على ضفّتي الخليج… هل تقدّمت إيران حيث تخلّف العرب أم العكس؟

أبو بكر صالح ـ عدن

لم أكن أدرك أن طرح مثل هذا السؤال قد يدخل في مضمار الخيانة الإلهية!؟ أو خيانة العقيدة! مثلما يراه اللاهوت السلطويّ العربيّ اليوم، خاصة الوهابيّ! خشية لن يكون هو المتسبب في تخلّفنا أمام الآخرين ويريد أن يحمّل الآخر المجهول، عدوّنا، كامل المسؤولية ليظهر بريئاً تسعى نظرية المؤامرة إلى إظهاره المذنب؟

أرى أني لا أملك حق طرح السؤال أساساً، لأنني لست من النخبة المثقفة أو من كبار المحللين أو المنظرين، وكان مفترضاً أن يطرحه أحد أولئك النخبة المثقفة، أما أنا فلا بدّ من أن أخوض في مضمار يتناسب وقدر ثقافتي البسيطة والعفوية في آن واحد! بيد أن ما أثار حفيظتي وحنقي أن مسألة الطرح تعتبر من المنهيّات أو المنكرات، حتى على كبارنا من أهل الثقافة والفكر والسياسة؟

موضوع التخلّف قد ينبري البعض للرد عليه بصورة تكاد تكون هستيرية وبلا وعي ثقافي يرتقي إلى المسؤولية التاريخية! إذ سيرى أن أي حديث عن التخلّف سيكون مرتكزاً بلا ريب على الوازع الديني أو المعتقد دون سواه، في حكم مستعجل لا يستند إلى وعي مسؤول؟ وهذه إحدى العقبات الكأداء التي غالباً ما تعترض أي محاولة تأسيس وعي جديد يجمع الاختلافات ويكون أرضية ثقافية شاملة من شأنها أن تؤسس لوعي ثقافي واجتماعي واقتصادي للأمة مهما اختلفت معتقداتها الدينية أو الاثنية أو الطائفية… إلخ؟ ولا يعني بالضرورة أن اي دعوة إلى تلمس طريق ما إذا كان هناك وعي خلاق قد برز، ولا يمت إلى أي وعي آخر بأي صلة؟

من المبالغات المجحفة في حق بعض التيارات العربية التي ساهمت في ثورات التحرّر العربية أن تتهمنا هي بتخلفنا وتراجعنا أمام التقدم الصناعي والاقتصادي والثقافي وغيره من مناحي النهضة، ففي نظر الذي وجهوا إليه ذلك الاتهام وروّجوا له إعلامياً بصورة ممنهجة عكست صورة سلبية لدى الأمة التي خانها وعيها وصدّقت ما روّج له، إلى حدّ أنها أي الأمة أظهرت سذاجة وغباء منقطعي النظير تمكن ممن ينتمون الى الإسلام السياسي من تضليلها كل هذه المدة ولم تكشف حقيقتها إلاّ هذه الانتفاضات العربية التي اجتاحت العالم العربي وكان وقودها الخفي والخبيث المال النفطي من أعراب الخليج الذي لم يقودوا أي ثورة بمعناها الحقيقي والواقعي في بلدانهم إنما استبدلهم الاستعمار قبيل خروجه من المنطقة في ستينات القرن المنصرم وسبعيناته.

مما لا شك فيه أن بذرة القومية العربية اشعلت جذوة الثورات العربية التحررية وساهمت بلا ريب في نهضة عربية قومية توجت انتصاراتها الناصرية المصرية التي أضحت قدوة لا تسعى الى عسكرة الأنظمة مثلما صوّرتها الأدوات الاعلامية الدعائية المغرضة وتجذرت في العقليات العربية من دون أن تعي جوهرها وخطورته، وذلك كلّه مضاجع الدول الاستعمارية الإمبريالية وتسبب بدخولها من جديد في حرب باردة تبنّتها تلك الأنظمة التي كرّست لوجود استعماري دائم تحت مسميات عديدة لا تزال الى يومنا تأخذ طابع قواعد حربية واتفاقيات خفية وظاهره تصب كلها في مصلحة الارتهان الخارجي.

على الضفة الأخرى كانت إرهاصات الثورة الإسلامية تختمر لتنفجر بعد استقلال الدول العربية مباشرة، فتندلع لتطيح أكبر الأنظمة العميلة والموالية للغرب وكيان العدو وتلغي حكم أوليغاركي عائلي كان يتبنى ديمقراطية مقننة تخدم أكبر دولة تعبث بالديمقراطية زيفاً وكذباً.

بيد أن ثورة إيران الإسلامية لم تأخذ منحى قومياً علمانياً مثلما حدث في بعض البلدان العربية، إنما أخذت منحى ثيوقراطياً استأثر بسلطة الحكم لاهوتياً غير متطرف مع بقية الأديان أو الإثنية بصورة سافرة، وإنما مد جسور التواصل مع جميع الأطياف وإن يكن بعضها لا يترك تأثيراً ملموساً. لكن ذلك لا يعني أن ما سجلته إيران من نهضة تقنية وعلمية وصناعية ضخمة غير القفزات في بقية الجوانب الأخرى التي لا تقل أهمية عما ذكر يعود إلى صفة الاعتقاد وحده، إنما كان الدين المشروع الكبير الذي شمل تلك القفزات النهضوية ودعم مسيرة البناء والتنمية، بل واجهها وكان السدّ المنيع لردع أي محاولات أو مؤامرات تستهدف ذاك المشروع الطموح، على نقيض رجال اللاهوت العربي، خاصة بنكهة الوهابية و«الإخوانية» وجهي العملة الواحدة في رأي الكاتب ، فـ»الإخوان» لم تحتضنهم إلا أنظمة وهابية الخليج وأغدقت عليها المال وكانت محاولاتها القضاء على مصر عبدالناصر بالأمس وسورية والعراق وليبيا ومصر اليوم؟

على عكس أغلب الأنظمة العربية، لم تقدم الثورة في إيران على تخريب أو تدمير بنية الدولة التي ورثتها عن المخلوع شاه إيران، ناهيك عن خروجها من حرب ضروس مع جارتها العراق قاربت عقداً من الزمان! إنما رفدتها باهتمامات كبيرة ومؤثرة آتت ثمارها وخير تلك الثمار صمودها الأسطوري أمام الحصار الدولي الذي كاد يحقق ما لم يكن يحلم به الاستعمار، والمتمثل في إسقاط الدولة والثورة الإيرانية برمتها، وقد خرجت إيران بخبرة عظيمة لا شك في ستسجل من خلالها مزيداً من الطموحات التي تداعب قادة ذلك البلد، وستخرج بنتيجة من شأنها تحقق نهضة اقتصادية واجتماعية وثقافية وتنويرية نهضوية منقطعة النظير قد تؤهلها لتأخذ مكانها بين الدول المتقدمة.

لا شك في أن ما حققته ايران في مفاوضاتها مع الغرب وتجلى انتصارها في ذلك النفس الطويل والحكمة والذكاء الذي أجبر الغرب على التنازل عن تلك العجرفة والغطرسة والغرور، إذ استشعر أن أمامه خصم ذكي وعنيد ويقظ وقوي لا يستهان به؟ رغم التهديدات التي طالته وظلت مصلته عليه سنوات. في اعتقاد الكاتب أنها لو كانت موجهة إلى نظام عربي هش لسقط في شهرين، إنما نسجل فخراً واحداً اليوم هو صمود سورية أمام أكبر هجمة همجيّة شرسة وعاتية ووقوفها أمامها وكانت أشد ضراوة من ذاك العدوان الذي طال العراق عام 1991 بعد غزوه للكويت عام 1990، وكذلك عدوان عام 2003؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى