حلف جديد بمباركة أميركية
جمال الكندي
تعلمنا منذ الصغر أنّ هنالك أشياء لا تجتمع ولا تتلاقى فهي تسمى المتناقضات وإذا اجتمعت لا تتفاعل ويلغي بعضها البعض، كالماء والنار والملح والسكر وكثير من الأشياء البديهية في حياتنا اليومية، ومن خلال الأزمة السورية تكوّنت عند المتابع لهذه الأزمة التي دخلت عامها الخامس هذه النظرية، وهي أنّ من أشعل النار لا يطفئها ورسخت هذه القناعة في عقول فرقاء هذه الأزمة، فهنالك دولة معتدى عليها بأوامر غربية أميركية لتغير نظامها الذي يهدد المصالح الأميركية في المنطقة بحسب توصيف رجالات البيت الأبيض. وفي المقابل، يوجد فكر تربى عليه الصغير وشاخ ورحل عليه الكبير، وهو عقيدة المقاومة والعيش بعزة وكرامة، وأن البوصلة اتجاهها في فلسطين والجولان وهذا ما كان لا يعجب أركانات الحكم الأميركي.
خمس سنوات من أزمة سورية التي صنعت وعلبت في دوائر الاستخبارات الغربية وعملائها من بعض العرب، أسفر عن دمار وخراب وتقتيل وتشريد للشعب السوري الشقيق، وكان يدعم هذا الدمار ماكينة إعلامية ضخمة مهمتها إظهار الذئب على أنه حمل وديع لا أنياب له، وأقصد هنا الجماعات المسلحة بكل تنوعاتها وانتماءاتها، فكان هذا الإعلام يدافع عن هذا القطيع الضال من مسلحين من الشرق والغرب ويصر على أنهم طلاب حق وأصحاب قضية في سورية والذي يقاتل هذا الإرهاب هو الإرهابي والمجرم في نظرهم، والذي لابد أن يحاربه العالم كله ويقاطعه في كل المحافل الدولية، وهذا ما كان خلال المؤامرة على سورية. فما الذي حصل اليوم وغير المعادلة واجتمع النقيضان في طاولة واحدة وما هو المطلوب منهم؟
في السياسة ولعب التحالفات لا يوجد شي اسمه مستحيل، ومقتضيات الأمور تتحكم في صانع القرار في أي مكان وزمان، وما كان مستحيلاً في الماضي داعش جعله أمراً واقعاً وملموساً، والأوامر لمشغلي الأزمة السورية تتغير لأن العقل الذي يديرها عقل بركماتي، يتغير ويتبدل بحسب المصلحة والخطر، وهنا أعني بأميركا. بعد التوقيع على الاتفاق النووي الإيراني أنهى الغرب ملف شيطنة إيران وبدأت القوافل الغربية تحج إليها لاغتنام المرابح الاقتصادية الكبرى بعد رفع الحضر عنها. وهنا السؤال الجوهري من هو العدو الجديد لأميركا؟ فهي لا تقدر أن تعيش من دون خلق عدو سواءً كان وهمياً أو حقيقياً، فظهر داعش العدو الجديد لأميركا بعد أن أستثمره في العراق وانقلب عليه.
الأوامر صدرت والتنسيق عالٍ بين الروسي والأميركي وأثمر على الأرض في أول تجتماع بين متناقضي الأزمة السورية، ولو كان ذلك شكلياً وأقصد هنا بحسب التسريبات الإعلامية بين اللواء مملوك وولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. المهم في الأمر أنه وبعد الرغبة في إسقاط النظام السوري وجعل رئيسها فاقد الشرعية ولا مكان له في سورية الجديدة، نرى أميركا اليوم تطوي هذه الصفحة وتأمر حلفاءها بإقامة حلف يضم دول التأمر على سورية وحلفاء سورية والبحث من خلاله عن صيغة للحل السياسية تراعي خطوط سورية الحمر التي لم ولن تتنازل عنها، وكيف تتنازل وضريبتها كانت آلاف الشهداء من الجيش والمدنيين.
أدرك من أدار اللعبة في سورية أن التخطيط لتغير النظام السوري عبر إرسال آلاف المرتزقة والتكفريين كلفه ظهور عدو هو صنعه في العراق فتمدد في سورية، إنه الكيان الداعشي الذي تخطى الجغرافيا العربية وبدأ يدق الأبواب الأوروبية، والحلف القديم الذي شكل على عجل وببهرجة إعلامية كبيرة لم يوقف هذا المارد، وعلى الأرض الذي يقاتله وينتصر عليه هما الجيشان العراقي والسوري، ومن ورائهما الحليف الإيراني الداعم للجيشين، لذا وبحسب العقل البراغماتي الأميركي الذي يتغير بتغير المصالح أتت الأوامر لتكوين حلف الدول المتناقضة لمحاربة داعش وإيجاد حلول لأزمات المنطقة، وأزمة اليمن هي أولها لآن من أمر بضرب اليمن وخلق هذا الحلف المسخ يعلم أن مفاتيح الحل في الدول الداعمة لليمن والمعارضة لهذا العدوان.
إن المعطيات الميدانية الجديدة ليست ببعيدة في التأثير في اتخاذ قرار إنشاء هذا الحلف، فلجيش السوري يحقق الإنجازات الفعلية ذات البعد الاستراتيجي في الجغراقيا السورية ويسيطر على مساحات واسعة ومهمة في الميدان السوري، وهذا يعلمه جيداً من يدير المعركة في سورية فبعد أن بدأت أميركا بقصف جبهة النصرة ومن يدور في فلكها أصبح الجيش السوري بحسب المعادلة الأميركية الجديدة يقاتل العدو نفسه الذي يسمى عندها بالجماعات المتطرفة، فالجيش السوري وحلفاؤه يقاتلون داعش والنصرة وأذيلهما في سورية ولا وجود فعلياً ومؤثراً للجماعات المسماة أميركياً معتدلة، وورقة تحسين جبهة النصر وإظهارها بأنها معتدلة سقطة بالقصف الأميركي الجديد وتغيرت به أركان اللعبة وأصبحت المعجزة التي قال عنها الوزير المعلم شيء واقعي وتقتضيه المتغيرات الجديدة في الساحة العالمية، والخوف الغربي من الإرهاب بات واضحاً بعد أن دخل وبقوة إلى القارة الأوروبية وأميركا والغرب بعلم بأن مفاتيح هذه الجماعات وأسرارها عند الحكومة السورية وحلفائها.
الانفتاح الغربي وحتى الأميركي على إيران بعد التوقيع على الاتفاق النووي الإيراني سوف يترجم على الأرض بقبول إيران كلاعب أساسي لحل قضايا المنطقة في سورية والعراق واليمن واللقاءات المكوكية التي تحصل في العلن أو من وراء الكواليس في هذه الأزمات سوف تسفر عن حلول مقبلة، ومن كان يعتبر في الماضي المصدر الأول للتكفريين ها هو اليوم ينكوي بنار هذه الفئة ويدخل المساجد ويفجرها والاعتداء الأخير لداعش في معسكر وفي مسجد لأهل السنة في أبها بالسعودية سوف يغير المسار ويجبر محركي الأزمة السورية ومموليها للجلوس على طاولة الحوار وإيجاد حل لهذه الأزمات لأن العدو أصبح مشتركاً بينهم والداعشية لا تميز أحداً وهذا ما أدركته الدوائر الغربية، مؤخراً وسوف ينتج منه معجزة الحلف الجديد ضدّ إرهاب داعش وإيقاف تمويل المسلحين، فهل سيرى هذا الحلف النور قريباً؟
abojmlah gmail.com