خبراء أميركيون: التحوّل في مزاج السوريين لمصلحة الأسد يعزل المعارضة والعناد سيوصلنا إلى إيران جديدة نصالحها بعد عشرين سنة وقد صارت نووية

كتب المحرر السياسي

لبنان معلق على انتظارات مبهمة، فالأمور البسيطة التي بيد اللبنانيين يربطها اللاعبون المحليون بمساومات على القضايا التي لا يملكون القدرة على التصرف بها، بعدما بالغوا بالتعهّدات للخارج الذي راهن كلّ فريق منهم على دعمه لخياراته الداخلية، وصاروا أسرى تعهّدات أو أوهام.

سلسلة الرتب والرواتب التي يحقق إقرارها انفراجاً في الوضع الداخلي، مرهونة بالتراجع عن مقاطعة الجلسات التشريعية، وقد صارت المقاطعة ورقة تفاوضية في الانتخابات الرئاسية التي ترتبط بحسابات تتعدّى الملفات المحلية، وكذلك في ما يخصّ كيفية ممارسة الحكومة لصلاحيات رئيس الجمهورية، خصوصاً ما يتصل منها بحق التوقيع، الذي بدأ نقاشه من موقع حفظ الدور المسيحي الذي يمثله رئيس الجمهورية ببديل وزاري، كي لا يبدو الأمر نقلاً لصلاحيات رئيس الجمهورية المسيحي الماروني إلى رئيس الحكومة المسلم السني، فصار النقاش اتهاماً للمطالبين بالخروج عن الأصول والدستور، كأنّ كلّ شيء في لبنان غير طائفي ودستوري، وجاءت هذه المطالبة من موقع متطرف مسيحياً لتستحق الإدانة.

المساعي التي يقودها رئيس المجلس النيابي تبدو وحدها مصدر أمل بتخطي بعض العقبات والوصول لتسويات بخصوص الجلسات التشريعية وفي الطريق إليها تنظيم العمل الحكومي في ظلّ الفراغ الرئاسي.

الخارج الذي لا تزال واشنطن أبرز اللاعبين فيه لم يبلور تصوّراته النهائية في ضوء التطورات التي شهدتها سورية، على إيقاع الارتباك والتشويش اللذين أثارهما وزير الخارجية الأميركي جون كيري بزيارته البيروتية، للغموض الذي أحاط ما أراده منها، كأنها مجرّد احتفالية إعلامية أو استطلاع واختبار للمخاوف، جاءت لتقول إنّ واشنطن مرتبكة ولم تحدّد خياراتها بعد.

في واشنطن كما تكشف التقارير التي تنشرها مراكز الدراسات التي تشكل في حالات التحوّل والتغيّر مصدر التمهيد لصناعة القرار، تياران يتجاذبان الإدارة، أحدهما متمسك بلغة خشبية لا تعترف بالتغييرات ولا بالفشل، ولا تزال تدعو إلى تسليح المعارضة وتتحدث عن معارضة معتدلة لا ترتبط بـ»القاعدة» ومفرداتها أو فكرها المتطرف، وتيار آخر يعترف بالخسارة في الحرب السورية ويدعو إلى التأقلم مع المتغيّرات.

المشهد الانتخابي السوري الذي قرّرت الإدارة بكلّ مفاصلها تجاهله وإخضاع التعامل معه للغة الخشبية القائمة على الإنكار كما عبّر جون كيري، كان محور ورشة عمل مشتركة لخمسة من مراكز الدراسات الجامعية الأميركية أبرزها جامعة بنسلفانيا وجامعة ميرلاند وجامعة جورج تاون، وكان أبرز المشاركين والمشرفين ديفيد شنكر ومارتن انديك، وكانت المناقشات تدور حول حجم التغيير في المزاج الشعبي للسوريين في ضوء الانتخابات الرئاسية السورية في كلّ من لبنان والأردن.

الحصيلة التي خرج بها أكثر من عشرين أستاذاً جامعياً شاركوا في المناقشات هي أنّ الإحباط مما سُمّي «الثورة السورية» صار مزاجاً شعبياً بعضه ناجم عن تلكّؤ الغرب بالتدخل العسكري، خصوصاً الولايات المتحدة الأميركية التي بعثت الكثير من الآمال بتحريك أساطيلها، وبقدر الآمال كان الإحباط مع رحيل الأساطيل، وبعضه الآخر ناجم عن الانفصام بين القيادات السياسية المقيمة في الخارج وتنسيقيات الداخل التي اضمحلت وتلاشت واندمجت بألوية تسيطر على قيادتها القوى الإسلامية المتطرفة لامتلاكها السلاح والمال، وبعضه الآخر ناتج من خجل العلمانيين من المشاركة في توليفات تديرها دول الخليج التي لا تشبه بشيء شعارات الديمقراطية والعلمانية. وجاءت تجارب حكم الشريعة التي أقامتها المجموعات الطاغية على الجسم العسكري للمعارضة لتظهر طلاقاً مع المزاج المعتدل للإسلام الذي يعيشه السوريون.

ويضيف التقرير أنّ الحكومة السورية تمتعت بصبر وحنكة مكّناها من التلقي الإيجابي لهذا التبدل في المزاج بتقديم صيغ للتسويات الميدانية تريح المسلحين المتعبين، وهو نموذج قدمته تجربة حمص على أقوى مثال.

يعرض التقرير الشعور بالخداع الذي يعيشه بعض كوادر التنسيقيات والمقاتلين الذين تركوا أمام خيار واحد هو الالتحاق بالجماعات المتطرفة والتحوّل إلى مرتزقة حرب، أو الإسراع بقبول عروض الجيش النظامي عليهم بتسوية أوضاعهم والعودة عن خيار التمرّد.

يتوقف التقرير أمام المشهد السوري الانتخابي في لبنان فيعتبره الأكثر تعبيراً عن المزاج الحقيقي للسوريين، ويسجل الغياب الكامل للمعارضة كدليل على اضمحلال كياناتها وقدرتها على التفاعل مع شارع أو كتل شعبية منظمة، ويتوقف أمام ما كان واقعياً كتلة بشرية هائلة تحركت بصورة منظمة تعبيراً عن قوة الجهات التي تشرف على متابعة النازحين من داخل سورية، ومن تحرك بصورة عفوية يدلل على حجم الابتعاد الشعبي عن خيارات المعارضة وارتضاء العودة إلى كنف الدولة على رغم كلّ ما كان عليها من مآخذ.

يحذر التقرير من العناد في التعامل مع هذا التحوّل وإنكاره والإصرار على وصفة النظام المعزول شعبياً والفاقد للشرعية، ويؤكد على ضرورة التوقف أمام جدوى الحديث عن تسليح معارضة معتدلة لم تعد موجودة ولا بيئة شعبية حاضنة لحربها، ويورد مثال المقاطعة لإيران والعزلة التي فرضت عليها ليخلص إلى القول إنّ العودة إلى التفاوض السياسي مع إيران يجب أن يكون درساً لعدم تكرار التجربة، كي لا نعود بعد عشرين سنة من القطيعة لنفاوض دولة تملك برنامجاً نووياً.

أرخت مواقف وزير الخارجية الأميركي جون كيري في بيروت لجهة دعوته روسيا وحزب الله وإيران للعمل معاً لوضع حد للحرب في سورية بظلالها على المشهد اللبناني.

اعتراف ضمني بدور حزب الله الإقليمي

وأكدت مصادر مطلعة لـ«البناء» أنّ كيري بكلامه نزع صفة المنظمة الإرهابية عن المقاومة واعترف بدور حزب الله، مشيرة الى أنّ هذا الخطاب هو أكبر مكسب في الديبلوماسية من تداعيات الأزمة السورية، وبدا وكأن الولايات المتحدة تستغيث بروسيا وحزب الله لإخراجها من المأزق.

وأشارت مصادر أخرى لـ«البناء» الى وجهتي نظر، الأولى تعتبر أن ما صدر عن كيري هو زلة لسان غير مقصودة لا تعكس الموقف الأميركي الرسمي من حزب الله، فوزارة الخارجية الأميركية ستصدر خلال الساعات القليلة المقبلة بياناً توضيحياً لمواقفه، والثانية تعتبر أنّ أميركا بدأت تدرك أهمية الحلّ السياسي في سورية بالتعاون مع القوى الكبرى. وأكدت المصادر أنه بغضّ النظر عن وجهتي النظر، فإنّ ما حصل إقرار ضمني بدور حزب الله الإقليمي الذي لا يمكن تجاوزه، في ما يتعلق بالملف السوري، بالإضافة إلى القوى الأخرى كإيران وروسيا، والأهم أن المسؤول الأميركي تحدث عن دول كبرى ووضع حزب الله في الميزان نفسه.

التعطيل سيجرّ البلد إلى المجهول

في غضون ذلك، نشطت حركة الاتصالات على خط عين التينة عشية جلستي التاسع والعاشر من حزيران، والمخصّصتين لانتخاب رئيس الجمهورية وإقرار سلسلة الرتب والرواتب، على رغم أنّ أيّ إشارات إيجابية لم تصدر حتى الساعة والأمور لا تزال «مكانك راوح». وواصل رئيس المجلس النيابي نبيه بري مشاوراته، واستقبل أمس رئيس الحكومة تمام سلام لأكثر من ساعة، والوزير وائل أبو فاعور موفداً من النائب وليد جنبلاط، بعدما كان التقى أول من أمس رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون.

وأكدت مصادر عين التينة لـ«البناء» أن الرئيس بري يهدف من حركته عدم الوصول إلى طرق مسدودة والعمل على تسيير أمور الناس في هذه المرحلة الدقيقة، لا سيما أن التعطيل سيجرّ البلد إلى المجهول وهذا ليس من مصلحة أحد، لافتة إلى أن اللقاء مع الرئيس سلام تناول التنسيق بين مجلسي النواب والوزراء.

وأشارت إلى أنّ اللقاء الذي جمع بري وعون كان لقاء حوار ومصارحة وتفاهم في كيفية إدارة شؤون الدولة، وحلحلة أزمة المشاركة في الجلسات التشريعية لا سيما ذات المصلحة الوطنية. وشددت المصادر على أن الجهد ينصبّ على جلسة الثلاثاء المخصصة لمناقشة وإقرار سلسلة الرتب والرواتب، وبالتالي العمل على إيجاد مخارج للوضع القائم.

واعتبرت المصادر أنّ الحَراك في حد ذاته جيد، فالأساس اليوم هو عدم ترك البلد من دون مؤسسات، والمفروض من باب المسؤولية الوطنية العمل على إيجاد حلول، لأنّ كلّ خطوة ناقصة ستترتب عليها نتائج سلبية.

ودعت المصادر القوى السياسية إلى احترام الدستور الذي يقول: «إن الشغور في موقع الرئاسة يعبّئه مجلس الوزراء مجتمعاً، وإذا كانت الحكومة التي تضمّ مختلف القوى السياسية اليوم منتجة، فلماذا العمل على تعطيلها، هذا فضلاً عن أنه لا يجوز تعطيل المجلس النيابي، فالبلد في الشارع اليوم، وعلى الكتل السياسية عدم التخلي عن مسؤوليتها.

الشغور الرئاسي لا يمكن التحكم به

ورأت مصادر وزارية لـ«البناء» أنّ الشغور الرئاسي لا يمكن التحكم به، وهذا ما يبدو من خلال جرعة الدعم التي تلقاها رئيس الحكومة تمام سلام من وزير الخارجية الأميركي جون كيري.

وزار أمس وزير الصحة وائل أبو فاعور رئيس المجلس النيابي موفداً من رئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط الذي بحث مع السفير الأميركي ديفيد هِلْ في الاستحقاق الرئاسي، حيث وضع السفير الأميركي النائب جنبلاط في أجواء لقاء كيري بالرئيسين بري وسلام والبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي.

وأكد أبو فاعور أنّ الإخفاق في انتخاب رئيس لا يجوز أن يؤدي إلى إخفاقات في المؤسسات الأخرى»، مؤكداً «الاستمرار بالتوافق لانتخاب رئيس، لكن بانتظار انتخابه لا يجوز تعطيل باقي المؤسسات تحت أي ذريعة خصوصاً للكسب السياسي».

وفيما أكد مصدر نيابي في كتلة الوفاء للمقاومة لـ«البناء» حضور جلسة الثلاثاء المخصصة لإقرار السلسلة. لم يحدّد تكتل التغيير والإصلاح موقفه النهائي من جلسة الثلاثاء، وأعلن مصدر في التكتل لـ«البناء» أن حضور الجلسات يستوجب الاتفاق على إقرار السلسلة بأرقام صحيحة فلن ننزل إلى المجلس من أجل الاستماع إلى خطابات لا نتيجة منها.

وأشارت مصادر في 14 آذار لـ«البناء» إلى أنّ مواقف الكتل النيابية من موضوع حضور جلسة السلسلة لم يتغير، وقالت: «إنّ حضور الجلسة مرهون بحصول توافق قبلها على مصادر تمويل السلسلة وتكاليفها.

مصدر وزاري: الاجتهاد السياسي يعطّل الحكومة

ولفت مصدر وزاري إلى أنّ إصرار البعض على تجاوز نصوص الدستور في ما يتعلق بممارسة مهام رئيس الجمهورية في حال شغور موقع الرئاسة، وتحديداً المادة 62 قد يؤدي إلى تعطيل عمل الحكومة. وأشارت المصادر إلى أن معظم الطروحات التي يتحدث عنها بعض الوزراء عن توقيع كل الوزراء على كل المراسيم، هي طروحات سياسية وليست قانونية، ولاحظت أنه خلال وجود رئيس الجمهورية فالدستور يتحدث صراحة عن كيفية توقيع المراسيم. ولذلك فالاحتكام للدستور يفترض اعتماد أصول محددة لكل نوع من المراسيم وليس وضعها كلها في المنظار نفسه. واعتبرت أن الجلسة المقبلة لمجلس الوزراء بهذا الخصوص ستكون حاسمة، خصوصاً أن رئيس الحكومة هدد بوضع النقاط على الحروف وتسمية المعرقلين.

مسيحيّو 14 آذار مصرّون على توقيع كل الوزراء

في المقابل، أكدت مصادر وزارية في 14 آذار أن مواقف مسيحيي هذا الفريق لا تزال هي نفسها من التمسك بتوقيع كل الوزراء على المراسيم التي تصدر عن الحكومة وأوضحت أن أي اتصالات لم تحصل مع هؤلاء بعد جلسة مجلس الوزراء الأخيرة، مشيرة إلى أن الأمور تنتظر دعوة رئيس الحكومة لجلسة مجلس الوزراء لاستكمال البحث في آلية عمل الحكومة، أو حصول توافق سياسي بين الأطراف المعنية حول هذا الموضوع.

تكرار سيناريو 2008 بموافقة الراعي

في سياق آخر، وضع وفد المؤسسات المارونية الثلاث البطريرك الراعي، في حصيلة جولته على الأقطاب الموارنة الأربعة. وأكد مصدر مطلع على الاجتماع لـ«البناء» أن البطريرك الراعي أبدى انزعاجه من تشبث القيادات الأربعة في مواقفهم والذي أنتج عدم الاتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية. وأشار المصدر إلى أن الاتجاه لدى البطريرك هو للبحث عن شخصية خارج القيادات الأربعة بالاتفاق معهم، وإلا فإن تجربة عام 2008 وما سبقها ستتكرر لجهة تعيين رئيس وفق التفاهمات الإقليمية بالتشاور مع البطريرك الذي عندما يوافق يعين الخارج الرئيس.

«الستين» يناسب التيار الوطني الحر

بموازاة ذلك، رأى رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع أن الفراغ في سدّة الرئاسة أو عملية انتخاب الرئيس لا يجب أن تؤثر في الانتخابات النيابية المقبلة، معتبراً «أن القوات اللبنانية وقوى 14 آذار تسعى جاهدةً لإقرار قانون جديد بأسرع وقت ممكن».

وتحدثت مصادر نيابية لـ«البناء» على أن التيار الوطني الحر يريد إقرار قانون انتخابي، ولكن في ظل صعوبة إقرار هذا المشروع الإصلاحي نتيجة الوضع الراهن، فهو لن يمانع في إجراء الانتخابات النيابية على أساس قانون الستين الذي يناسبه لجهة تحقيق نتائج إضافية في الأشرفية وزحلة ما يزيد في حجم كتلته النيابية. فيما أكدت مصادر التيار الوطني الحر لـ«البناء» أن العماد عون بين رئاسة الجمهورية وقانون الانتخاب مع تيار المستقبل، باعتبار أن من يعطل الاستحقاق الرئاسي هو الذي يعطل إقرار قانون جديد للانتخابات النيابية.

وأكد النائب جان أوغاسبيان لـ«البناء» أن لا انتخابات نيابية قبل انتخاب رئيس للجمهورية، فالأفضلية هي للاستحقاق الرئاسي، داعياً فريق 8 آذار إلى الكف عن الرهانات غير الواقعية وعدم أخذ البلد إلى فراغات على كل المستويات.

ورأت مصادر في تيار المستقبل لـ«البناء» أن قانون الستين بات أمراً واقعاً في ظل الانقسام الحاصل إذا حصلت الانتخابات في تشرين الثاني، ولم يمدد للمجلس.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى