نحو موقف شعبي لمقاومة الإرهاب…

محمد ح. الحاج

ما يقرب من نصف سكان سورية أصبحوا نازحين ومهجرين، الأغلبية في المناطق الآمنة تحت سيطرة الدولة، والبعض في الأردن وتركيا لجأوا تحت ضغط الدعاية الموجهة بأنّ الدولة تضرب بلداتهم وتستهدفهم، والبعض إلى لبنان لنفس الأسباب أو بسبب ما أشيع عن معونات ومساعدات مالية وأحلام وردية وزعها أزلام «المستقبل» ومن يضمرون موقفاً عدائيا تجاه شعب سورية والدولة السورية لغايات في نفس يعقوب، ولا يجب تجاهل عوامل التوظيف السري للأدوات من قبل الصهيو ماسونية الدولية واستهدافها الدائم لوجود سورية أرضاً وشعباً.

تهجّرت أكثرية سكان درعا ومحيطها نحو الجنوب وبدأت رحلة التسوّل الأردنية على حسابهم والمتاجرة بهم، وتهجّرت أغلبية سكان الرقة بعد دخول «داعش» إلى باقي المدن السورية في الداخل والساحل حتى ضاقت بهم الأماكن مع أمثالهم من دير الزور، وحلب تهجّر سكان أحيائها المحيطة بسبب انتشار المسلحين من كلّ الفصائل، وخصوصاً «داعش» و«النصرة» وصمد سكانها الباقون في أحيائهم رغم تعرّضهم لمدافع جهنم والصواريخ التي ترسلها تركيا لـ«نصرة» الشعب السوري، ومؤكد أنّ التمويل من قطر والسعودية، كذلك حصل في إدلب… مئات الآلاف في مراكز الإيواء التي أقامتها السلطات في دمشق وباقي المحافظات، وأغلبها مدارس سيضطر طلابها إلى الدوام في مدارس أخرى وسيتمّ تطبيق نظام الدوامين في هذه المدارس لاستمرار توفير الإقامة للمهجرين من قرى الغوطتين وبلدات دوما وحرستا وعربين وغيرها، ودخان الحلول الأبيض لم ينطلق بعد!

لم تتوقف عمليات التهجير، بل، زادت وتيرتها بدخول «داعش» مدينة تدمر التي خرج أغلب أهلها فهاموا على وجوههم بكلّ الاتجاهات وحيث سمحت لهم الظروف، منهم من وصل دمشق أو حمص، وبعضهم تمّ توجيههم قسراً إلى الرقة، وجزء لجأ إلى المنطقة الأقرب القريتين، ولأنّ العيش في الرقة لا يُطاق توجه البعض تحت الخطرعابراً الحدود الشمالية ليصلوا إلى غازي عنتاب أو غيرها، البعض تمّ سلبه ما يملك والبعض وقع بين أيدي العصابات والحكاية لا تنتهي عند محاولات الخروج من تركيا باتجاه أوروبا وأنشطة عصابات التهريب متعدّدة الجنسيات وغرق الكثير من الشباب السوري في البحر المتوسط… مآسي لم يحسب السوري لها حساباً من قبل.

من جديد يتسلل «داعش» إلى منطقة القريتين، وتفيد معلومات مؤكدة أنّ السكان بدأوا بالخروج منذ الساعات الأولى لدخول «داعش» ومعهم من كان يلوذ بهم من سكان تدمر، «داعش» منعتهم من التوجه نحو حمص أو دمشق، والطريق الوحيد المسموح نحو الشرق، تدمر، ومناجم الفوسفات، هذا بالنسبة للسكان المحمديين، أما المسيحيون السريان فقد تمّ حجزهم، وتفيد التقديرات بأنّ حوالي مائة عائلة تحت الإقامة الجبرية، تخيّرهم «داعش» بين دفع الجزية المقدرة بأربعين ألف ليرة سورية سنوياً للفرد أو الدخول في الإسلام واتباع دورة استتابة تأهيل ديني ، وقد أفادني أحد السكان بأنّ البلدة أصبحت شبه فارغة، وأنّ الدواعش يعيثون فيها فساداً كما فعلوا في تدمر حيث وضع معتمد العقارات لدى التنظيم يده على بيوت الذين اعتبروهم مع الدولة من موظفين مدنيين وعسكريين، صادروا تجهيزات المشافي والعيادات الخاصة والمراكز الحكومية بكل ما فيها، «داعش»… الموت القادم من الشرق، يقول بعض السكان ربما متأثرين بالمسلسل التلفزيوني الذي حمل نفس الاسم.

البيئات التي احتضنت التنظيمات الارهابية بكلّ مسمّياتها كانت معبّأة وجاهزة لاستقبال الأفكار المطروحة لأنها بيئات على أطراف التعصّب أو هي تمثله بالذات، وقد استمرّ احتضانها له زمناً غير قليل وكان للإعلام دوره الفاعل، لكن، وبعد ما يقرب من خمس سنوات بدأت أبعاد اللعبة تتكشف وممارسات العصابات تفضح حقيقتها، وهذا ما دفع بهذه البيئات إلى التقلص والانكماش ومحاولة التنصل من العصابات المتواجدة على ساحتها، بعض أبناء هذه البيئات غادر المنطقة طالباً حماية الدولة، والبعض الآخر بقي خوفاً على ما يملك حيث تصادر العصابات أملاك الغائبين وتوزعها على المرتزقة القادمين من مختلف الأصقاع، وهو إجراء يساهم في زيادة النقمة، من هنا يمكن القول بتغيّر وانتقال البيئة الشعبية واستعدادها لبدء مقاومة هذه العصابات، ولكن، لا بدّ من تنظيم وتأطير هذه المقاومة ووضعها في سياق العمل الجادّ والانتقال بها لتطويرها من مرحلة النقمة إلى مرحلة التنظيم والتدريب فالانتقال إلى مرحلة المواجهة، وهذا العمل هو من مهام الأحزاب والهيئات والمنظمات الاجتماعية الوطنية التي يجب أن تستشعر الخطر وعليها تجهيز نفسها لاتخاذ موقف دفاع عن النفس، في سياق الدفاع عن الوجود والوطن.

تبلور على الساحة العراقية «الحشد الشعبي» لمقاومة تنظيم داعش التكفيري، ولكن هذا الحشد ينقصه التدريب والتأهيل وربما أسباب أخرى قد يكون أهمّها القيادة المؤهلة والتراتبية والقدرة على وضع الخطط والخطط البديلة، مع ذلك فهذا الحراك يعطي صورة حقيقية عن ضيق الشعب بسلوك العصابات الإرهابية ومحاولته تشكيل رديف للجيش على أن لا يعتبر نفسه البديل.

وعلى ساحة الشام تشكلت مجموعات اللجان الشعبية ثم الدفاع الوطني وغيرها، لكنها تحت قيادات مختلفة وقد تكون في بعض الأحيان متنافرة، ويعود ضعف أدائها وتأثيرها على الساحة إلى انعدام القيادة الموحدة، والانضباط، وكذلك الخطط حيث تمارس في أغلب المواقع اعتباطياً على طريقة هبّة عرب تخسر الكثير من عناصرها، ومواقعها في مقابل تنظيمات إرهابية يتوفر لها دعم خارجي وخطط واستطلاع واتصالات متطورة، وفي حين بدأ «الحشد الشعبي» العراقي يخضع لقيادة موحدة وينسّق مع قيادة الجيش العراقي فإنّ المجموعات على ساحة الشام لا زالت تخضع لقيادات متعدّدة، وهذه تدّعي التنسيق مع القيادة العسكرية ضمن مواقع تواجدها، من وجهة نظر محايدة، لا بدّ من تطوير ذلك إلى تنظيم موحد، وقيادة موحدة تخضع بدورها إلى القيادة العسكرية العليا ضمن انضباط عسكري دقيق، والتزام بخطط رئيسة وخطط بديلة لتأتي النتائج إيجابية تماماً لمصلحة الدولة والشعب.

الحديث عن جبهة شعبية لمقاومة الإرهاب، حديث متداول ومطروح، ويأخذ طريقه إلى التطبيق الجدي، ولأنه ضرورة اجتماعية ووطنية فهو موضوع دراسة جرى اعدادها في كواليس الحزب السوري القومي الاجتماعي، وقد يكون تمّ تعميمها وطرحها ضمن لبنان على الأحزاب والمنظمات الاجتماعية الوطنية، وتتضمّن الخطة تعميم المشروع على بقية كيانات الأمة الشام الأردن فلسطين العراق… ليأخذ منحى الجبهة الشاملة في وجه التنظيمات التكفيرية الإرهابية التي تستهدف البنى المجتمعية ضمن سورية الطبيعية بالتفتيت والشرذمة خدمة للمشروع الصهيو ماسوني المعادي، وهو مشروع يتنباه ويدعمه الغرب بما يملك من قوى إعلامية وعسكرية واقتصادية، والمؤسف هو الموقف العربي المساند لهذا المشروع في وجه مشروع النهوض الوطني التحرّري الداعم لحقوق الشعب الفلسطيني في أرضه وثرواته.

الجبهة الشعبية لمقاومة الإرهاب ضرورة ملحة، وهي الردّ الطبيعي والمنطقي على تحالف القوى التي تستهدف وجود الأمة، هذا التحالف القائم على اجتماع التناقضات بهدف تخريب المجتمعات كأولوية، أما الأهداف الأخرى فهي عديدة أهمّها تعميم التعصّب والحقد وتفعيل الارتزاق والجهل بحقوق الوطن والمواطنة، تساهم في ذلك التربية الاجتماعية المتخلفة المنغلقة على أفكار من الماضي، وقد قصّرت الدول كثيراً في مكافحتها أو تغاضت عن ذلك، وربما سمحت بحسن نية في انتشارها فأدّت إلى تخريب شريحة واسعة من الجيل الشاب على مساحة الوطن، وستعاني أجيال بعد ذلك قبل أن تتمّ المعالجة وتصحيح الأفكار الشوهاء التي يجري تسويقها عبر إعلام يسيطر على أغلب الساحة، الجبهة الشعبية لمقاومة الإرهاب لا تقتصر على العمل العسكري، بل يجب أن تكون الأولوية للإعلام ومحاربة الأفكار الظلامية بثقافة الانفتاح وقبول الآخر، واقتصادياً بإنصاف العمل وتحقيق تكافؤ الفرص، ومساعدة الحكومات في محاربة الفساد وليس تعميمه، وهي مهام كبيرة تحتاج إلى نفوس كبيرة، وتضحيات عظيمة ليكون حصادنا النجاح.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى