف…