من كتاب د. عادل سماره «ظلال يهو/صهيو/تروتسكية في المحافظية الجديدة» / بيان التهوّد بقلم الأممية التروتسكية (4)
تنشر «البناء» على حلقات أجزاء من كتاب د. عادل سماره «ظلال يهو/صهيو/تروتسكية في المحافظية الجديدة». والكتاب يتناول عناوين عدّة، أولاً: «نشوء المحافظية الجديدة ـ تواشج ليبرالي يهودي تروتسكي»، ثانياً: «التروتسكية وتفكّك الاتحاد السوفييتي»، ثالثاً: «نتنياهو نموذج لسياسة محافظة جديدة»، رابعاً: «التروتسكيون والربيع العربي»، خامساً: «التروتسكية وأميركا الجنوبية»، وسادساً: «الهند بين الغوارية الماوية، تواطؤ التروتسكية والإقرار الأوروبي بفساد سلطتها»، إضافةً إلى تمهيد ومقدمة.
وإذ تقوم «البناء» بنشر أجزاء من الكتاب، فلأنها تريد أن تساهم في تعميم حقيقة الارتباط القائم بين اليهودية العالمية وبين الإمبريالية الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية. إضافةً إلى إظهار ناحية أساسية في هذا الارتباط وهو قيامه على قاعدة الرأسمال المعولم الذي وضع أسسه أمشيل ماير روتشيلد في الثلث الأول من القرن الثامن عشر، والذي جرى تأسيسه في العالم الجديد، أميركا، عبر مجمعات مالية ضخمة مثل مجموعة كوهين لوب ومجموعة م.م. واربورغ ومجموعات مورغان وسواها، وقبل ذلك بالسيطرة الروتشلدية التامة على مصارف أوروبا واستطراداً أميركا. يظهر الكاتب حقيقة الثالوث الجهنمي اليهودية ـ الصهيونية ـ التروتسكية، الثالوث الذي يتحكم بكثير من مفاصل السياسة الدولية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في هذا العدد نعرض لنصّ البيان الذي صدر عن التروتسكية في ما يختصّ بتداعيات الحرب الكونية على سورية، وكيف أراد أصحابه إظهار الحراك الذي وقع في سورية مع تداعياته الإرهابية بأنه فعل ثوري نضالي، وأن ما يحصل في سورية هو جزء من «الثورة» في شمال أفريقيا… والبيان يقوم بقلب الحقائق فيظهر إيران وروسيا والصين على أنها دول تحالف القوى المعادية «للثورة»، في وقت وقفت الولايات المتحدة الأميركية مع «الثوار».
إن التحالف الذي أشرنا إليه في حلقات سابقة بين اليهودية والتروتسكية، ظهر بشكل واضح في هذا البيان، من جهة مضمونه، ومنجهة الموقعين عليه، والذين تتعدد جنسياتهم، ولكن تتوحد مشاريعهم في مجاراة الثورة المضادة لكل حراك وطني وقومي واجتماعي أصيل، خصوصاً ما ورد في بيان اللجنة العالمية للأممية الرابعة.
بيان دولي للتروتسكية ضد سورية
«تضامناً مع النضال السوري من أجل الكرامة والحرية نوقع ونقف تضامنا مع ملايين السوريين… ونطلب من بشار الأسد أن يغادر فوراً ومن دون تذرُّع لكي تتمكن سورية من بدء تعافي سريع باتجاه مستقبل ديمقراطي… فمنذ آذار 2013 ونظام الأسد يمارس العنف ضد الشعب السوري ويقصفه بصواريخ سكاد، وأسلحة محرمة دولياً. لقد اعتقل النظام وعذب عشرات الآلاف من الشعب واقترف مذابح لم يتم الإخبار عنها.
لقد قام النظام بتدويل الأزمة، ومنذ البداية دفع باتجاه تسلح الحركة السورية غير العنفية.
إن نضال السوريين غير منفصل عن نضال المصريين والتونسيين واليمنيين والليبيين. إنه مرتبط بنضال الفلسطينيين من أجل الحرية والكرامة والمساواة. الثورة في سورية جزء أساسي من ثورات شمال أفريقيا… ومتأثرة بحركات الحرية في إيران وروسيا والصين التي دعمت ذبح الشعب السوري… بينما الدول التي لم تدعم الديمقراطية أو الاستقلال قط وخصوصاً الولايات المتحدة وحلفائها في الخليج، قد تدخلت لدعم الثوريين».
التوقيعات
من هؤلاء أعضاء أنجزة، تروتسك، مستشرقين، طائفيين، متأستذين نورد نماذج عنهم:
آدم هانية: نصف فلسطيني، يكتب في التنمية عن فلسطين ويدعم تدمير سورية!
عايدة سيف الدولة: مديرة مؤسسة أنجزة
ديفيد ماكنلي: أكاديمي كندي أشك أنه يعرف سورية ولا شك بأنه متأثر بالتروتسكيين الصهيونيين من الكيان في جامعة تورنتو نفسها التي يعمل بها وهما جوناثان نيتسان وشيمشون بيخلر.
فردريك جاميسون ثقافوي معروف ولكن موقفه هذا يؤكد عنصرية الماركسية البيضاء.
غسان حجي أكاديمي لبناني في أستراليا يتعاطف مع فلسطين ولكن يرتد ليقسم إيمان المحبة للصهاينة.
إيلان بابي، ونورمان فنكلشتاين ناقدان لسياسات الكيان في المحتل 1967 ولكن على أرضية أن المحتل 1948 هو «أرض إسرائيل» طبعاً إيلان بابيه يرفض بالمطلق أية إشارة للعمق العربي في الصراع العربي الصهيوني.
ساري حنفي، فلسطيني مبادر تطبيع وخبير أنجزة.
رشيد خالدي مؤرخ فلسطيني في أميركا من أول من دعم اتفاق أوسلو، يراوغ الأكاديمية الإمبريالية ليحصل على كرسي إدوارد سعيد.
روبرت يونغ كاتب ناقد للخطاب الأبيض، ولكن حين يتعلق الأمر بالعرب يرتد عنصرياً.
سلامه كيلة فلسطيني تروتسكي طُرد من سوريا لارتباطه بثوار الناتو ويعمل لمصلحة إمارة قطر ضمن فريق عزمي بشارة وميشيل كيلو وهو على صلة وثيقة بالتروتسكيين الفرنسيين ذوي الانتماء الصهيوني العميق.
سليم فالي والي تروتسكي من جنوب أفريقيا من أصل باكستاني
طارق علي أحد اقطاب التروتسكية باكستاني يعيش في بريطانيا.
توفيق حداد تروتسكي فلسطيني
يوسف فخر الدين يساري فلسطين ممن يقودهم التغرير التروتسكي.
جلبير أشقر أو صلاح جابر لبناني وأحد أكثر المتعصبين التروتسكيين.
وعلى رغم اتضاح المشهد بشكل لا لبس فيه عام 2014، فإن قيادة التروتسكيين على صعيد دولي قد واصلت انخراطها في خدمة الثورة المضادة والهجوم على سوريا. فقد ورد في بيان اللجنة العالمية للأممية الرابعة:
«…الثورة المستمرة ضد نظام الأسد الديكتاتوري، والتي انطلقت في شهر آذار/مارس عام 2011، هي حركة من أجل تحقيق الحقوق الديمقراطية الاقتصادية والاجتماعية المماثلة لتلك التي اندلعت في تونس ومصر في نهاية عام 2010 وبداية عام 2011. وهي جزء من «الثورات العربية»… ويحكم النظام القمعي سورية منذ عام 1970 حين استولى حافظ الأسد على السلطة عبر انقلاب. وعلى رغم ادعاءاته العلمانية، اعتمد النظام السوري على المحسوبية الطائفية والعائلية لتوطيد حكمه.
كما ساهم الاحتلال الامبريالي للعراق والتنافس بين السعودية وإيران أيضاً في نمو الأصولية الدينية في المنطقة. كما فشلت أغلب الحركة الدولية المناهضة للحرب في دعم الثورة في سورية.
أحد أشد مخاوف الإمبريالية هو انتصار الثورة الشعبية على الأسد، حيث من شأن ذلك أن يعيد تنشيط الثورات العربية التي ركدت في مصر وتونس وفي مناطق أخرى. وقد انعكس ذلك، من خلال إضفاء الشرعية على نظام الأسد من خلال التوصل إلى اتفاق عبر روسيا لإزالة وتدمير الأسلحة الكيماوية التي استعملها لتقويض الثورة في حين تجاهلت استخدام الأسلحة المدمرة الأخرى. ومحادثات السلام الجارية حالياً هي محاولة لتقسيم المعارضة وإجبار الجيش السوري الحر والائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة على تقاسم السلطة مع نظام الأسد لمحاربة «الإرهاب». الشعب السوري يجب أن يكون حراً في تقرير مستقبله بنفسه، بعيداً من أي تدخل أجنبي، ليس فقط الإمبريالية الأميركية/البريطانية، إنما أيضاً الإمبريالية الروسية.
على رغم ادعاءات الامبريالية الأميركية المنافقة القائلة إنها تدعم المعارضة، حيث منعت تسليم المجلس الوطني السوري الأسلحة التي طلبها للدفاع عن أنفسهم ضد جيش الأسد.
كماركسيين ثوريين، نحن مع:
١. إسقاط الأسد، والتضامن مع الثورة، وبوجه خاص مع القوى الديمقراطية العلمانية التقدمية.
٣. رفض كل تدخل عسكري أجنبي مباشر، سواء من الدول الامبريالية الغربية، وروسيا، والدول الإقليمية وحزب الله «.
موقف كاريكاتوري نموذجي لتيار سياسي يقف على مفترق الطرق يراقب المارة ويعطي علامات. فعلى رغم الرطانة الثورية، ليس لهذا التيار جمهور ميداني مقاتل حتى مع الثورة المضادة في سورية. هدف التروتسكيين سقوط النظام تماما كما هو هدف واشنطن. وبعده سوف يطلبون من داعش والقاعدة وتركيا وقطر والسعودية وأميركا إقامة دولة اشتراكية وليس في بلد واحد. كيف لا، وهم الذين يحركون كل هؤلاء! ماذا يختلف موقف هؤلاء من تدمير سورية عن موقف المحافظين الجدد في تدمير العراق؟ لعل المضحك أن البيان يرفض التدخل الأجنبي، ويعتب على الإمبريالية لأنها «برأيهم» لا تدعم قوى «الثورة» بالسلاح اللازم! يعيد هذا إلى الأذهان أطروحة الاقتصادي اليساري جيفري كاي الذي قال: «المشكلة ليست في الاستعمار والإمبريالية، بل في عدم تعمُّق الاستعمار كما يجب». أو ما كتبه إدوارد سعيد في الاستشراق: «إنني لا أنتحب على تبعية العرب لأميركا ولكن على طريقة معاملة أميركا للعرب!».
يركز التروتسكيون في أن روسيا والصين إمبرياليتان ويضعانهما في مصاف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان. يرفضون حتى التحليل القائل إن هاتين الدولتين ربما إمبرياليتان بالنوايا وبحسب تطور الصراع القطبوي على الصعيد العالمي، وبان ما يحسم تحويل شهيتهما للسوق إلى شهية إمبريالية هو إلى درجة كبرى طبيعة الدول الأخرى التي تقيم علاقات معهما. كما يرفض هؤلاء تعاون سورية مع روسيا والصين وهو أمر مصلحي متبادل ومصيري بالنسبة إلى سورية. بينما يلقي هذا التيار بعواطفه مع «ثورة» هي وليدة ورضيعة الثورة المضادة، وينقد في الوقت نفسه الإمبريالية مغمضاً عينيه عن أن ما يعتبره «ثورة» هي فرق أنشأتها وتقودها الثورة المضادة! لعله أمر لافت أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قرر يوم 10 تموز 2014 شطب 30 مليار دولار من الديون المستحقة على كوبا. قد يبين هذا أن في روسيا حتى اليوم بعضاً من شرايين الاتحاد السوفياتي.
أكثر ما هو لافت في بيان التروتسكيين هذا أن لا ذكر للكيان الصهيوني وكأنه ليس في المنطقة. على رغم أن قيادات «ثوار» الناتو أعلنت صراحة علاقتها بالكيان وعلى رغم أن الكيان شن حملات جوية عدة ضد سورية ضغطاً لمصلحة الإرهابيين وعلى رغم قيام كمال اللبواني، أحد قياديي الإرهابيين وعد الكيان الصهيوني بالتبرع لهم بهضبة الجولان مقابل مساعدات الكيان للإرهابيين بإسقاط النظام السوري. ما السبب وراء تجاهل دور الكيان الصهيوني؟ هل هناك غير قيادة التروتسكيين صهيونية الهوى؟
في عام 1991، جاءني ميشيل فارشافسكي ميكادو مسؤول منظمة متسبين التروتسكية في الكيان الصهيوني، وكنت أعمل في مكتب ل يو.أن. دي. بي، UNDP حينها، يحمل بياناً يوجه النقد للعراق بالمستوى نفسه مع الإمبريالية الأميركية. هكذا رأيت موقف من يراقب على الطريق ويخلط بين المعتدي والمعتدى عليه. وكأن بغداد وواشنطن دولتان جارتان وليستا ضحية وجلاد. لعل هذا أوضح تعاطف مع الإمبريالية بتجاهل دورها والتخفي وراء الجملة الثورية. لم أوقع، ولم أدعوه للجلوس.
كعادتهم، يتأستذ التروتسكيون أينما حلُّوا، والتالي نموذج مناسب. طارق علي التروتسكي البريطاني من أصل باكستاني، يتحدث في مصر لمصلحة الإخوان المسلمين والرئيس المعزول محمد مرسي «ما يزيد الإحباط، أن صديقاً قديماً ومثقفاً قبطياً راديكالياً، هاني شكر الله، والذي أدار أحد أحاديثي في القاهرة قد تبهنس تراجع أمام هجومي على عبد الفتاح السيسي. وفي حديث خاص بيننا قال لي: «أرجو أن تفهم بأن هناك حرباً تدور على شخص السيسي. وحينما قلت بأن ضباط الجيش، وليس مرسي، هم الذين دفعوا بالعربات المسلحة لتخترق تجمعاً قبطياً كبيراً أمام مبنى إدارة تلفزيون الدولة، هز هاني رأسه وهمهم متهكماً وقال: «أُخمِّن أنهم كانوا سيبدأون في مكان ما». وهناك مثال فاقع على التحول هو
عبد الرحمن الأبنودي، وهو رمز راديكالي منذ الستينات: الشاعر الذي أصر ذات وقت على أن المثقف لا يمكن أن يحتفظ بقوته الكاملة ما لم يهاجم السلطة، هو الآن ينظم المدائح للسيسي».
من المثير أن طارق علي لم يتخلص بعد من الخطاب الاستعماري البريطاني تحديداً في تصنيف العرب. فهو يدعو هاني شكر الله بـ قبطي وهذا من تراث الاستعمار البريطاني في تقسيم العرب على أسس مذهبية ودينية. وبالطبع، هاني شكر الله، كما أعرفه شخصياً أثناء وجودنا في لندن، كان ماركسياً من حزب العمال الشيوعي المصري المنحل. طبعاً هو غادر كل هذا وأصبح من قيادات الأنجزة، لكن طارق علي يرده إلى أرذل الانتماء.
المهم، أن طارق علي ينسجم مع التروتسكيين المصريين الاشتراكيون الثوريون في تأييد سلطة الإخوان المسلمين، وعبر هذا التأييد أو الانحياز يقف بشدة ضد الجنرال السيسي الذي برأينا مأثرته السياسية هي إنهاء حكم الإخوان المسلمين. طارق علي الماركسي الملحد يجادل بوقاحة لمصلحة نظام دين سياسي تحالف ليصل السلطة مع الولايات المتحدة بعد أن قفز على حراك «25 يناير» 2011 وفاز في انتخابات استخدمت فيها الفتاوى بتكفير من لا ينتخب الإخوان المسلمين كما تم توزيع الأرز والسمنة والسكر على الفقراء لكسب أصواتهم. هكذا تكون ديمقراطية التجهيل والتهديد بعذابات الآخرة.
طبعاً ليس هذا «الإبداع الثوري» حكراً على قوى الدين السياسي والمؤسسة الدينية المصرية، ففي تشيلي مثلاً، لعبت الكنيسة الكاثوليكية دوراً مهماً لمصلحة فيري المرشح اليميني عام 1964 الذي فاز بفارق 400,000 صوت ضد الاشتراكي سلفادور اليندي، وهي أصوات حصل عليها من النساء بعد فرز أوراق الانتخاب على أساس الجنس. كما كانت جميع الصحف الكبرى وجميع إعلام الدعاية في يد الطبقة المسيطرة لمصلحته، إضافة إلى حرية العمل للجمعية الخيرية كارتاس التي تمتعت بشراء الأصوات في مناطق الطبقة العاملة في سنتياغو العاصمة وتوزيع الأغذية من حزب التحالف من أجل التقدم إلى جانب الحملة الأميركية ضد كوبا.
وفي ما يخص ليبيا، فبعد أن انكشف للعالم بأسره أن جيش العقيد القذافي لم يضرب بنغازي بالطائرات، وبعد أن اعترف بذلك أركان أدوات الناتو أنفسهم من الليبيين، وبعد أن أظهرت صور الأقمار الصناعية الروسية أن لا قصف بالطائرت حصل، وبعد أن اعترف أحد مدراء منظمات الأنجزة الليبية بفيلم بأنه كذب بشأن القصف وجند 70 منظمة أنجزة لإغواء مجلس الأمن لاتخاذ قرار «حماية المدنيين» في ليبيا ، وبعد أن قام طيران الناتو بتنفيذ خطة مسبقة لإسقاط النظام وتدمير ليبيا، بعد كل هذا لم يبق سوى التروتسكيين يتهمون النظام الليبي بأنه وراء تدمير ليبيا. لم يبق أمام هؤلاء إلا أن يعتبروا الإرهابيين الذين يحكمون ويفككون وينهبون ليبيا ويقتتلون، أن يزعم بأنهم قد أنشأوا هناك كميونة باريس.
الرابط التالي عن موقف التروتسكيين أيضاً ضد مصر في انتصارهم لحكم الإخوان، نقتطف منه ما ورد فيه ضد ليبيا وسورية.
«الدهشة والإشاعات كانت ممزوجة مع الآمال العالقة من الماضي. ازداد المشهد سواداً حينما اتضح بأن الكثير من الديكتاتوريات القائمة جاهزة لأن تُطبق السماء على الأرض على أن تتخلى عن السلطة. في ليبيا سمحت الديكتاتورية بالتدخل الإمبريالي وفي سورية خلقت حرباً أهلية وإرهاباً لا سابق له. وهذه ولدت في بعض الأحيان جدلاً مُرَّاً في أوساط اليسار ولكن لم يحُل دون الحوار وإعادة التقييم».
وهكذا، يتناسى هؤلاء ما صرح به كثير من قادة الإمبريالية بأن ضرب ليبيا وسورية كان قيد التخطيط قبل عام 2011 بسنوات، ومع ذلك يصر التروتسك ويركزون بأن هذه الأنظمة هي التي جلبت الناتو لتدمير بلدانها. ليس أمامنا سوى القول، أية قدرة على الكذب المكشوف لدى هؤلاء، وكأنهم يجهلون بأن تكنولوجيا الإمبريالية نفسها وفرت حتى لفقراء العالم الاطلاع على الأخبار وحيازة المعلومة.
إنهم يطبقون مقولة أجهزة الإعلام والمخابرات الرأسمالية الرسمية الغربية وبخاصة النازية «اكذب وواصل الكذب حتى تُصدَّق».
لكن الأمر أسوأ، فإن كذباً بهذا الانكشاف هو في الحقيقة انحياز للإمبريالية. وهذا ينسجم مع الفكرة الأساسية لهذا البحث التي تفتح الباب للتنقيب في الارتباط بين التروتسكية والإمبريالية.
تروتسكيون عرب يُقوِّدون للغزاة ويطبعون:
في باب سؤال حامض كتبت ما يلي:
سؤال حامض 306: مثقف الطابور السادس عراقي، تروتسكي، صهيوني .
محمد جعفر هو نفسه كنعان مكية وسمير الخليل. أحد أقطاب التروتسكية العربية التابعة في غالبيتها للتروتسكية الأوروبية المعادية للاتحاد السوفياتي حتى سقوطه وما بعد، والمؤيدة للكيان الصهيوني والمضادة لتحرير فلسطين والمعادية للقومية العربية بتهمة شوفينية العروبة من دون تمييز بين الأنظمة قومية الاتجاه وبين المسألة العروبية التي هي كسائر الطموحات القومية في وحدة الأمة وتحررها وتطورها.
ليس هذا ملفاً خاصاً بالرجل، ولكن بعض المحطات التي تبين التعمق الصهيوني في قيادات تروتسكية على حساب القضايا العربية من العراق إلى فلسطين.
جعفر متخصص في شيطنة الرئيس العراقي صدام حسين كي يجلب الاحتلال الأميركي للعراق. لمن شاهد «سي أن أن» قبيل عدوان 2003 بضعة أيام حيث عرض لقاء بين جورج دبليو بوش وجعفر، كان جعفر يُزيِّن لبوش أهمية احتلال العراق. لا فرق هنا بينه وبين التروتسكي اليهودي بول وولفيتس.
لذا، ليس غريباً أن يقف التروتسكيون السوريون واللبنانيون والتروتسكية الدولية مع العدوان الإمبريالي الخليجي التركي على سورية. وليس غريباً أن ينحاز تروتسكيو مصر لمصلحة الإخوان المسلمين. هنا لا يهم التروتسكي أن هذا إسلامي. ما يهمه أن هذا ضد القومية العربية لأنه يرى أن ضمان بقاء الكيان الصهيوني الإشكنازي هو في تصفية القومية العربية.
محمد جعفر كنعان مكية ، تطبيعي مع الكيان الصهيوني:
«وصل إلى «إسرائيل» أمس كنعان مكية أحد زعماء المعارضة العراقية في الخارج الذي سيشارك في المؤتمر الدراسي الدولي الذي تعقده جامعتا حيفا وتل أبيب وموضوعه المراجعة الفكرية لدى اليسار. وتحدث إلى مراسل الإذاعة «الإسرائيلية» عن الدافع الذي دفعه للمشاركة في هذا المؤتمر، وقال: «جئت لأتكلم عن موضوع المعارضة العراقية ومستقبلها وأهمية مساندتها من اليسار «الإسرائيلي» الموجود في هذه الندوة وأطلب مساعدتهم لي لفهم المعارضة العراقية وموقعها الخاص في مواجهة نظام صدام».
ورداً على سؤال حول دور الديمقراطية في دعم المعارضة العراقية، قال إن الديمقراطية ركن أساسي من المعارضة العراقية، ومن دون الديمقراطية فإن البلد ستشهد حرباً أهلية ليس لها نهاية» القدس 25-1-1999
قد لا يسمح هذا الوضوح التطبيعي بسؤال: أين هو اليسار في الكيان، وما الدور الذي سيقوم به مع معارضة ترتبط بالمحافظين الجدد في الولايات المتحدة. وعلى أية حال، فإن حال العراق الآن وبخاصة بعد أن مزقت أميركا العراق وسلمته للمعارضة الطائفية هو حال يتحدث عن نفسه.
محمد جعفر مدافعاً عن صهيونية إميل حبيبي:
يتساءل محمد جعفر، لماذا يجلس نلسون مانديللا مع بك بوثا ولكن لا يمكن للمثقف الفلسطيني التحدث مع نظيره «الإسرائيلي»؟ والحقيقة فإن الفلسطيني الذي اختار توجهاً مخالفاً بشكل جذري للأولويات السياسية يعيش داخل «إسرائيل»، وقد تمت عملية إدانته من دون تهمة أو محاكمة من قبل نظرائه.
Cruelty and Silence: War, Tyrany, Uprising, and the Arab World Kanaan Makiya Samir al-Khalil 1993 Jonathan Cape, London p.319,
يكمل مكية في هامش في كتابه نفسه:
أثار قبول إميل حبيبي لجائزة الأدب المميز أيار 1992 غضب كثير من المثقفين العرب كما ورد في الحياة اللندنية 24 آذار 1992 ومنهم على سبيل المثال محمود درويش، عبد الرحمن منيف، سميح القاسم، جورج طرابيشي، عزيز العظمة، جابر عصفور، هشام شرابي وآخرون كثر ، كما انتقد من قبل اتحاد الكتاب والصحافيين الفلسطينيين. ولكن حبيبي دُعم من قبل الجيل الجديد من القادة الفلسطينيين من داخل «إسرائيل» والمناطق المحتلة، أناس مثل حنان عشراوي وفيصل الحسيني. في الدفاع عن ما قام به إميل حبيبي انظر النقد الرائع من حازم صاغية، «قضية إميل حبيبي»، «الحياة» 30 آذار 1992» Cruelty and Silence: War, Tyrany, Uprising, and the Arab World Kanaan Makiya Samir al-Khalil 1993 Jonathan Cape, London p. 357,
من الطريف أن حازم صاغية مثيل تماماً لمحمد جعفر. وما أقصده بأن صاغية مضاد للقومية العربية ومبادر للتطبيع مع الكيان الصهيوني وقد واصل طريقه هذا حتى اليوم ضد القطر العربي السوري، ما يؤكد بأن تطبيعه أصيل. وهو بالمعنى السياسي والأخلاقي اعتداء على حق الشعب الفلسطيني في العودة إلى وطنه. لعلها فكاهة أن تُدرَج حنان عشراوي وفيصل الحسيني ضمن الجيل الجديد لـ«القادة». وهما في حينه كانا في العقد السابع من العمر. يبدو أن متوسط عمر الفلسطينيين 150 سنة!
وعلى ضوء العدوان على سورية، نترك للقارئ أمر متابعة مَنْ من المثقفين العرب تورط في معسكر جعفر وصاغية وإميل حبيبي وغيرهم، أي انضم إلى ما أُسميه: «الطابور السادس الثقافي».
غداً حلقة أخيرة