الربيع التركي آتٍ
غسان يوسف
في بداية ما سُمّي الربيع العربي كان أكثر المهللين والمرحبين بهذا الربيع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي رأى في هذه التحركات وسيلة لصعود «الإخوان المسلمين» إلى السلطة في العالم العربي، فرحب بما حدث في تونس، ودعم وصول محمد مرسي إلى الحكم في مصر، وشارك في إسقاط معمر القذافي في ليبيا، وشيّد المخيمات لاستقبال النازحين قبل أن تبدأ الأحداث في سورية!
أردوغان الذي صرّح في أكثر من مناسبة أنه سيصلّي في الجامع الأموي في دمشق، هو وصديقه أمير قطر السابق حمد بن خليفة، كان يعوّل على وصول «الإخوان المسلمين» إلى السلطة في سورية.
اليوم وبعد تراجع أردوغان في الانتخابات الأخيرة في السابع من حزيران الماضي يجهد في إقناع الموالين لحزبه بأنه وحزبه يتعرّضان لمؤامرة، الأمر الذي ينكره على غيره، وأنّ ما تقوم به الحكومة التركية من أعمال عسكرية ضدّ الأكراد إنما يخدم مصالحهم على الرغم من ارتفاع مؤشرات حرب جديدة قد تؤدّي في النهاية إلى تقسيم البلاد ومطالبة الأكراد بالانفصال عن تركيا، أو في أقلّ تقدير المطالبة بحكم ذاتي كما في العراق، أو إدارة ذاتية كما يطالب بعض الأكراد في سورية.
وعلى الرغم من دعم مناصري حزب العدالة والتنمية الحاكم للغارات الجوية ضدّ حزب العمال الكردستاني، فإنهم يخشون تصعيد العنف والعودة بتركيا إلى التسعينات، وبدء الحرب من جديد وليبدأ معها موالو أردوغان باستقبال جثامين جنودهم الذين تحصد الحرب أرواحهم.
تركيا اليوم أمام أربعة خيارات:
الأول، الذهاب إلى حرب مفتوحة مع الأكراد سياسياً وعسكرياً، وبالتالي مواصلة الحرب ضدّ حزب العمال الكردستاني في كافة المناطق التي يتواجد فيها، بموازاة ملاحقة قضائية لصلاح الدين ديمرتاش رئيس حزب الشعوب الديمقراطي ونائبته فيجي يوكسيكداغ، ما يعني عملياً حلّ الحزب وسجن ديمرتاش وعدم استطاعة حزب الشعوب من المشاركة في الانتخابات المقبلة، وبالتالي توزع أصواته على الأحزاب الأخرى، ومن بينها حزب العدالة والتنمية بحسب اعتقاد أردوغان.
الثاني، تحالف أردوغان مع حزب الحركة القومية وهو الأقرب إليه في وجه كلّ من حزبي الشعب والشعوب، وبالتالي انقسام تركيا إلى سنية تركية متعصّبة مقابل كردية علوية منفتحة على العالم.
الثالث، الذهاب إلى انتخابات مبكرة وخسارة أردوغان هذه الانتخابات بسبب ردّ الفعل الشعبي على تصرفاته بحق حزب الشعوب، وبالتالي ذهاب الأصوات جميعها إلى حزب الشعب ليكون القوة الثانية في تركيا، وبالتالي يقع أردوغان في شرّ أعماله لأنه برعونته أعطى حزب الشعب قوة من حيث لا يحتسب.
الرابع، حرب أهلية كردية تركية، حيث تعمل حكومة العدالة والتنمية ومنظومتها الإعلامية على تجييش الشارع التركي ضدّ حزب العمال الكوردستاني الذي يتزعّمه عبد الله أوجلان وضدّ الأكراد بشكل عام، وهذا ما سيدفع إلى نشوب حرب أهلية بين الأكراد والأتراك في المستقبل إنّ سار أردوغان وحزبه على هذا المنوال.
نحن اليوم نشهد دقّ أول مسمار في نعش تركيا أتاتورك.
تركيا التي تقف فوق برميل بارود متفجّر ولا تستطيع التراجع عنه بعد أن قطعت شعرة معاوية مع الأكراد واختارت الحديد والنار بدل الحوار.
أردوغان سيجد نفسه وحيداً، والأرض تميد من تحته، فلا الأطلسي سينقذه ولا أتباعه الذين يتوزعون بينه وبين غول وغولن والبغدادي سيقفون إلى جانبه.